- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 07 شباط/فبراير 2016 20:36

في يوم انقلاب 8 شباط الاسود كنت جندياً في وزارة الدفاع ومخابراً للزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، ففي ذلك اليوم المشؤوم الفاشي، كانت لي استراحة وحل مكاني جندي اول جبار مكطوف وحينما ذهبت الى بيتنا في منطقة الشاكرية وهي مدينة صغيرة، مكانها الآن اصبح للمسؤولين في الحكومة، ومن قبل ايضاً ايام البعث الاجرامي بعد انقلابهم الدموي ضد الشعب، فقمت بتشغيل المذياع وسمعت قراءة البيان الاول من قبل احد المذيعين فرجعت مسرعا الى وزارة الدفاع وبالضبط في آمرية الانضباط العسكري حيث كنت جنديا اولا مخابرا وحينما وصلت الى ساحة الميدان شاهدت الآلاف من ابناء شعبنا الغيارى يهتفون للشعب وللزعيم عبد الكريم قاسم حتى وصلوا الى باب وزارة الدفاع لكن الحرس لم يفتح الباب لهم وهم يهتفون: "يا زعيم اعطينا سلاح.. باسم العامل والفلاح". وانا اعلم ان السلاح قليل في وزارة الدفاع وقد ذهبت الى صاحب المشجب واستلمت رشاشة بورسعيد ومعها عتاد وكانت الطائرات تقصف وزارة الدفاع وعرفت أسماء الطيارين فيما بعد وهما حردان التكريتي ومنذر الونداوي لكنه لا توجد مدفعية مضاد للطائرات سوى مدفع صغير قام المقدم سعيد كاظم مطر وهو من الضباط الشيوعيين الابطال بضرب الطائرات من دون جدوى، وبعد فترة جاء الزعيم عبد الكريم قاسم الى مقر الانضباط العسكري للقاء بآمر الانضباط آنذاك الزعيم الركن عبد الكريم الجده وقد اجتمع الضباط الموجودون في مقر الانضباط لتحديد الموقف وهم: عبد الكريم قاسم وفاضل عباس المهداوي وطه الشيخ احمد والمقدم سعيد كاظم مطر وعبد الكريم الجده وكنعان خليل الحداد ولكن الموقف اخذ يتعقد اكثر بسبب عدم نصرة الزعيم والحكومة، حيث ان كتيبة دبابات خالد والتي من واجبها حماية بغداد كانت مرابطة قرب قناة الجيش مقابل مدينة الحبيبية حالياً ولم تستطع القدوم الينا حيث لا يوجد فيها عتاد وبعض القطع مسروقة من الرشاشات الموجودة على متن الدبابات وتسمى (الابر)، وقد سرقت بفعل فاعل والضباط الشيوعيون والوطنيون الآخرون كانوا يتمتعون باستراحة في ذلك اليوم والعناصر البعثية والقومية هي التي في الواجب ومتفق على هذا الاجراء مسبقاً خطة انقلابهم وكما يقول المثل: ( الناطور نايم والبيدر انسرق)، وجاءت في الوقت نفسه الدبابات الموجودة في معسكر "ابو غريب" وهي كتيبة الدبابات الثانية وكتيبة الدبابات الثالثة ووضع على الدبابات صور الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وهي خطة مدبرة لخداع الجماهير ويهتفون بأننا جئنا لنصرة عبد الكريم قاسم والشعب من المتآمرين وحينما وصلت الدبابات الى وزارة الدفاع قامت بضرب الوزارة وقد اثر علينا هذا كثيراً بسبب سقوط العديد من الجرحى والقتلى من المدنيين العزل والعسكريين حيث تقاوم الانقلابيين بواسطة الرشاشات الخفيفة وبقينا نقاوم حتى يوم السبت المصادف 9/ 2/ 1963، وقد نفذ العتاد وبقينا محرجين سوى ان البطل كنعان خليل الحداد خرج من وزارة الدفاع وهو يستقل سياره وكان لونها اسود مارسيدس وبيده سلاحه وذهب الى منطقة الاعظمية وقتل العديد من العناصر الاجرامية التي اسهمت مع الانقلابيين الفاشيين وايضا اتجه الى معسكر الرشيد قاصداً المقدم الركن جاسم والذي كان واجبه المحدد له من الانقلابيين السيطرة على معسكر الرشيد فقام البطل كنعان خليل بقتله رمياً بالرصاص وعاد الينا. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل قتل الزعيم الركن عبد الكريم الجدة بضربة مميتة في ظهره عن طريق رشاشة دوشكه من الدبابات في ساحة باب المعظم وقام ايضا الرفيق الشهيد البطل الجندي المخابر جاسم كريمي الحلي بقتل ضابطين كل منهما يحمل رتبة ملازم ثاني ارادا ان يتسلقا جدار الوزارة من جهة ساحة الميدان وقتلهما الشهيد البطل جاسم كريمي حالاً، وعلى اثر ذلك بعد نجاح الانقلاب تم اعدام الرفيق جاسم كريمي رمياً بالرصاص وهو يهتف بحياة الحزب والشعب.
