التظاهر المدني وإرادة التغيير / لفتة عبد النبي الخزرجي

للأسبوع الرابع على التوالي، يتواصل المد الجماهيري ويتسع وتتعمق مطالبيه وتتجذر إرادته في بلورة مشروع وطني للإصلاح، وما زالت الإرادة الشعبية متوثبة بعنفوان، ومتجهة بثقة عالية نحو فضاء الإصلاح الحقيقي وتجاوز مرحلة الخوف والتردد والانكماش. ومما يلاحظ في الحراك المدني، إن المشاركين فيه هم شريحة الشباب وهناك دور بارز للمرأة، مما يعطي رسالة واضحة أن شعبنا بدأ يعي دوره الوطني وبدأت الأحلام تتحول إلى واقع معاش من خلال ساحات التظاهر والشعارات التي نراها تغطي شوارع العاصمة بغداد والمحافظات العراقية الأخرى ، وهو من جانب اخر يشير بوضوح إلى عمق الهوه التي باتت تفصل الشعب عن الحكام الذين من المفترض ان ينهضوا بواجباتهم ومسئولياتهم الرسمية بكل شفافية وسلاسة، كما أن تلك الشعارات تؤكد بالملموس أن هناك تقاعسا ونكوصا من أعضاء مجلس النواب وعدم إيفائهم بالقسم الذي قطعوه للشعب بأداء الأمانة التي أوكلت لهم من قبل الناخبين.
ولابد أن نؤشر لجملة ملاحظات تتعلق بمدى قدرة السيد رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، بالتفاعل الحي والجدي والمثابر مع ما تطرحه التظاهرات من مطالب تكاد تكون من أساسيات العمل الحكومي وليست منة من السلطة المسؤولة عن الحفاظ على ممتلكات البلد ، وضرورة انتزاعها من الفاسدين الذين استولوا عليها بطريقة غير مشروعة.
كما لابد أن نحيي باعتزاز الموقف المشرف للمرجعية الدينية الموقرة، وما تضخه من توجيهات تكاد تكون متطابقة مع ما يطرحه الشارع، ولا تأل جهدا في الحث على إجراء التغيير والإصلاح من دون الالتفات الى صيحات الفاسدين والفاشلين والمنتفعين من هذا السياق المتردي للحكام طيلة السنوات الماضية ومنذ 2003 حتى الساعة.
نحن الآن وصلنا إلى الحزمة الثالثة في إطارالإصلاحات، وهي في رأيي المتواضع، تعتبر معركة حاسمة مع حيتان الفساد، وتقليم لأظافر الفاسدين وذلك من خلال تجريدهم من الأموال والممتلكات الحكومية التي تم الاستيلاء عليها خارج السياقات القانونية، ومن خلال الابتزاز والسطو والضم القسري لتلك الممتلكات من دون وجه حق أو مسوغات قانونية.
ونعتقد إن هذه الإجراءات ستواجه بحواجز كثيرة وموانع وأسلاك شائكة، إذا لم تكن هناك إرادة شجاعة وتحد واضح وصريح لآفات الفساد وما تختزنه هذه المافيات من ردود أفعال قد تصل حد العصيان وتلجأ إلى أسلوب التظلم او التظاهر بحجج واهية، وكما أوردنا،ان هذا يحتاج إلى إرادة حديدية، ومواجهة عاصفة مع تلك المافيات التي تربعت على كراسي الفساد واوغلت فيه بكل صلافة وتحد وعنجهية، ولابد من إجراءات قانونية لتحجيم هذه الجماعات التي كانت إلى وقت قريب تتربع على عرش الفساد وتغرف بكل ما أوتيت من قوة لإفراغ البلد من مقوماته الأساسية?في حياة حرة كريمة لأبنائه وبناته، حتى بات البلد الذي يعتبر من اغني دول المنطقة، يعيش تحت وابل الهبات والمساعدات والتبرعات.
ان إرادة التظاهر لن تتوقف أبدا، حتى إننا بدأنا نشعرإن التغيير بات يمثل شكلا رتيبا للحياة المدنية ومهمة أساسية من مهمات السلطة التنفيذية في إدارة الدولة، وفي ذات السياق لابد من التذكير ان سقف المطالب سيتواصل، ولا نرى إلا ان الخط البياني للمطالب سيكون مترعا بالمزيد وهو ما يؤكد ان إرادة التظاهر لن تتوقف، وإرادةالإصلاح هي الأخرى لن تتوقف، انه الشعب يصنع المعجزات، وها قد حان زمان الإطاحة بنظام المحاصصة الذي ادخل بلادنا في دوامة التخلف والتراجع وسياسة الاستقواءبالأجنبي، ولن يكون هناك أي مجال للتراجع، بل إلى أمام دائما،إلى أمام مهما كانت التضحيات، الشعب في حراك ومثابرة وتفاعل مع شعاراته في الاصلاح والتغيير، وهو مصمم هذه المرة على المضي قدما في حراكه المدني ولن يتوقف، وكل المعطيات تشير إلى ان الطريق ليست معبدة، فما زال هناك الكثير من الألغام التي تزرعها مافيات الفساد والحيتان الكبيرة التي تضررت مصالحها في إجراءاتالإصلاح، رغم ان هذه الإصلاحات لا تمثل إلا جزء يسيرا من الطموح المشروع لشعبنا في البناء والاعمار والسعي المثابر لبناء دولة مدنية ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية ودولة المؤسسات.
