شرشيط وأكلة القرنابيط / مرتضى عبد الحميد

احد الشخصيات (المرموقة) في مدينتنا الوادعة، أسمه (شرشيط)، وكان شغله «عارفة» إي العارف بتقاليد المجتمع وقيمه وأعرافه «سيما في الريف» وبالتالي يفترض أن تكون له القدرة على فض المنازعات العشائرية، وأحيانا المدينية أيضا. ويبدو انه حصل على هذه المهنة بالوراثة، رغم انه كان «نص ستاو». والغريب في الأمر انه كان لا يكتفي باستلام المقسوم من المبلغ المدفوع للمشتكي، وإنما يشترط أن يكون معه قِدر من القرنابيبط! لأنه يحبه كثيرا، الأمر الذي أضاف لشخصيته الكاريكاتيرية مادة جديدة للتندر. وعند سؤاله عن سبب شغفه بالقرنابيط يجيب بأريحية أن الوالدة المصون أطعمته إياه منذ نعومة أظفاره.
في إحدى المرات، جاءوا إليه بقضية غريبة كل الغرابة ليفصل فيها، وملخصها إن والدة احد الأشخاص كانت طاعنة في السن، ومريضة جدا، وهم يتمنون موتها اليوم قبل الغد.
في تلك الفترة انتشرت أنواع من الجرذان كبيرة إلى حد مخيف، بسبب «النظافة» التي وفرها المجلس البلدي للمدينة! وفي ظهيرة قائظة من شهر تموز، قفز جرذ كبير، يزن ما يقارب الكيلوغرامين (حسب قول ابنها) وكان قد اتخذ من سقف بيت الجيران مسكنا له. قفز إلى بيت المريضة، وبالصدفة المحضة سقط عليها، فلفظت أنفاسها، وانتقلت إلى رحمة الله، فأستغل ابنها الحادث، وجاء إلى العارفة «شرشيط» ليفصل فيها، طالبا التعويض، لان الجرذ قفز إليهم من بيت جاره، وهو السبب في موت والدته!
لم يتأخر «شرشيط» في الحكم، واصدر قراره «الحكيم» بدفع دية قدرها (4) ملايين دينار لابن العجوز، بعد أن اخذ حصته منها، ومعها القرنابيط طبعا.
لا ادري لماذا عادت بي الذاكرة إلى «المبدع» شرشيط، عندما سمعت بالحكم الذي أصدره قاضي محكمة الجنح في بابل، على رفيقنا «أبو مروان» الأمين العام لمجلس المحافظة، وسجنه لمدة ستة أشهر، على خلفية متابعته القانونية لأحد المتجاوزين على حقوق الآخرين. وهو المعروف بدفاعه عن مصالح وحقوق جميع أبناء المحافظة، ويمارس دوره الرقابي بفاعلية تدعو إلى الإعجاب، وقام مرات عديدة بإعادة الحق إلى أهله، كما انه لا يفوت تظاهرة أو فعالية جماهيرية، إلا وشارك فيها، ويبدو إن هذا هو السبب الرئيس الذي دفع قاضي المحكمة، المنقول في نفس اليوم إليها، ليصدر حكمه الجائر، الذي لا يختلف عن أحكام»شرشيط» كثيرا.
إنها جزء من محنة بلدنا وشعبنا، وهي عملية تسييس فاضحة، والمفارقة المحزنة ان هذا الحكم الشرشيطي، يأتي في وقت تطالب فيه الجماهير الغفيرة بإصلاح القضاء قبل أي شيء آخر لأنه المفتاح لتطبيق حزم الإصلاحات، التي جرى الإعلان عنها وما زالت تراوح في مكانها.
قطعا لن يفت في عضد رفيقنا «أبو مروان» ما لحق به من ظلم وافتراء، (ولا بأي من رفاقه) لأنه عصي على التشويه أو التسقيط، وهو ما أراده المحرضون، ومنفذو هذه الفرية الكبرى، كما أن حزبه، الحزب الشيوعي العراقي، عصيّ على الإساءة إليه، بمثل هذه الأساليب الرخيصة.