- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الإثنين, 09 آذار/مارس 2015 14:33

اعتمدت وثيقة اللجنة المركزية حول "اقتصاد السوق والخصخصة "على برنامج الحكومة الذي تضمن ستة محاور (عراق آمن ومستقر الارتقاء بالمستوى الخدمي والمعيشي للمواطن تشجيع التحول نحو القطاع الخاص زيادة انتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية الاصلاح الاداري والمالي للمؤسسات الحكومية تنظيم العلاقات الاتحادية ( المحلية ) وهي محاور مهمة وواسعة وتحمل من التحديات والطموح الكثير، ومن دون الدخول في التفاصيل فأن اللجنة المركزية وضعت قراءة نقدية للتوجه فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وبخاصة اقتصاد السوق والخصخصة ، لانه لا يفسر الواقع الحقيقي للاقتصاد، ولا المعاناة التي يعيشها المواطنون،
ولكي نوسع باب المناقشة وبخاصة تشجيع التحول نحو القطاع الخاص "إقتصاد السوق والخصخصة" فقد وصفت الخطة على انها وضعت على (خلفية الدستور والثوابت الوطنية ووثيقة التفاهم بين الكتل السياسية وخطة التنمية الخمسية والاستراتيجيات الوطنية ..الخ) وبمعنى أكثر وضوحاً ان كل هذه العناوين مشتركة في اعداد البرنامج يضاف اليها السادة أعضاء البرلمان بعد الموافقة عليه. وحقيقة الامر ان برنامج الحكومة 2015-2018 وما يحمل من عناوين متنوعه وواسعة في التفاصيل والتكرار يدفع القارىء للتأمل، ويطرح تساؤلا هل بمقدور الحكومة ان تنجز برنامجا شائكا كهذا وبأربع سنوات، وما الذي يحمله من جديد؟ خاصة وأن الكثير من مفرداته. قد جرى التعامل معها منذ التغيير الذي حصل 2003. ولكي اقترب من المتابع والمهتم بالشأن الاقتصادي أكثر، وضعت العناوين التالية للحوار: مدخل أولي موجز لمنهجية الاصلاح الذي اعتمده برنامج الحكومة الاقتصادي، هل الخصخصة هي البلسم لعلاج الاقتصاد العراقي؟ هل الحل لمشاكل المؤسسات في إقتصاد السوق و تغير الملكية؟
مدخل أولي موجز لمنهجية الاصلاح الذي اعتمده برنامج الحكومة الأقتصادي
يشير الكثير من الباحثين ان الانتقال من نظام اقتصادي الى نظام اقتصادي آخر، تعقبة فترة عدم استقرارعادة ما تكون غير واضحة المعالم. تسمى مرحلة انتقالية تستمر لمدة زمنية، لكي تتضح معالم النظام الجديد، وما تحمل معها من آثار وفجوات قد تكون ايجابية واخرى سلبية، يفترض بالمعنيين معالجتها، "وهذا لم يلمس مع الأسف لحد الآن على مستوى العراق".كما ويشير الكثير من الاقتصاديين الى ان نجاح سياسة الاصلاح الاقتصادي والتحرر الاقتصادي أو فشلها، يعتمد الى حد ما على فرضية قدرة وكفاءة الجهاز السياسي في الدولة، والكوادر الفنية المتخصصة التي تقود عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. وإذا أردنا محاورة واضعي البرنامج من المتخصصين، وتحديداً في محور تشجيع التحول نحو القطاع الخاص. فمن باب اولى ان تبدأ مناقشتنا الدستور، بأعتباره احد المراجع، "على الرغم من الملاحظات عليه" التي انطلق منها البرنامج، وهو أيضاً وثيقة عهد اجتماعي تتحدد في ضوئها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحدد التزامات كل طرف من الأطراف. كما وإنه يعد المدخل لتحديد العلاقة بين الدولة والاقتصاد ودور الدولة في توجيه المؤسسات الرسمية المختلفة. فقد تضمن الدستور "الفصل الاقتصادي" المواد من 22 الى 28 والتي تتعلق بالجوانب الاقتصادية. إذ ورد في المادة 25 ما يلي: تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته) . ومن ملاحظة ما ورد لم يشر الى اقتصاد السوق او الخصخصة . كما لم يشر الى طبيعة هذا الاصلاح. صحيح انه لم يشر الى القطاع العام، ولكنه بنفس الوقت لم يشر الى الفلسفة الاقتصادية للنظام التي تعتمدها السياسة الاقتصادية، وانما جاءت المادة عامة وعائمة وغير واضحة ولا