بالأمس القريب جدا, وفي نهار دامٍ من نهارات العراق دائمة الدم! حصدت السيارات المفخخة والعبوات الناسفة عشرات الضحايا في الشوارع والأسواق والمناطق السكنية والاحياء الصناعية في بغداد وكربلاء وبابل وواسط وذي قار والبصرة.
لا غرابة في الأمر، فالبغداديون اعتادوا على هذه الهجمات كما أعتاد الأهل في بقية محافظات الوطن. انما الغريب، وما تذهل له العقول فتلبسها الحيرة والدهشة، ما نقلته قناة فضائية ضمن نشرتها الرئيسة من تغطية حيّة، لإخبار ووقائع بالصوت والصورة لتلك التفجيرات.
النيران ما زالت ملتهبة، الدخان يتصاعد، الناس متجمهرون، وانت تسمع الحقيقة التي لا تمتلك الا وجهاً واحداً تنطلق من افواههم ويصرحون بها للتاريخ. اكثر من مواطن ذي قاري من مواقع التفجيرات التي حدثت في محافظته بالتعاقب، قالوا الحقيقة لكل العراقيين امام الكاميرا بملء الفم ومن منطلق الحرص وروح المواطنة الحقة. قالوها مدوية: يا ناس لقد ابلغنا السلطات الامنية بوقت مبكر عن السيارات المركونة التي تثير الشبهات والشك في مناطقنا، لكن لم نجد من السلطات اذن صاغية او استجابة سريعة لاتخاذ الاجراءات المطلوبة التي تمنع وقوع هذا العدد من الضحايا.
انها الحقيقة المرة التي كثيراً ما يصرح بها المواطنون، بل يتعدى البعض منهم الى ان يجسدها عملياً بالتضحية بالنفس واحتضان الانتحاري من اجل نجاة الآخرين. ولكن لم نسمع يوماً اي مسؤول سياسي او امني يصرح للتاريخ معترفاً بتقصيره، لا بل بتخاذله وخوفه من مواجهة سيارة مفخخة مركونة هنا او هناك على قارعة الطريق او قرب سوق او تجمع لتحصد الضحايا.
اي بشر هؤلاء الذين لم يرمش لهم جفن او تأخذهم الحميّة والغيرة على ابناء شعبهم الذي يذبح يومياً؟ اي دركٍ وصل اليه البعض من هؤلاء، حتى يتجاهل نداءات الاستغاثة من المواطنين الذين يؤشرون اماكن المفخخات فلا يتحرك لاغاثتهم؟
انها والله المشاركة الفاعلة بعينها في القتل العمد لهذا الشعب، وما هي إلا بلوى، وشر البلية ما يدمي القلب؟