في ندوة حوارية : مشكلة ملوحة الماء في البصرة والبحث عن المعالجات الناجعة

طريق الشعب
أقامت مختصة العمل المهني في محلية الحزب الشيوعي العراقي في البصرة، يوم الأثنين من الأسبوع الماضي، ندوة نقاشية عن مشكلة الملوحة في المياه، وذلك على قاعة الشهيد هندال في مقر الحزب.
في بداية الندوة تحدث الرفيق جمعة الزيني عضو مجلس محافظة البصرة عن أهمية دراسة هذه المشكلة التي تعانيها المحافظة، قائلا :"هي مشكلة ليست عصية عن الحل حيث سبقتنا بلدان كثيرة تحملت معاناة هذه المشكلة لكنها استطاعت بالفعل وضع الحلول الناجحة التي لامستها على المدى الآني والقريب والاستراتيجي"، معبراً عن أسفه الشديد لعدم حل هذه المشكلة "بفعل السياسات الخاطئة التي تفتقر إلى الاستراتيجية الصحيحة وضعف التخطيط وسوء الإدارة وعدم الاستفادة من الإمكانات البشرية والمالية وكل مقومات القوة في البصرة الاقتصادية والاجتماعية".
وتحدث مدير مشروع ماء ذي قار سابقاً وعضو مكتب الأمم المتحدة للتنمية جبار الحيدري خلال الندوة, قائلاً: إن المشكلة ليست عصية عن الحل لكنها لم تحظ بالاهتمام الكافي للحد من تداعياتها ورأى أن الحل يكمن في خطوات عدة, هي: إقامة محطات تحلية عملاقة على شط العرب، إقامة محطات كهربائية تنتج كميات من المياه، تطوير قناة البدعة وإدامة الصيانة فيها، الإسراع في انجاز مشروع ماء البصرة الكبير ومراقبة التجاوزات على مياه الإسالة.
فيما أكد عبد الأمير عباس، وهو استشاري مختص في محافظة البصرة، أن حل المشكلة يعتمد على الإدارة السياسية للقوى الماسكة بالسلطة في المحافظة، حيث كان بإمكانها الاستفادة من الإمكانات المتيسرة لوضع مشاريع الماء على المدى البعيد والمتوسط والآني.
من جانبه، أشار فيصل عبد القادر الخبير في شؤون الري بوزارة الموارد المائية، الى أنه يتفق مع الحلول الإستراتيجية التي تحدث عنها جبار الحيدري، مضيفاً أن مشكلتنا الان تكمن في قلة الاطلاقات المائية وارتفاع نسبة الملوحة، وهذه لها مسبباتها حيث الاطلاقات المائية المخصصة للبصرة غير كافية وهناك تجاوز عليها، وان وزارة الموارد المائية رغم اتخاذها إجراءات وتعهدات بتحسين الكمية المخصصة للبصرة، فإن التجاوز في محافظة ميسان وخلف ناظم سدة الكوت على المياه الوافدة الى البصرة وميسان حال دون وصول الكمية المطلوبة.
وتابع قائلاً: قمنا بزيارة إلى محافظة ميسان مع رئيس مجلس المحافظة ورئيس لجنة الزراعة والموارد المائية في مجلس البصرة وبعض المختصين، وقد جرى الاتفاق على زيادة حصة البصرة من خلال المراشنة وعقد اجتماع مع المحافظات الثلاث إلى جانب وزارة الموارد المائية لحل المشكلة، وقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية وجود تحسن في كمية الاطلاقات.
مدير مكتب وزارة الموارد المائية في البصرة المهندس كريم، قال إن الوزارة قامت بإجراءات عدة للتخفيف من حدة المشكلة منها زيادة الاطلاقات المائية وزيادة كمية المياه في نهر الغراف، وأرسلت لجنة من الموارد المائية والبلديات للاطلاع على الحال، كذلك أوفد مدير قسم التصاميم في وزارة الموارد المائية للاطلاع على المشكلة وانجاز حلول لها، وعقدت اجتماعات مع المحافظ ورئيس مجلس المحافظة ,فضلاً عن التباحث مع رئاسة الوزراء حول الموضوع .