تحدد التوجه، وهي ناقصة من الناحية القانونية ولا تفي بالغرض. كما ورد ضمن سياق (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات) في المادة 110 ثانياً: "تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات المنتجة معاً، برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي ، معتمدة احدث تقنيات مبادىء السوق وتشجيع الاستثمار". جملة تقنيات مبادىء السوق. جاءت وفق سياق يكتنفه الغموض ولا تفي بالغرض، وورود المادة ضمن سياق، وعدم التحديد يجعل التعامل صعباً ليس على نطاق السياسة الداخلية وانما التعامل على نطاق السياسة الاقتصادية الخارجية. عموماً المواد الدستورية الواردة غير واضحة ولا تحدد بالضبط فلسفة التوجه. هذا على نطاق الدستور وما ورد من فيه من مواد قانونية ناقصة. والأمر متروك لذوي الاختصاص في القانون للتفسير. هذا من جانب، ومن جانب آخر ان الشروط الرئيسية للاصلاح الاقتصادي، هو الاستقرار الاقتصادي والأمني مع الوفاق الاجتماعي. فهل هذا موجود على ارض الواقع؟! خاصة وهناك تحديات يواجهها البلد نختصرها 1- إنخفاض مردودات النفط نتيجة لهبوط الاسعار عالمياً،الأمر الذي أربك الموازنة. 2 ملف الفساد الأداري والمالي الذي ?تنامى منذ 2003 وما زال. 3- إحتلال داعش لبعض المناطق وعزلها إدارياً وما يكلف الدولة من اموال في العدة والعدد الأضافي والتقسيم. 4 - ملف النازحين والقدرة على التعامل مع ظروفهم الآنية والمستقبلية. 5- ملف البطالة والبطالة القسرية، الذي أنجبته داعش والطائفية المقيتة. ونود التذكير ان البلدان النامية لجأت في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي الى برامج الخصخصة في ضوء الضغوط التي تعرضت لها اقتصاديات البلدان النامية بفعل عوامل عديدة منها :
1- تفاقم المديونية الخارجية والعجز في السداد.
2- فشل برامج التنمية المتبعة انذاك للنهوض بالاقتصاد الوطني.
3- تزايد متطلبات الكثير من القطاعات التي تديرها الدولة للأموال.
4- الانخفاض الكبير في التمويل الخارجي.
هذه العوامل خلقت الأختلالات على مستوى الاقتصاد الكلي. ما أدى الى تخفيضه واضطرت هذه الدول الى تطبيق برامج تصحيح هيكلي، وتغيير السياسات السابقة بسياسات جديدة. تقوم على تطبيق سياسات مالية إنكماشية تتمثل في تخفيض النفقات العامة. وشكلت وصفة ليبرالية التكيف التي صاغها تقرير "لستر بيرسون" عام 1969 ببنوده الثمانية. شرطا لتدفق رؤوس الأموال الاجنبية الى البلدان النامية، ومنها فتح الاسواق بلا قيود للاستثمارات الأجنبية. كما جاءت بنود "توافق واشنطن Washington Consenus عام1989 العشرة التي صاغها "جون ويليمسون" نائب رئيس البنك الدولي، لتقدم شروطاً جديدة في توجيه السياسة الإقتصادية تحت مسميات الأصلاح الأقتصادي ،والتي يمكن إيجازها بأربعة عناوين (1) خفض الانفاق العام وإعادة توجيهه والالتزام بقاعدة توازن الموازنة العامة. (2) إرساء حالة حرية تبادل كامل للسلع والخدمات والرساميل. (3) تحرير الاسعار وخصوصاً سعر الفائدة وسعر صرف العملة من تدخل الدولة ووضعها في عهدة قوى السوق .(4) تحرير الاقتصاد من النظم والتشريعات التي اوجدتها الحقبة السابقة في مختلف الأنشطة والقطاعات، وخصخصته الى أبعد حد ممكن. وأعتبر ان ماصاغه ويليمسون يطبق على اية فترة تاريخية، وأي اقتصاد، وفي اية بقعة جغرافية من العالم. وتوجهاته تتحدد بحكومة مصغرة، عدم التدخل في الاقتصاد، السيطرة على التضخم ، عدم الحرص الزائد على خفض البطالة، تجنب العمالة الكاملة واحلال الواردات، وعدم وجود معدلات شديدة الارتفاع للادخار ، تسيير الخصخصة ودعم الاسواق. وبمعنى اكثر حسب ثلاثية مفكر الليبرالية الجديدة الاقتصادي الأمريكي "ميلتون فريدمان" المختصرة: خصخصة تحرير التجارة- خفض الانفاق الحكومي.
لذلك وجدت هذه الدول في ظروف لا تحسد عليها إذ تحول صندوق النقد الدولي الى رجل شرطة قاس- Police Harsh على حد تعبير الاقتصادي الباكستاني "محبوب الحق" برامج صارمة للتصحيح الاقتصادي. يفهم من هذا ان سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي لم تأت نتيجة لضغوط داخلية من قبل القوى والفئات الرأسمالية الوطنية. التي اتسمت بالضعف والتبعية لرأس المال العالمي في الكثير من الدول ومنها العراق، ولكن اقرت في جانب هام منها لضغوط بعض المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشكل هذا العامل الحاسم في توجيه السياسة الاقتصادية تحت مسميات الاصلاح الاقتصادي. طبقت سلطة الاحتلال في العراق "المشروع الاقتصادي للحاكم المدني بول بريمر" وآثار الحرب وبحسب المشروع الاقتصادي لسلطة الاحتلال فان من اولوياتها إعادة انتاج النفط الخام والوقود ثانية، وضرورة الانفتاح على العالم1 هذا المشروع ناقشه المفكر الاقتصادي العراقي المعروف الدكتور صالح ياسر وكتب قائلاً: لا يكتفي المشروع بالشأن العراقي الداخلي. بل يؤشر الى كيفية أرتباط الاقتصاد العراقي بالعالم الخارجي، وهنا ينطلق من التأكيد على ضرورة "انفتاح العراق" على العالم من دون تحديد طبيعة ووجهة هذا الانفتاح.
ويتوصل د. ياسر الى ان المشروع الاقتصادي لسلطة الاحتلال هدف الى: 1- فتح الابواب مشرعة امام الاستثمارات الاجنبية من "رؤوس الاموال وتقنيات ادارية وتكنولوجية حديثة" ومنح المسثمرين المحليين حرية التبضع في الاسواق العالمية وأمام المستثمرين الاجانب ذوي الخبرات عالية التقنية والمعرفية.
2- ربط الاصلاح المحلي بالاصلاح العالمي نظراً لأن "الاصلاح العالمي" بحسب رؤية مهندسي هذا المشروع هو تلك البرامج التي يتم تطبيقها في البلدان، التي تخضع لوصفة المؤسسات المالية والنقدية الدولية. ويقصد د. ياسر بذلك "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي" وبشروطهما2.
