
ما يحدث في العراق من بروز قوي للإسلام المتطرف والإرهابيات لنقل التأويل المتطرف والارهابي حتى لا ننسب للإسلام كدين هذه الفظاعات التي تتم باسمه، وما ظهر من حضور قوي لمغاربه في ساحة الإرهاب في الشرق، يدعو الى التأمل العميق لاستباق اي تطور مستقبلي وارد وممكن لاتساع رقعه تأثير هذا التيار المدمر للحياة والحضارة والإنسان. تبرز بقوة، مره اخرى ،ضرورة بلورة مقاربة جديدة للتعامل مع تيارات الاسلام السياسي. المقاربة التي سادت لسنين تعتبر ان كل تيارات الإسلام السياسي (مع تسجيل تحفظي على هذا المفهوم غير الدقيق) ملة واحده ،وان ليس في القنافذ أملس، وان المعتدلة منها تمارس التقية لحين التمكن...انطلاقا من هذه المقاربة فلا فرق بين القاعدة وداعش والسلفية الجهادية والسلفية "العلمية" والاخوان المسلمون وحركه النهضة وحزب العدالة والتنمية والعدل والاحسان... كلهم في سلة واحدة لانهم كلهم اسلاميون، وكلهم ارهابيون! ومن ثمة فالحرب شاملة ضدهم جميعا ولا تستثني احدا، والعمل على استئصالهم جميعا بدون تمييز.مقاربة، اعتقدها خاطئة، ترتبت عنها ممارسات سياسيه وأمنيه محددة ،وترتبت عنها نتائج اصبحت واضحة تؤكد فشلها وعدم جدواها كأرضية للتعامل السياسي والفكري والأمني وللمواجهة. وعندما تفشل مقاربة بهذا الشكل الذريع يصبح من العبث الاستمرار في تبنيها والدفاع عنها وترويجها. أتذكر مقاربة مشابهة كانت رائجة في المغرب بخصوص اليسار خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أوساط داخل السلطة سوقت بقوة أن كل تيارات اليسار ارهابية، وان حزب التحرر والاشتراكية الذي تحول فيما بعد الى حزب التقدم والاشتراكية مجرد تنظيم ارهابي يمارس التقية لحين التمكن من السلطة! ونفس الشيء بالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تحول جزء كبير منه الى الاتحاد الاشتراكي، كانت قولة"ليس في القنافذ أملس" تواجه كل محاولات التميز داخل اليسار وكل تأكيدات الحزبين بالخصوص انهما مختلفان نوعيا عن اليسار المتطرف، لكن الحسابات السياسية الصغيرة تسوق للطبيعة الإرهابية لليسار، كل اليسار، بدون تمييز، اذكر ان في ذلك الزمن كان الارهاب يعني اساسا تيارات اليسار وعليها اطلق قبل ظهور الحركات الاسلامية بقوة، وكانت هناك تنظيمات يسارية ارهابيه فعلا في مناطق مختلفة من العالم تمارس عمليات ارهابيه كان اليسار " المعتدل" ،وهو اليسار الحقيقي ،يدينها ويرفض بشده حشره مع تنظيمات نخبوية ومحدودة تمارس عملا ارهابيا بدون جدوى، لذلك فالمقاربة التي تحدثت عنها بخصوص الحركات الإسلامية لا تتضمن اي اجتهاد بل مجرد اعادة انتاج نفس المفاهيم ونفس الممارسة، مع تغيير اليسار ب الاسلام السياسي،،،مع التذكير بان هده المقاربة تجاه اليسار في زمن ما من تاريخ المغرب لم تؤدي سوى لتوترات مستمرة والدوران فيما سماه القائد اليساري الراحل علي يعته بالحلقة المفرغة، ولم تنكسر هذه الحلقة للانطلاق نحو افق جديد للحياة السياسية سوى بالتوافق التاريخي المعلوم والتخلص من اعتبار اليسار ، كل اليسار، ملة واحدة يهدد النظام السياسي واستقرار البلد، وتبلور مقاربه جديده، مقاربه الاعتراف المتبادل والاشراك والاندماج في الحياه السياسية...انه التاريخ القريب لابد من الاستفادة من دروسه في التعامل مع التحولات والمستجدات...
