عراقيون اختاروا العودة إلى أحضان وطنهم الأم / الحسن طارق حسين

في داخل مطار هلسنكي – فنلندا، احتشد جمع من الشبان العراقيين اللاجئين، لتوديع عدد من أصدقائهم الذين قرروا العودة إلى وطنهم، بعد أن صدموا بواقع يختلف تماما عما كانوا يحلمون به.
ومعلوم ان الظروف المعقدة التي مر بها العراق بعد عام 2003 ، من تدهور في الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، دفعت الكثيرين من العراقيين إلى الهجرة نحو الخارج، هربا من جحيم الواقع، وخوفا من مصير مجهول، تاركين أمنياتهم في العيش الكريم، وأماكنهم وأناسهم وأحلامهم التي تشتت وكل متعلقاتهم الأخرى. لكنهم حال وصولهم إلى الوطن الجديد، الذي قطعوا مسافات طويلة في سبيل بلوغه، صدموا بواقع مختلف عما تخيلوه. إذ فشل الكثيرون من المهاجرين في الاندماج بالمجتمع الأوربي، وسرعان ما نفد صبرهم، ليقرروا العودة ثانية إلى وطنهم الأم.
المهاجر محمد جاسم (27 سنة)، أحد الذين قرروا العودة إلى العراق، أعرب عن رغبته في تقبيل تراب بغداد بعد وصوله إليها، مشيرا إلى انه لم يعثر على وطن بديل في الغربة، ومبينا انه غادر وطنه الأم بمحض إرادته، استنادا إلى أوهام اختمرت في مخيلته، من دون هدف محدد.
فيما انهمرت دموع اللاجئ الشاب غالب عباس، وهو يودع صديقه عبد الله الذي قرر العودة إلى العراق، الا انه سرعان ما تدارك الأمر وراح يوصيه بالسلام على أمه، وبأن ترسل له "مركة باميا"، في محاولة منه لإشاعة جو من المرح، وكسر شعور الحزن الذي خيم عليه وهو يودع صديقه العزيز.
أما اللاجئ أمير فالح البالغ من العمر 40 سنة، فهو يعتقد بأنه من المستحيل أن يستطيع الاندماج في مجتمع يختلف عنه تماما، لذلك قرر العودة إلى بلده.
بينما يعزو اللاجئ أبو براء من أهالي مدينة الرمادي، سبب العودة، إلى صعوبة الحصول على موافقة الإقامة، وإلى يأسه من تحقيق (لم الشمل) مع عائلته التي تركها من دون معيل، فهو كان يأمل أن يدعوهم الى الالتحاق به بعد أن يحصل على الإقامة.
ويبرر الشاب حسن، من كردستان العراق، قرار عودته الى عدم حصوله على الاهتمام الكافي في المهجر، ويقول: "الفنلنديون ليسوا كرماء، فهم لم يمنحوني موافقة الإقامة في بلادهم، ولم يعطوني مبالغ كافية لإعالة عائلتي التي تركتها في العراق من دون معيل. لذا قررت العودة، وسألتحق بقوات البيشمركه لقتال عصابات داعش الإرهابية، وإعادة السلام والأمن إلى بلدي".
وعلى الجانب الآخر من هذا التوجه، هناك الكثيرون من اللاجئين يصرون على البقاء في المهجر، إلى حين حصولهم على موافقة الإقامة، وتحقيق أهدافهم التي دفعتهم الى الهجرة، وهم في الغالب من خريجي الجامعات الذين يسكنهم هاجس العمل والدراسة لتطوير إمكاناتهم العلمية والثقافية.
يذكر أن معدل كلفة الرحلة من بغداد الى فنلندا يبلغ من 4 الى 5 آلاف دولار، تذهب معظمها لصالح المهربين، فضلا عن المخاطر الناجمة عن الأساليب الملتوية التي يمارسها المهربون وعدم مبالاتهم بمصير اللاجئين، حيث يتم حشر المئات منهم في قارب قد لا يتسع للعشرات في رحلة وسط البحر الهائج تنطلق من تركيا الى اليونان. وقد ذهب ضحيتها العشرات من اللاجئين، وسعيد الحظ من نجا فيها، فضلا عن مشقة المرحلة الثانية من الرحلة التي لا تقل خطورة عن المرحلة الأولى، والتي تستغرق أسابيع يتوجب فيها على المهاجر اجتياز بلدان البلقان والنمسا وشمال اوربا حتى يتمكن من الوصول الى فنلندا.
بينما لا تكلف العودة الى بغداد سوى تذكرة سفر على متن طائرات الخطوط الجوية العراقية بمبلغ 600 دولار، ويمكن لمن لا يملك المبلغ، تقديم طلب لمكتب الهجرة الدولية للحصول على مساعدة.
وتفيد مصادر من وزارة الداخلية الفنلندية بوجود ازدياد في طلبات العودة بين صفوف اللاجئين. فيما أكدت وزارة الخارجية الفنلندية اصدار السفارة العراقية أكثر من 2000 وثيقة سفر مؤقتة منذ نهاية شهر تشرين الأول العام الماضي، وما زال العمل مستمرا لإصدار الوثائق بما ينسجم وعدد الراغبين في العودة.
يشار إلى إن مجمع طالبي اللجوء في فنلندا يضم 32 ألف لاجئ من مختلف الجنسيات العربية والأفريقية والآسيوية، يشكل العراقيون 70 في المائة منهم .