مما يلاحظ ان الصندوق تزايدت نشاطاته في العراق بشكل لافت للنظر منذ 2003. ويمكن تلمس ذلك من خلال مراقبة تلك التحولات والاجراءات المقترحة، وفي رفعه التقارير الدورية الى دول "نادي باريس" الدائنة لتحقيق المزيد من حسن النوايا، وأمتد دوره أكثر ليشمل التدخل في رسم السياسات الاقتصادية الكلية. ومنذ ذلك الوقت والضغط على العراق في سبيل الاسراع وزيادة التوجه نحو التقليل من دور قطاع الدولة. واحلال آليات السوق في الحياة الأقتصادية يتواصل، وهكذا بدأت المحاولات من قبل بريمر لخصخصة حوالي 200 مؤسسة من مؤسسات الدولة باجراءات وقوانين عديدة3 على وفق قواعد وبيانات للاقتصاد تتماشى مع بيئة اقتصاد السوق وعناصره الجديدة ومعالجة ذلك بأسلوب "الصدمة" كما جرى في البلدان الاشتراكية في اوربا الشرقية. وتضمن الملحق الخاص بقانون إدارة الدولة العراقية نصاً يقول: " ان لا تتخذ الحكومة العراقية المؤقتة قرارات ذات طابع إستراتيجي يؤثر على هيكلة الاقتصاد الوطني لحين قيام حكومة عراقية منتخبة"، ونعتقد إن هذه الفقرة وغيرها من اسباب حالا من دون قيام بريمر بخطوة الخصخصة. اما الحكومات المتعاقبة بعد بريمر، فبدلا من ان تعيد النظر في الأولويات التي اتخذت. فأ?ها سارت على نفس النهج، الذي أملته المؤسسات المالية والنقدية الدولية، أو بتأثيرات منها مباشرة اوغير مباشرة، وكانت معالم هذه الظاهرة تتجسد بإيجاز في :
1- تفاقم البطالة وتزايد مرتبتها الرقمين العشريين.
2- إزدياد الفجوة بين الفئات الاجتماعية المختلفة .
3- تزايد التهميش الاجتماعي بشكل خطير.
إن العمل الذي بدأه بريمر بإتجاه تحرير الاقتصاد، الذي جرى الحديث عنه، سار وفق سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي. فالاول يفترض ان يؤدي الى خفض التضخم واستعادة قدرة العملة الى التحويل وتجديد خدمة الدين وتقليل النفقات، وكبح نمو الطلب المحلي للوصول الى وضع مستقر قابل للاستمرار، ويكون العراق قادراً على تغطية العجز في الحساب الجاري. أما برنامج التكيف الهيكلي، فهو مجموعة من الاجراءات الاقتصادية المفترضة، تهدف الى تحرير الاقتصاد والتجارة. من خلال رفع السيطرة والضبط من قبل الدولة، وأتباع الخصخصة وتطبيق سياسة موجهة نحو التصدير واجراء تعديلات على هيكل الاقتصاد الوطني.وإذا نظرنا الى جوهر برنامج بريمر، فهو برنامج انكماشي- اي غير توسعي- لصالح الوفاء بالتزامات ديون خارجية! وهذا الافتراض والتفسير النظري، لسياسة التثبيت والتكيف الهيكلي. الذي وضعته دوائر معينة وفرضته على العراق وغيرة من الدول النامية. لا يتلائم مع اقتصاديات هذه البلدان، لان المصممين لهذه البرامج لا ينظرون الى العجز في الحساب الجاري في هذه البلدان بعلاقته بالاستهلاك والاستثمار والادخار في البلد المعني، ومالم تؤخذ هذه الاعتبارات فأن تحرير التجارة يشكل خطراً على البلد، وهنا تكمن الفروق بين اقتصاديات الدول المتقدمة، والدول النامية وتلك الناشئة والتي تعاني من ركود اقتصادي. والتجارب اثبتت ذلك في الثمانينات والتسعينات وفي بداية الألفية الثالثة. و شكل هذا التوجه خطراً على التوجهات التنموية لبلدان نامية عديدة لعدة اسباب. ان السياسة الاصلاحية التي نفذت بموجب الصندوق والبنك، تمخضت عن ان السياسة النقدية والمالية ذات