وتحدث مفيد عبدالزهرة مدير دائرة الموارد المائية في المحافظة عن حالة المياه بشكل عام بدءاً من مصادرها حتى وصولها إلى محافظة البصرة وكمية الماء المخصصة للعراق من تركيا وحالة السدود وتعرضها للعمليات الحربية، مشيراً إلى عدم وجود اتفاقات دولية لتنظيم توزيع المياه، مؤكداً أن هذه الإشكاليات أثرت بشكل واضح في كمية الاطلاقات إلى محافظة البصرة بالإضافة إلى التجاوزات على كمية المياه خلف سدة الكوت وفي منطقة علي الغربي.
وقال عبد الزهرة إن البصرة تأخذ مياهها حالياً فقط من نهر دجلة دون الفرات، وإن كمية المياه في صدر البدعة جرت معالجتها عن طريق تشغيل المضخات لساعات إضافية، مؤكداً أن الحل الاستراتيجي الصحيح هو إقامة السد ومحطات تحلية عملاقة مع شبكة مياه صرف صحي معزولة.
خليل عباس رئيس فرق الرصد أشار الى أن الفرق تواصل العمل ليل نهار لرصد كمية الاطلاقات المائية في مقدمة ناظم سدة الكوت وخلفها وعند علي الغربي وعند ناظم قلعة صالح. وأوضح أن كمية المياه بلغت في أحسن الأحوال خلف ناظم سدة الكوت 155-160 مترا مكعبا / الثانية وعند قلعة صالح 135 مترا مكعبا في الثانية وعند ناظم قلعة صالح 31 مترا مكعبا / الثانية، وهناك الكثير من التجاوزات على كمية المياه في محافظة ميسان ومقدمة سدة الكوت ولم تتخذ أية إجراءات لزيادة كمية الاطلاقات لتصل إلى الحصة المقررة للمحافظتين التي لا تزيد على 180 مترا مكعبا/ الثانية كما هناك تجاوز واضح في محافظة واسط و ميسان على حصة محافظة البصرة.
والحل الأمثل في تقدير خليل عباس يكمن في أن تأخذ وزارة الموارد المائية على عاتقها تنظيم سياسة مائية رصينة فيها توزيع عادل للمياه على المدى القريب وكذلك تفعيل مذكرات التفاهم وصولا إلى عقد اتفاقات تنظيم التوازن المائي في المنطقة.
وعالجت مناقشات الندوة الآثار والأضرار الزراعية من جراء شح المياه، حيث قال حامد الساعدي رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في البصرة: إن لهذه الأزمة وشح المياه وارتفاع تركيزات الملوحة آثارا بالغة على حياة الفلاح والمزارع البصري، حيث تعرضت هذه الشريحة إلى الكثير من الأضرار البيئية والزراعية والصحية وتقلصت المساحات الزراعية، حتى إن هناك نسبة من سكنة المناطق الجنوبية تفكر بالهجرة إلى دواخل المدن والبحث عن مجالات عمل أخرى.
واضاف أن حل هذه المشكلة من قبل الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية التي تعاقبت على البصرة لم يكن جديا، مشيراً إلى أنه بحسب ما ذكره الاختصاصيون فإن إمكانات حلول المشكلة متوفرة لكن غابت عنها الإرادة السياسية، إذ لابد من التفكير بأساليب حديثة في الري وخصوصا مشروع الري المغلق للأغراض الزراعية كما ينبغي التفكير بحلول آنية للاستفادة من القناة الاروائية للعمل الزراعي وعلى وزارة الموارد المائية أن تتحمل مسؤولياتها في تنفيذ هذا المشروع .
الناشط المدني المختص المهندس محمود شاكر الشاهين أكد أهمية التنسيق مع الجارة إيران للاستفادة من نهر كارون حيث يمكن إقامة سايفون لإيصال كمية وافية من مياهه إلى مناطق جنوبي البصرة, أما الحلول الآنية والإستراتيجية والقريبة فأنا متفق مع ما ذهب إليه الإخوان المختصون، مضيفا انه قدم مقترحات عدة للاستخدام الأمثل للمياه في العمل الزراعي ويرى أهمية تشكيل مجلس أعلى لإدارة المياه في العراق.