فما هي المقاربة البديلة بخصوص الاسلام السياسي، او ما يسمى كذلك ؟ حسب رأيي المتواضع لابد من وضع تمييز داخل هذه الحركات بين تيارات معتدلة لديها استعداد للتكيف مع متطلبات العمل السياسي في اطار المؤسسات، ولديها تأويل للإسلام انطلاقا من فكرة التسامح ومن" لا اكراه في الدين" ومن " انتم ادرى بشؤون دنياكم" ،والاستعداد للحوار والتعامل مع مخالفيهم، والانطلاق من فكرة انه بالإمكان ابدع مما كان في تاريخ الاسلام وليس العكس كما ترى الأصولية المتشددة، من جهة ،وبين تيارات أصولية متطرفة منغلقة يقوده و يسيرها جهلة، ليس فقط بواقع العصر وطبيعة الحياة والتاريخ بل بالإسلام نفسه، وهذه التيارات محدودة ونخبوية بمعنى الاقلية وليس النخبة بمعنى التميز. هذا التمييز ضروري في نظري لبلورة مقاربة تشجع التيارات المعتدلة على تعميق وتطوير خيار الاعتدال، وتساعدها على الاندماج ، بشكل عادي وطبيعي، في الحياة السياسية والفكرية المبنية على التعدد والاختلاف.ان تجربة كل من حزب العدالة والتنمية في المغرب وحركه النهضة في تونس تدعو بقوة الى تطوير مثل هذه المقاربة، والتي يترتب عنها تعاملا اخر ،سياسيا وامنيا وفكريا، وتركيز المعركة على العدو الحقيقي والتهديد الحقيقي والذي هو الحركات الإسلامية الارهابية، وهي معركه على تيارات الاسلام السياسي المعتدل الانخراط فيها بقوه ووضوح كامل. اتذكر انه رغم ما ذكرت من إدراجنا سابقا( اقصد حزب التقدم والاشتراكية) ضمن القنافذ التي ليس فيها أملس من طرف جهات في السلطة خلال السبعينات من القرن الماضي خاصة، فان معركة الحزب الايديولوجية ضد اليسار المتطرف كانت شرسة قوية ومؤثرة، اعتبر الحزب ان الاعمال الارهابية الفردية او لجماعات محدودة غير مجديه بل توثر سلبيا على قضية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولم يتوان في التنديد بقوه بكل عمليه إرهابيه ينتسب أصحابها الى اليسار العالمي، موقف صارم بدون هوادة...
اليوم مطلوب من هذا الاسلام السياسي المعتدل، وقد اجازف بالقول انه عصري بشكل ما، أن يحدد موقفه بوضوح كامل من هذه التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا وليبيا وجنوب الصحراء... ويدين بقوه ممارساتها الإرهابية واللانسانية، ولا ينبغي ان يتوقف الأمر عند تسجيل مواقف مبدئية بل خوض معركة ذات طبيعة فكريه وإيديولوجيه ضد التأويل الضيق والجاهل لبعض الآيات ألقرانيه، والبحث داخل النص الديني باجتهاد معمق عن تأويل اكثر ملاءمة لخيار الاعتدال، وداخل تاريخ الفكر الإسلامي والمذاهب المتعددة والاجتهادات الفقهية عما ينقض الأصولية المتشددة والإرهابية، سواء كان هذا الارهاب فكريا او جسديا. إنها معركة شامله فكريه وسياسيه وتربويه، ومن مصلحة الجميع هزم التطرف والارهاب على كل الواجهات، ولتيارات الاسلام السياسي المعتدل دور كبير في هذه المعركة الكبرى، لكن لابد من الاعتراف المتبادل عوض الاقصاء المتبادل، لابد من حوار جدي وليس حوار العداء والاوصاف الجاهزة والمواقف المسبقة. هي بعض أسس مقاربه أخرى بدأت تتبلور بالتدريج في اوساط مختلفة، بدأناها في المغرب على المستوى السياسي وعليها ان تتطور على المستوى الفكري، ثم في تونس بشكل فعال ومجدي، وعليها ان تتبلور بوضوح اكبر في القادم من الايام وعلى اوسع المستويات... وأتوجه بشكل خاص بهذا لمكونات من اليسار والعلمانيين ،كما اتوجه بنفس القوة لقاده حزب العدالة والتنمية واطره السياسية والفكرية لأقول لهم: انخرطوا بقوة في المواجهة الفكرية والايديولوجية للتيارات الإرهابية والتأويلات الضيقة للإسلام كما فعلنا نحن في الماضي تجاه التطرف اليساري،هذا حسب استيعابي المتواضع لبعض التاريخ ولبعض الواقع وحسب معلوماتي، وما أوتيت من العلم الا قليلا ...