توجهات محددة مفادها كيف يمكن تسديد الديون في هذه البلدان، وهي لا تعالج البطالة أو تقود الى تنمية الصناعة الوطنية ولا تؤدي الى التنمية. بهذا الصدد يشير "جوزيف ستكلتز" ان: (الحاح صندوق النقد الدولي على البلدان النامية في الحفاظ على سياسات نقدية متشددة، أدى الى ان تجعل معدلات الفائدة اعلى واستحداث الوظائف أمرا مستحيلا حتى في أفضل الظروف، لأن تحرير التجارة. حدث قبل أن توضع شبكات الضمان في مكانها المناسب. فقد وقع أولئك الذين، فقدوا وظائفهم في عائلة الفقر. ولهذا يعقب التحرر في معظم الأحيان. لا النمو الموعود، بل الشقاء المتزايد، وحتى أولئك الذين لم يفقدوا وظائفهم. فقد أنتابهم شعور عارم بعدم الامان5). فلماذا البرنامج الاقتصادي الحكومي يتخذ هذا المنحى المشكوك في سلامته؟. صحيح ان هذه الاجراءات نجحت في استقرار سعر الصرف للعملة الوطنية الدينار بنحو 1170 دينار امام الدولار الأمريكي، ومحاولة تحجيم مستويات التضخم وتدنيها الى مستويات مقبولة الى حد ما، وهو ما إعتبر نجاحاً للسياسة النقدية التي قللت من حالة العجز في الميزانية العامة بحدوده الدنيا. بفعل التدفقات الريعية للنفط الخام، ونتيجة لارتفاع الاسعار في الاسواق العالمية، و?ققت جوانب ايجابية مؤقتة في مشكلة التوازنات على المستوى الكلي للاقتصاد، وأظهرت تحسناً في الاحتياطات النقدية في البنك المركزي الواردة من النفط. وفسر البعض من الاقتصاديين والسياسيين العراقيين هذا النمو بالتنمية وهو غير ذلك والنمو في القطاع النفطي لا يؤثر على التنمية في بلد يفترض ان تنمو فيه القطاعات الثلاث الصناعي والزراعي والخدمي ثلاث أمثال النمو في القطاع النفطي لكي تستوعب القوى العاملة، لكنها في الوقت ذاته نقلت هذا العجز الى ميزانية المواطنين من عوائل وافراد بفعل ارتباطه بالانفاق، المتولد من قطاع النفط الريعي. وهذا ولد ضغطا ادى الى تصاعد الاسعار المحلية سواء لـ "المواد الغذائية أو الخدمات وغيرها" اذ ضاعفت الحكومة من سعر الغالون الواحد من المحروقات كالبنزين وغيره الى عشرة اضعاف (من50 فلساً للغالون الى 500 فلساً للغالون الواحد) عام 2005 6. إذ تضاعفت اسعار النقل والمواصلات والمواد الغذائية بشكل خيالي.. مما قوض كثيراً من فاعلية السياسة النقدية في ضبط مستويات التضخم، على الرغم مما يستنزفه من موارد هائلة من النقد الأجنبي، فضلاً عن ان تلك السياسة خلقت آثاراً انكماشية شديدة على نمو الطلب الكلي، وعلى قطاعات الانتاج، ولم تؤد الى خلق وطائف جديدة، وبالتالي لم تعمل على معالجة تفاقم البطالة التي يعانيها العراق، ولم تفتح آفاقا لتنويع الاقتصاد، وبخاصة قطاعي الصناعة والزراعة او تسهم في عملية التنمية، وانما وسعت من مستوى خط الفقر، واحدثت فجوة كبيرة في مستوى المداخيل بين فئات المجتمع . كما وأدت الى ضعف الادخار والاستثمار بفعل ارتفاعات الضريبة التي حددها البنك المركزي في البداية. يقول ميشال شوسودوفسكي7: (ان خطط التثبيت الماكرو إقتصادي وبرنامج التصحيح الهيكلي المصصممة من قبل "صندوق النقد الدولي" تشكل وسيلة شديدة الفعالية لاعادة ?نميط حياة الملايين من الاشخاص، وللتصحيح الهيكلي اثر مباشر على ظاهرة عولمة الفقر. كما ويقول ان عملية "الجراحة الاقتصادية" التي تتم بحسب وصفة الصندوق تؤدي الى ضغط المداخيل الفعلية وتدعم منظومة التصدير المرتكزة على يد عاملة رخيصة).