ولكي نكون منصفين، علينا ان ندرك ان طريق الإصلاح ستبقى محفوفة بالمخاطر، وستظل مهددة من سطوة الأحزاب المتنفذة، ولابد من الوقوف مع إرادةالإصلاح التي ينتهجها رئيس مجلس الوزراء، كما لا بد من الحذر الشديد، لان حزمة الإصلاحات الثالثة باتت تهدد إخطبوط الفساد المؤلف من مافيات معششة في كيان الدولة ولها ارتباطات وثيقة مع بعض صانعي القرار في السلطة التنفيذية، وهذا الأمر ستكون له تداعيات خطرة على مستقبل العملية السياسية، إذا لم تكن القوى السياسية الوطنية المخلصة والأمينة على مصالح الشعب والبلاد، واعية ومدركة للأخطار الجسيمة التي تهدد العملية السياسية برمتها، من خلال التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي العراقي ومن خلال ارتباط بعض القوى المؤثرة في العملية السياسية، بأجندات خارجية تعمل على وأد مسيرة الإصلاح وتشويهها وحرفها عن وجهتها السليمة، ومحاولة ممارسة الضغوط على السلطة التنفيذية ممثلة برئيس مجلس الوزراء، لإحباط مشروع الإصلاح او محاولة الالتفاف عليه،وإدخاله في معمعان التسويف والمماطلة، مما يعد امتدادا لسياسة التحاصص والطائفية وحماية الفاسدين والفاشلين والمنتفعين.
إنناأمام طريقان لا ثالث لهما :
الطريق الأول: مواصلة الحراك المدني وإسناد عملية الإصلاح والدفع باتجاه المزيد من الإصلاحات الجذرية في صلب العملية السياسية، وضرورة الحذر الشديد من التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات، رغم معرفتنا الأكيدة بما تواجهه هذه الإصلاحات من مخاطر الالتفاف والمعارضة غير المعلنة خوفا من غضبة الشعب، ونحن ندرك الموقف الصعب لرئيس مجلس الوزراء وما يخطط له أعداء سياسة الإصلاحات في الخفاء، وما تؤول إليه سياسة لي الأذرع التي يحاول البعض ممارستها في الخفاء للتأثير على توجهات الحكومة الماضية في سياسة الإصلاح بدفع من الحراك المدني ا?متصاعد، ودعوات المرجعية الموقرة في ضرورة الوصول بسياسة الإصلاح إلى غايتها القصوى.
الطريق الثاني : وهو ما يخيفنا ويدعونا الى القلق على مصير سياسة الإصلاح، وهو ان تتراجع التظاهرات أو يتوقف الحراك المدني، ان هذا بلا شك سيشكل خسارة كبيرة، نحن لا نعتقد ان الحراك المدني سيتوقف أبدا، ان هذا السيل من الجماهير التي تحتشد كل يوم جمعة في ساحة التحرير وساحات الوطن المعافى بقوة أهله وأبنائه وبناته، ستظل شامخة براياتها وشعاراتها وهتافاتها المدوية دفاعا عن سياسة الإصلاح والى المزيد من العمل المتجذر في إسدال الستار على سياسة المحاصصة والفساد ونهب المال العام، ووضع حد نهائي لسياسة بريمر المبنية على تقاسم السلطات وفقا للمحاصصة المقيتة والطائفية التي تخدش ضمير المجتمع العراقي وتزرع في صفوفه سياسة الانقسام والتخندق وتسير بالبلاد إلى دائرة الخلاف والتوتر الدائم وخلق بؤر الفساد وتوطيد هذه الدوائر بشكل دائم، حتى وصل الأمر إلى ان من لا يسير مع مافيات الفساد لا مكان له في سلم الوظيفة، ويتم تصفيته او معاقبته او إزاحته. ان عملية فتح النار على مافيات الفساد ليس بالامر الهين ابدا، لكننا نعتقد ان موقف الشارع العراقي من شماله الى جنوبه، بات يشكل حاضنة امينة لاجراءات الاصلاح وحمايتها من اي توجه مضاد قد تتخذه جهات متنفذة لعرقلة هذه الاصلاحات او محاولة التأثير على صانع القرار.
تحية إكباروإجلال لشعبنا المنتفض ضد الفساد، تحية عرفان وتثمين لشبابنا المتوثب وهو يحمل شعارات الأمل بمستقبل واعد، تحية جميلة بلون الورد إلى المرأة العراقية الباسلة التي اخترقت حاجز الخوف والصمت و رفعت يديها عاليا، إيمانا بدورها في صناعة مستقبل بلادها وشعبها، ومشاركة إخوانها في اعادة الحياة إلى مسيرة الوطن نحو بناء دولة المؤسسات، الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطن والعدالة الاجتماعية.