اكد العديد من الدراسات الاجتماعية الآثار السلبية الناتجة عن الزواج بالإكراه والتي لا تخص المرأة وحدها، بل تتعداها لتشمل الأسرة ومن ثم المجتمع. فعلى الرغم من أن احد الشروط الواجب تحققها في الزواج هو الإيجاب والقبول من كلا الطرفين، إلا أن هذا الشرط الإلزامي يتم الالتفاف عليه بشتى الطرق، ومنها ممارسة السلطة الابوية والتهديد والتخويف تارة والرضوخ للأعراف والتقاليد القبلية البالية تارة أخرى، بغية إجبار الفتاة على القبول بالزواج من شخص لا ترغب به، وبالتالي فان إثما ترتكبه العائلة بحق ابنتها سرعان ما ينعكس سلبا على حياتها ومن ثم أسرتها وصولا إلى المجتمع. فالطلاق يكون النتيجة المتوقعة لمثل هكذا زيجات.
الباحثة الاجتماعية السيدة انتصار الساعدي، تشير في حديث لها مع "طريق الشعب"، إلى أن اغلب حالات الطلاق التي تحصل تكون نتيجة إكراه الفتاة على الزواج من شخص قد يكبرها بفارق كبير بالعمر أو وجود تفاوت واضح سواء في المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، لذا تحدث حالة من عدم الاستقرار بينهما تؤدي بدورها إلى الانفصال والطلاق كنتيجة حتمية بعد أن تتحول حياتهما إلى جحيم لايطاق. الساعدي بينت أيضا أن أهم مقومات الزواج الناجح تتركز في الاختيار الصحيح للزوج أو الزوجة وضرورة أن يحظى الطرفان بفرصة التعرف على الآخر خلال فترة مناسبة لتقييم مدى الانسجام بينهما في الأفكار والميول.
وتبين الفنانة التشكيلية رفاء البدري لـ"طريق الشعب"، انه في الوقت الذي ننشد فيه مجتمعا مدنيا متحضرا يتخلى عن السلبيات الاجتماعية ويتحلى بسلوكيات إنسانية، نجد حالات عديدة من الزواج القسري وزواج المصالح المشتركة تحصل تحت مبررات عشائرية أو اجتماعية غريبة ولا تقتصر في الريف كما يظن البعض، بل شملت المدن والمجتمعات المتحضرة بسبب التداخلات التجارية مع الأمور الاجتماعية.
وفي هذا السياق ما حصل لاحدى الشابات الجميلات، التي لم تحقق مستوى دراسي جيد، حين اجبرها والدها على الزواج من رجل يكبرها بأكثر من عشر سنوات، لأنه يرتبط معه بعمل تجاري. ومن اجل نجاح عملهما المشترك كانت ابنته كبش الفداء لصفقة تجارية خاسرة. وبعد مرور أشهر معدودة على زواجهما، بدأت تظهر الخلافات بينهما وتتلقى المسكينة الإساءة منه ومن والدته، وغالبا ما تنتهي تلك الخلافات بضربها. وحين تلجأ إلى بيت أبيها من اجل أيجاد حل لمشكلتها يكون نصيبها وجوب السكوت وتحمل المنغصات لانها امرأة وأمرها بيد زوجها، بعد فترة ترك الزوج زوجته في بيت ابيها دون طلاق، حتى بعد ان ولدت له طفلا لكنه لم يلتفت اليه، ففقدت هذه المرأة طفولتها ومستقبلها ايضا. كل هذا حصل بسبب التفكير المتخلف والاهتمام بالتجارة والمال على حساب حياة الإنسان.
سندس خليل (مدرّسة) تقول لـ"طريق الشعب"، إن الزواج بالإكراه هو زواج بائس، وتكون نهايته واضحة ومعروفة إلا وهي الفشل الأكيد. وتضيف السيدة خليل: كانت العوائل في الزمن السابق تقرر مصير أولادها عوضا عنهم، ونسمع أن فلان زوجا لفلانة، وفي بعض الأحيان حتى قبل أن يولدوا! انطلاقا من اواصر القرابة المترابطة فيما بينهم الا انها قلت في الوقت الحاضر، وحل محلها زواج المصالح المشتركة.
وتعتقد سناء الفتلاوي (بكالوريوس إدارة واقتصاد) أن موضوع تزويج البنت بالإكراه من قبل الأهل، يرجع الى عدة أسباب منها المستوى الثقافي لهم والتنشئة الاجتماعية، والتي تجعل نظرتهم إلى الزواج تخضع لمنطق الربح والخسارة كما في التجارة! وهم بذلك يعتقدون أن ما يفعلونه يصب في مصلحة ابنتهم غير مدركين آثارها السلبية مستقبلا عليها وعلى الأسرة. وتطالب الفتلاوي في حديثها مع "طريق الشعب"،منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الانسان والمرأة رفع مستوى الوعي المعرفي والثقافي لافراد المجتمع عبر ندوات وبرامج متلفزة وبيان مخاطر تلك الظواهر الاجتماعية السلبية.
هيام لطيف (موظفة) تقول لـ"طريق الشعب"، ليس فقط البنت من تتعرض إلى هكذا ضغوط غير مقبولة ومرفوضة. فقد روت لي ان ابن جارتها يعيش حالة من القلق بسبب محاولات إجباره المستمرة على الزواج من ابنة عمه التي ينظر لها نظرة الأخت، ولا يفكر بالارتباط بها أبدا! العديد من حالات الطلاق في أروقة المحاكم العراقية سببها الزواج بالإكراه وتحت مسميات كثيرة وتكون ضحيتها الأولى والأخيرة هي المرأة التي تمثل أكثر من نصف المجتمع، والتي لا تزال لوقتنا الحاضر تخضع لتقاليد اجتماعية واعراف عشائرية بالية عفى عليها الزمن ودون حقوق تكفل استقلاليتها في اتخاذ القرار بما يخص اختيار شريك حياتها حتى في المجتمعات المدنية والمتحضرة، كما تمثل للعديد من المراقبين والناشطين في حقوق الإنسان ظاهرة مقلقة تنعكس آثارها السلبية على كل المجتمع مالم تتخذ بحقها إجراءات تعيد للمرأة مكانتها وحقوقها المشروعة.