عبد العباس عبد الحسين، وهو فلاح من منطقة البحار جنوبي البصرة, أشار إلى أن أضرار مشكلة الملوحة على الإنسان والحيوان والنبات أصبحت كبيرة وأخذت بالازدياد، حيث انتشر الكثير من الامراض والتلوث البيئي في المنطقة من جراء استخدام المياه المالحة التي أدت إلى موت الكثير من الحيوانات وأتلفت الكثير من الحقول والمزارع, وحتى هذه الاضرار لم تؤخذ بالحسبان ومازالت تعويضات الأضرار غير مسددة في حياة الناس, فيها الإهمال واضح يجب إن نركز على الحلول الآنية لنضمن مياها صالحة للاستخدام البشري والنشاط الزراعي .
من جانبه، أشار الكاتب صباح لعيبي إلى ضعف السياسة المائية وإدارتها على مستوى العراق حيث لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاقات دولية لتوزيع عادل للمياه كما أن الحكومات العراقية وبالذات وزارة الخارجية فيها لم تأخذ على محمل الجد حل هذه الإشكاليات وضرورة أن يكون هناك سعي لحل هذه الإشكاليات وان تنظم زيارات للدول المتشاطئة وان يتم رصد التخصيصات اللازمة لإنجاز المشاريع المطروحة لحل مشكلة المياه . المهندس الزراعي وأحد العاملين في مشروع ماء البدعة السيد عبد النبي أكد أن التفكير في جعل قناة البدعة قناة أنبوبية حل صحيح سيؤمّن كمية مياه جيدة للبصرة تغطي مساحات واسعة وتشمل عددا كبيرا من السكان وتسد احتياجاتهم المائية، لكن يجب تامين مياه كافية في البدعة مع تامين تشغيل جيد للمضخات العاملة في حوض نهر البدعة ويجب التفكير بمحطات كهربائية.
وفي ختام الندوة، تحدث الرفيق جمعة الزيني عضو مجلس محافظة البصرة، قائلاً: أن المحافظة عانت منذ شهور ارتفاع تركيزات الملوحة بحيث وصلت الى (8000 tds عند منطقة كتيبان) وامتد اللسان الملحي حتى وصل الى منطقة كتيبان.
وأضاف أنه جرى تدارس أسبابها من قبل الدوائر المختصة في الموارد المائية وماء البصرة ودائرة مشروع ماء البدعة والادارة المحلية في البصرة والمحافظة ومجلس المحافظة وبالاتصال مع وزارة الموارد المائية، وعقدت اجتماعات عدة في محافظة البصرة على مستوى المحافظة والمجلس ولقاءات مع مسؤولين من وزارة الموارد المائية للمناقشة حول وضع الحلول وتخفيف معاناة أهل البصرة كذلك عقدت مؤتمرات عدة في المحافظة والمجلس لبيان أثار هذه المشكلة وتداعياتها وتم اعتبار البصرة ستصل الى مستوى محافظة منكوبة .
وأوضح: كما تم القيام بزيارة الى محافظة ميسان للتباحث حول الموضوع وزيادة الاطلاقات المائية، الا انه للأسف الشديد لم يحصل تحسن في أحوال محافظة البصرة من ناحية زيادة الاطلاقات المائية والاستفادة من المياه لأغراض الاستخدام البشري والحيواني والزراعي، وسوء إجراءات تحسين المياه في البدعة، مشيراً إلى أنه لم تقدم المشاريع الوزارية الدعم الكافي لسد احتياجاتها بل جرى تقديم الدعم من الحكومة المحلية بالإمكانات المتاحة .
وختم الزيني الندوة بجملة من التوصيات المستخلصة من الحوار لمعالجة مشكلة الملوحة، أبرزها: اقامة محطات تحلية في محطات المعالجة، زيادة الاطلاقات المائية بحث تصل إلى البصرة كحد ادنى من 70-90 مترا مكعبا/الثانية، صيانة مشاريع القناة الاروائية وانجازها، توفير الوقود اللازم للاشتغال، وإطلاق حملة اعلانية لترشيد الاستهلاك المائي.