وفي صبيحة يوم السبت تمت محاصرتنا من جهة مستشفى الجمهورية (الطب حالياً) من قبل اللواء الثامن بعد ان استسلم البعض من العسكريين رافعين الرايات البيضاء وبلغوهم باننا الذين بقينا مع عبد الكريم قاسم لا يوجد لدينا عتاد سوى البنادق فقط، وعلى هذا الاساس تم تطويقنا والقي القبض علينا وقاموا بضربنا ضرباً مبرحاً اخذت الدماء تسيل من رؤوسنا وبقية اجسامنا حتى اخذونا الى معتقل وهو سرية الخيالة الكائن في منطقة الكسرة وقد اخذوا الخيول الموجودة في الجملونات واودعونا في مكانها وعلى فضلات الخيول.
اما الزعيم ورفاقه فقد دخلوا الى قاعة الشعب وبقوا هناك حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً من يوم السبت وبعدها اخذوهم في الدبابات الى الاذاعة والتلفزيون في الصالحية وتم اعدامهم فيما بعد في نفس اليوم عن طريق الملازم الاول هشام امام انظار عبد السلام عارف واحمد حسن البكر وعلي صالح السعدي امين سر قيادة البعث آنذاك والذين نفذوا مخططا بريطانيا - امريكيا بالتعاون مع دول الجوار؛ الاردن والكويت والسعودية ومصر والذين احتفلوا فيما بعد بنجاح المجرمين المارقين في العراق علما ان البعثيين حينما استلموا الحكم لم يقدموا شيئا للشعب سوى قتل خيرة ابنائه من الشيوعيين الابطال والوطنيين المخلصين واستشهد القادة الشيوعيون دفاعاً عن الشعب والحزب وهم الرفيق الشهيد سلام عادل ومحمد صالح العبلي وجمال الحيدري وابو سعيد وابو العيس وجورج تلو والقائمة تطول من شهداء شعبنا وقاموا بسجن الآلاف من الشيوعيين البواسل وطرد العديد من وظائفهم. اما انا فقد مورس ضدي التعذيب الوحشي في موقف الخيالة في عام 1963 ولم ينالوا مني شيئاً حتى حكمت من قبل المجلس العرفي العسكري 5 سنوات وطردت من الجيش.
ان تلكم الايام الحالكة السواد فعلاً لا تنسى وتبقى عالقة في الاذهان وشاخصة امامنا لانها كانت وبالا على الشيوعيين من العذاب والفراق والجوع والحرمان والفاقة لكننا بقينا صامدين لارتباطنا الوثيق بقضية شعبنا وجيشنا ووطننا وحزبنا ومبادئه السامية واليوم وغداً وفي المستقبل سنبقى ندافع عن الشعب الوطن حتى الموت بوعي وتصميم حتى تأتي الايام التي نصبو اليها والتي نناضل من اجلها لنيل حقوق شعبنا العادلة في العمل والحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة.
وفي الختام اذكر قولاً لاحد الرفاق العسكريين الشيوعيين هو النقيب حميد عندما ارادوا رميه بالرصاص فقال: " ان الحياة حلوة لكن الموت في سبيل الشعب احلى".