حلم العراق الضائع / احلام الزيدي

دمعت عيناي، وانا اتطلع الى الجموع الغفيرة من ابناء شعبنا العظيم وهي تقتحم الشوارع تجري لاهثة، لافتة، هاتفة، آملة في طلب الاصلاح لاوضاع كثيرة في كل مفاصل الدولة التي يعمها الفساد من راسها حتى أخمص قدميها. ورحت أبحر بذاكرتي عبر سحب الدموع التي تجمعت في عيني الى الايام التي ليست ببعيدة عن اذهاننا، تلك الايام التي لا يتسنى للنسيان ان يطويها .. ايام حدوث الزلزال الذي عمَّ العراق في (2003) وما أعقبه من تداعيات اهمها: أزاحة ذلك الوحش الرابض على صدر العراق برمته يوم كان العراق كله اسير عينيه الامنيتين. وما ان تمكنا من الافلات من قبضته الحديدية حتى وجدنا أنفسنا من جديد في قبضة ليست بأقل من سابقتها حتى صرنا كما الذي استجار من الرمضاء بالنار!! وكأن القدر قد كتب على العراقيين ان لاينعموا بالراحة والاستقرار مهما قدموا من تضحيات جسام سعياً الى الحياة الكريمة.. سنين طويلة والعراقيون يعدون عدوا وراء حلم العراق. العراق العائم على بحر من البترول وآخر من الدماء! وليست ثمة سبيل الى ذلك الحلم! حتى تعب العراقيون من المعاناة وما وجدوا غير ذات الشوكة.. وليبقى الصراع قائماً مع الظلم والظالمين الى (ما لانهاية) مع الحكام الذين تعاقبوا على حكم العراق المدعون للو?نية والنزاهة واظهار الحب الكاذب للعراق والعراقيين، ولو وضع الظلم كله في كفة ووضع الظلم الذي وقع على العراقيين في كفةٍ أخرى.. فوالله لرجحت هذه عن تلك! حتى اصبح الوضع الحالي مثيرا للجدل والتساؤل حقاً.
قوى وطنية تقدمية لا تحصى ولاتُعد متمثلة بالشيوعيين والليبراليين واطياف شتى الذين قارعوا الظالمين والعتاة من مجرمين العهد السابق دفعوا حياتهم ثمناً لاقامة العدل والمساواة على أرض العراق هذه التي عبّدتها دماء الشهداء الابرار، الوطنيين من ابناء شعبنا الغيارى فهل ذهبت كل تلك التضحيات الباهضة هكذا دفعة واحدة ادراج الرياح!! وكيف تم الالتفاف على ذلك النضال العظيم من خلال المؤامرة الخسيسة والقفز على دماء شعبنا من قبل اعداء العراق؟ وكيف تم استبعاد القوى الوطنية الجبارة عن الساحة السياسية التي لا تليق إلا بهم؟ وكيف تهافت ذلك العذاب الطويل؟ الذي عاشه العراقيون حتى صار ذلك العذاب كما التي رقصت على السلم وما شاهدها الذين فوق ولاالذين تحت! وكيف تم الاستيلاء على العراق في فترة وجيزة لينفرد بالحكم من هم ليسوا أهلا لها ولا يملكون اي رصيد شعبي لدى العراقيين، ولا هم لهم إلا الاستحواذ على المال الحرام (وانت هص واني هص ونقسم بالنص)!
نهبوا ما نهبوا من اموال طائلة تكفي لاغاثة شعوب جائعة ولسان حالهم كلسان حال جهنم التي تقول هل من مزيد! ولم تعد ألاعيبهم خافية على احد وكل ذلك عبر تمريرهم مشاريع وصفقات وهمية لا اساس لها عبأوا لنا الهواء في زجاجات وباعوه لنا بالعملة الصعبة. نهب هؤلاء القراصنة اموال العراق وحولوها قصوراً وضيعاً وعقارات تم شراؤها في الداخل والخارج او اموال طائلة تم تسريبها وايداعها في بنوك سويسرا وبريطانيا وامريكا وغيرها. ووووو.. الى جانب الترف الباذخ والثراء الفاحش والعيش الرغيد في قصور الف ليلة وليلة الغافية على ضفاف دجلة في(الكرينزون) هذه التي تم الاستيلاء عليها، تلك القصور الفارهة التي شيدها الفرعون السابق والتي اقتطعت اموالها من قوت شعبنا الجائع وكأنها صممت على امزجتهم وأهوائهم وما تحتويه من دهاليز ومنافذ خلفية ومرائب تعج بأحدث السيارات، بل وحتى الطائرات في مخابئ اعدت خصيصا لحالات الطوارئ التي قد تحدث اذا ما اعلن الشعب غضبته عليهم. ولا صفاقة اكثر من ظهور احدهم على شاشة التلفاز ومن دون حياء معلناً على الملأ بأن: "الحكومة ليس عليها اي ضرر اذا ما حدث خطر ما فكلهم قد أمنوا على انفسهم وعوائلهم وانا واحد منهم.. ولن يدفع الثمن إلى الشعب على حد قوله"!
ونحن الان لا ندري ما ستؤول اليه الامور على الساحة السياسية؟ وهل ستخضع رئاسة الوزراء الى الاصوات الهادرة عبر الشارع العراقي؟ ام سيترك المتظاهرون يموج بعضهم في بعض خاصة مع التخبط السياسي الواضح للمتنفذين في الوقت الراهن! وهل سيتم فعلا ازاحة هؤلاء الذين لا يمثلون إلا انفسهم؟ وهل هناك سعي جاد في اتخاذ القرار الحازم الجازم؟ في الاصلاح؟ ام ستعتمد رئاسة الوزراء من جديد سياسة ذر الرماد في العيون؟ وهل سنظل نلوك السأم والحسرة على ما انقضى من العمر على حلم العراق الضائع؟