قراءة سريعة لموقف دولة في الشرق الاوسط / اراز عباس

اثناء متابعتي ازمة الشرق الاوسط بتعقيداتها والتي تشغل العالم اجمع، كنت مشغولا بقراءة كتاب تحت عنوان "محمد ونشوء الاسلام" للصحفي الهولندي "مارسل هولسباس"، وهو صحفي علمي ، بمعنى انه يستند في كتاباته لنصوص وابحاث علمية عن المجتمعات والتأريخ. تناول هذا الكتاب في بدايته لاكثر من ٢٠٠ صحفة تأريخ منطقة الشرق الاوسط قبل الاسلام والحروب التي جرت بين الفرس والرومان والبيزنطينين وعن التحالفات للاقوام المسيحية واليهودية مع تلك القوى والتي تركت بظلالها على المجتمعات في الشرق الاوسط اجمع.
يبدو هذا الصراع الحالي في الشرق الاوسط هو امتداد لذلك الصراع القديم لكن تحت مسميات واشكال مختلفة لكن في طبيعة الحال هو صراع بين تلك القوى من اجل المصالح وصراع زعامة، الا ان هناك لاعب جديد في هذا الصراع وينتمي ايضاً للتحالف الغربي وهو امريكا والتي غيرت سياسيتها الخارجية بفضل هنري كسنجر بعدما اقنع المعترك السياسي الاميركي بوجوب التدخل السياسي والعسكري في العالم للحافظ على المكاسب والمصالح وان تكون جميع خيوط توازن القوى الاخرى والبلدان الخارجية بيدها.
جلب انتباهي موقف وتحرك تركيا الاخير والمفيد التدقيق فيه. تحرك تركيا الاخير بما يخص ضرب مواقع الحزب العمال الكوردستاني وداعش يحمل رسائل عديدة في طياته، الرسالة الاول انها الدولة الوحيدة التي تستطيع ايقاف داعش وبدونها لا تستطيع القوى العالمية ايقاف هذا التنظيم بالرغم من انشاء تحالف عالمي واسع لمحاربة هذا التنظيم. الرسالة الثانية ان تحرك تركيا جاء بعد الاتفاق الايراني الغربي، وارادت بأن تعلن أنها لاعب وحليف اساسي في المنطقة لايمكن اهماله ولا التنازل عنه او تجاوزه. الرسالة الثالثة ان مفاتيح حل القضية القومية الكردية بيدها ويمكنها حلها او عدمها متى تشاء. والرسالة الرابعة انها تريد حصة من الاقتسام بعدما اصبحت هناك بوادر تقسيم المنطقة جراء العنف، والان هي تفرض نفسها بخطى ليست بجديدة بأقامة منطقة منزوعة السلاح داخل سوريا بقواها العسكرية.
لكن بأعتقادي أن التحرك التركي الاخير له اسباب ذاتية وداخلية تركية ايضاً: ان التحرك التركي ليس بالغريب وهو محاولة لتصدير ازمة داخلية وخاصة بعد خسارة الحزب الحاكم بالاغلبية في الانتخابات الاخيرة وصعود القوى الكردية ودخولها المعترك السياسي البرلماني. ان الحزب الحاكم لايريد لتلك القوى بأن يصبح لها محط وتأثير في البرلمان لتبقى القضية الكردية ورقة سهلة يمكن اللعب بها حسب المصالح. يبدو أن وعود الحزب الحاكم التركي للشعب الكردي لم تف وقد فقد هذا الشعب الثقة والتجأ للتصويت لتسمية ممثليه في البرلمان التركي وهذا كان بمثابة انتصار تأريخي. هذا التحرك من الحزب الحاكم محاولة للتأثير على الشعور القومي للشعب التركي لكسبه لجانبه وان تكون القضية الكردية ورقة ضغط يمكن اللعب بها حسب المصلحة وان يكسب جماهير الاحزاب الاخرى ولسحب البساط من تلك القوى.
كيف سيكون موقف تركيا اذاً من دولة كردستان في حالة تأسيسها؟ اليست هذه المواقف الاخيرة للنظر للمستقبل وكيفية حماية تجربة كردستان العراق الغارقة في صراعاتها الداخلية؟ هل نريد من دولة كردستان المستقلة ان تكون ورقة للعب بيد القوى الاقليمية؟ هل يمكن التعويل على الموقف الامريكي الذي جاء متطابقا مع موقف تركيا التي تعتبر الحليف الاستراتيجي لهم في هذه المرحلة وصعب الاستغناء عنه؟
اعتقد ان دولة كردستان وشعبها الذي ضحى من اجل حريته يحتاج وقبل اعلان الاستقلال ان يبني اساسا للمجتمع المدني على اسس المواطنة والمساواة من وجود مؤسسات دولة مدنية لخدمة المواطن واحترام حقوق الانسان، مؤوسسات بعيدة عن العشائرية والتحزب واقتسام السلطة ، ويحتاج سلطة برلمانية نزيهة تحاسب المفسدين ، ويحتاج اقتصاد على اساس التنمية بدلاً من ان يكون ريعي وان يكون مكبل وحبيس الشركات العالمية.
الدولة الكردية حق مشروع للشعب الكوردي لكن لدي استفسار دائم ، متى وكيف؟