وبصرف النظر عن السياسة الاقتصادية التي انتهجها النظام الدكتاتوري السابق بهيمنة الدولة، وشموليتها ومركزيتها المقيتة. التي بدورها حطمت اقتصاديات البلد، وحجمت دور القطاعات الأخرى، عدا النفط بعد منتصف السبعينات، وعززت من ريعية الاقتصاد وقوة جهاز الدولة القمعي البيروقراطي، وجرت البلاد الى حروب ودمار وحصار وتضخم وانهيار العملة الوطنية ومديونية خيالية، وتآكل الموجودات والمدخرات وأجور العاملين وأرتفاع نسب العاطلين عن العمل وبسببها غدت الدولة هي المتحكمة بتوزيع الموارد في مجال الاستخدامات المتنوعة أو في عوائدها أو في تحديد الاجور وأسعار الفائدة وصرف العملة وتحديد الاتجاه العام لأسعار الجملة فيما تدار الخطط مركزياً. كما أقترن الاقتصاد بنمط الاقتصاد الريعي، وأخذت الدولة تتحكم على نحو اشد بعلاقاتها مع المواطنين وابتعدت عن الاعتماد عن المجتمع وأضعفت من دوره، باختصار فإن الدولة صنعت دكتاتوراً. فليس المطروح بالحوار: هو المفاضلة بين نظامين او قطاعين، وليس المطروح الوقوف الى جانب قطاع الدولة بالمطلق او بالضد من القطاع الخاص بالمطلق. أو ان الاول رب عمل فاشل بالمرة والثاني رب عمل ناجح بالمرة كما يشير له الكثير من الأقتصاديين. ?كن السؤال المطروح: هل ان نقل الملكية من قطاع الدولة الى القطاع الخاص، سيؤدي الى تحسين أداء الشركات بكفاءة عالية، وتقديم خدمة أفضل وبأسعار مناسبة للمواطن، بوجه الطلب المحلي الذي يفوق القدرات الذاتية للموارد، حيث ادت الحالة الى ان السياسة المالية. اعتمدت على النفط وعوائده الريعية السنوية لتمويل الميزانية، وتغطية النفقات بدلاً من البحث عن موارد اخرى تعزز خزينة الدولة مثل الضرائب وغيرها اوتنويع القطاعات الانتاجية.
من خلال توظيف جزء من هذه الايرادات النفطية لصالح تنمية القطاعين الصناعي والزراعي.إذ يعد الاقتصاد العراقي إقتصاداً ريعياً بأمتياز يشكل النفط اكثر من نصف اوثلثي الناتج المحلي، وأكثر من 93بالمئة من صادراته و95بالمئة من الايرادات العامة. والمصدر الوحيد أو الرئيس في تمويل الموازنة العامة للدولة. وعلى الرغم من هذه الأهمية للقطاع النفطي إلا إنه لا يستوعب اكثر من1-2بالمئة من حجم قوة العمل. وفي ظل الانفتاح غير المدروس بدقة، ادت العملية الى تعرض الانتاج المحلي ليس للخراب وحسب وانما للدمار، نتيجة لشروط المنافسة غب? المتكافئة مع المنتجات الأجنبية. كما وادت الى اضعاف قوى الادخار والاستثمار والنمو،فضلاً عن تعريض الانتاج المحلي لمنافسة غير متكافئة مع السلع المستوردة، وعرضت مشروعات الدولة لمخاطر الخصخصة.
1- بول بريمر عام قضيته في العراق- النضال لبناء غد مرجو- ترجمة عمر الأيوبي- صادر عن دار الكتاب العربي بيروت،لبنان،2006 ص102، 103.
2- مقالة د.صالح ياسر تحت عنوان المشروع الاقتصادي لسلطة الاحتلال الجذور والمرجعيات والاهداف الفعلية الثقافة الجديدة العدد324 /عام2008،
3- العراق والمنطقة بعد الحرب-قضايا إعادة الإعمار الاقتصادي والاجتماعي- مركز دراسات الوحدة العربية- ط1-بيروت-2004 ،ص28.
4- رفض مجلس الحكم وقتها، والبنك الدولي آنذاك حل الجيش السابق وحل وزارة الاعلام بسبب موظفيها وتحسبا لتفاقم البطالة.
5- جوزيف ستكلتز- العولمة ومساؤها- ص33
6- بسبب هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة عام2005 بضغط من صندوق النقد الدولي، استقال وزير النفط آنذاك.
7- Cite par Michel Chussu Dovsky in La Mondialisation De La Pouvrete Ed ecosociete- Montreal-Canada,1998,P.62.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث في العلوم الاقتصادية – يقيم في المملكة المتحدة.