توفيق الشاهين
في جلسة استذكارية مفعمة بالحزن و اللوعة و المشاعر الرفاقية الصادقة حبا و وفاء للرفيق الفقيد غالب كاظم المالكي (أبو ليث) الذي توفي في العاشر من آذار 2014 إثر حادث مروري مؤسف حيث قدم الرفيق قاسم حنون تعريفا بالفقيد و عدد خصاله و أشار إلى خلقه الشيوعي و تضحياته من اجل الحزب و الرفاق و خاصة أثناء غربته عن الوطن.
وقف الحضور دقيقة صمت استذكاراً للرفيق بعدها ألقى الرفيق توفيق الشاهين كلمة لجنة محلية البصرة للحزب الشيوعي العراقي جاء فيها " من نستذكر اليوم ؟ من يتألق شامخا في ذاكرتنا؟ لمن ننحني إجلالا و إكراما ؟ هل رحل عنا فعلا ؟ اجزم انه معنا ، في نشاطنا الحزبي ، في ضمائرنا ، أراه مليا حتى الساعة هذه!! يبتسم لنا و يقول أنا معكم و اعمل على تنفيذ ما يطلبه الحزب مني ... لافتاتكم ، اجتماعاتكم ، مسيراتكم ، احتفالاتكم .. إني معكم .. ذاك هو مكاني ويمكن أن يكون ذاك ... لا تشغلوا المقاعد جميعا فلي مقعد منها .. أنا في حماسكم .. أنا في إخلاصكم .. أنا في التصاقكم بهموم شعبنا .. أنا حزنت مثلكم بعد العد و الفرز... اعملوا للفرص القادمة.
ــ إنك معنا ... نراك في عزيمتنا في إصرارنا على المضي أشداء سائرون في طريقك الذي ضحيت من اجله غربة ، فاقة و حرمانا .. كنت رفيقا متميزا في أدائك التنظيمي و في هدوئك و فكاهتك الجميلة و ابتسامتك العذبة ...
ــ لقد أثار رحيلك فاجعة و غصة و انحسارا لمدد الرفقة الجميلة و انطفاء لومضة نبل انساني رفيع قل نظيره في حاضر زماننا ... يمكنني القول انك لم ترحل لأنك تركت لنا ليثا أصيلا قادرا على مواصلة دربك مؤمنا بمبادئك ، مبادئ و أفكار حزبنا العظيم .. " و بعد ذلك ألقى الرفيق ليث غالب ابن الفقيد كلمة الأسرة قال فيها " في البدء اقدم شكري لجميع من لبى دعوة المحلية لحضور الحفل التأبيني هذا و أثنى على العلاقات الرفاقية الحميمة و الاخوة الجميلة التي خففت عنه باهظ الوجع و الحزن. بعد ذاك توالى عدد من الرفاق الذين رافقوا الفقيد بالحديث عن ذكرياتهم عنه فكان الرفيق كاظم الحسيني عضو اللجنة المركزية للحزب سكرتير اللجنة المحلية أول المتحدثين حيث قال " في عام 1966 اضطر الرفيق أبو ليث لمغادرة الوطن إثر مضايقته و ملاحقته من قبل الأجهزة الأمنية و كان عونا لجميع الرفاق هناك و أصبح مسؤولا عن إعلام منظمة الحزب في الكويت و يصدر بياناتها و هو يعمل صامتا دون الإشارة إلى نفسه ، كان كريما لم يدخر مالا بل ينفقه على الرفاق في المأوى و المأكل و كل ما يحتاجه الرفاق و تعرض للاعتقال في منتصف التسعينات و بعد سقوط النظام البائد عمل حثيثا لإعادة التنظيم و اصح مسؤولا عن شؤون الشهداء و السجناء السياسيين و إن عزاءنا في ابنه رفيقنا الغالي (ليث). ثم تحدث الناقد الأدبي جميل الشبيبي عن ذكرياته الجميلة مع الفقيد و أثنى على سجاياه و ما يتمتع به من هدوء و طيبة و إيثار و محبة للحزب و الرفاق . و تحدث كذلك الرفيق عباس الجوراني قائلا "وداعا أبا ليث عاشقا للحياة" و أضاف " إصرار ثغرك على الابتسامة و أنت مسجى في تلك الليلة القاحلة بذلك المكان الموحش الكئيب بإعادة الشريط الذي توقف في تلك اللحظة عن إكمال نفسه المتبقي لأيام التسعينات القاحلة حيث تعرفت على شيوعي بصري غادر مدينته باكرا منذ أوائل الستينات حاملا صليبه و أوجاعه عائدا بخفي حنين ... قوة روحك التي تحملت ما تحملت و كل ما كسبت بقايا بيك آب .. أبا ليث كنت ستقنعني أن تغادرنا بتلك الميتة و أي شيء و قوة تلك التي تنتهك جوهرة تدحرجت بين أيدينا لسبب ظالم في جنح الظلام " و تحدث الرفيق جاسب لازم (أبو حازم) حيث رجع بالحضور إلى اول تعارفه على الفقيد من خلال العمل الحزبي السري في الكويت و الظروف الصعبة التي عاشاها مناضلين من اجل الوطن و الشعب و قضاياهما العادلة، و تحدث الصديق القاص رمزي حسن عضو اتحاد الأدباء في البصرة عن الذكريات و المواقف التي جمعته و الفقيد . ثم جاء دور الشعر حيث ألقى الرفيق الشاعر مقداد مسعود قصيدته بعنوان " من الهدوء إلى الصمت " قال فيها: يا أبا ليث
الآن و ليس في لحظة انكسارنا الجماعي في ذلك الصباح على رصيف الطب العدلي
الآن و أنا ارتب مشاعري مقترضا لحظة من هدوئك العفوي .. أقول لا بد من خطأ و لو بحجم حبة رمل ، ليمر الغراب . و يخون الحياة و أنت تعرف أن الغراب لا مهنة له سوى الخيانة . منذ اليوم الأول لدوامنا على الأرض .... و ألقى الشاعر لميع داود قصيدة شعبية جاء فيها :ـ أمس غالب .. سألني و كال اشلون الحال و اشلون الربع..؟ و شلون و شلون ....؟ فزيت بدمع يجوي ... دمع سيال
ياهو الكال ...؟
دفنوا بالتراب إهلال ... يا هو الكال ..؟
عمود الضاويات إنكسر ظهره و مال أمس ...من مالت الدنيه أبد ما مال غالب تربية أبطال أبو الغيره نزل سجده إعله كاعه و باسها بس كلبه تبده و سال عثك برحي ... رضع طيبة حزبنه و نزل باحله سلال .. ثم اختتم الحفل التأبيني الرفيق قاسم حنون بكلمة جاء فيها :ـ أطل الربيع على البصرة هذا العام و قد وسمته الأحزان و اخترقته الحوادث فلم يعد ودودا طلق المحيا يفيض بالنسائم الرقيقة و الوعود السخية هكذا خيل الينا و هو ينثر أشجانه في الدروب و مجالس السمر فقد اختطف الموت في شهر واحد هو آذار 2014 ثلاثة مبدعين تتفاوت أقدارهم و إسهاماتهم فيما يجمع بينهم هاجس الإبداع والرؤية الجمالية و قوة الإلهام الذي تمثله البصرة بإرثها الجميل و تقاليدها و تنوعها المدهش محمد سعيد الصكار شيخ الخطاطين العرب و المصمم البارع و الفنان التشكيلي و الشاعر الحداثي و طارق الشبلي الذي قدم ألحانا عذبة أما أبو ليث غالب كاظم الذي غيبه الموت اثر حادث مؤسف ليلة العاشر من آذار فله تفرده و سيماؤه التي شكلت حياة إنسانية زاخرة بالمفارقات و الحوادث و الكفاح اليومي لصناعة الأمل فإذ التحق بالشيوعيين مبكرا شغف بالحرف و الطباعة منذ مطلع الستينات و عمل في صحافة البصرة فاستعذب متاعبها و استوطن دهاليزها ..... أن غالب كاظم البصري الأسمر سليل أولئك الثوار الخائضين في متاهة الجنوب من البصرة إلى دلمون قد حط الرحال في آخر أيامه غير بعيد عن حصون المختارة و رسومها المندثرة مصغيا إلى أهازيج النصر المنبعثة من أطلالها مرة أو من نداءات استغاثة و حشرجات احتضار الصرعى من مقاتليها حتى وافته المنية غير بعيد من مثوى أسلافه المكدودين في كري الأنهر و رفع السباخ و حراثة الأرض . .... أيها الرفيق غالب ما زلنا بأمس الحاجة إليك سنفتقد كثيرا صبرك و مكابدتك و حرصك النبيل نفتقد ضحكتك المكتومة نفتقد أهابك البروليتاري المتوج بالحكمة و التواضع .