أول الغيث قطر / محمد علوان

بعد توالي جُمع التظاهرات التي تشهدها العاصمة بغداد وعدد كبير من المحافظات، بات من المؤكد أنها سببت وستسبب الكثير من التغييرات، بعد أن وضعت السلطة بكل جبروتها الذي امتد لأكثر من عشرة أعوام، أمام محك الشعب. حقا أمام المحك تماما، فكل ما يقال في التظاهرات ينقل حرفيا الى مصادر السيد العبادي والمرجعية، التي اراها حازمة أمرها على الوقوف مع المتظاهرين من أجل التغيير، بعد أن وجدت لها سبيلا لقول كلمتها الفصل بفعل المد الجماهيري الواسع في كل العراق.
واقولها بكل ثقة ان المظاهرات التي انطلقت سوف لن تتوقف. وأما عن النتائج فالأمر واضح عبر اللغة التي يتحدث بها المواطن اليوم، فقد كسرت التظاهرات الكثير من هيبة "تابوات" كانت مهيمنة تماما على المشهد، وتتصرف كأنها مخلوقات منزلة من الفضاء، ولا يحق لأحد أن يمسها. التظاهرات صوت شعب هادر وقف مذهولا ازاء ما يجري من تهميش لأبسط حقوق المواطن، شعب وقف مذهولا أمام خزينة "تريليونية هائلة" تفرغ تماما بفساد ساذج وواضح. شعب لم تعد تجدي معه المحاباة والكلمات المعسولة التي برع بها ساسة، كشف صوت الشعب زيفهم وفسادهم.
كان لحزمة الاصلاحات ضرورة مباشرة وفائدة كبيرة في التواصل بالتظاهر، وربما الاعتصام.. كانت الاستقالات والاقالات بداية، ولولا ضغط الجماهير لما تسنى لرئيس الوزراء الاقتراب والتحرش بمنصب مدير عام في دائرة ما. أما ما نريده من التظاهر، فكثير وكثير.. أوله كشف ما خفي.. وكشف سر الاسرار: "أين ذهبت أموالنا"؟.. العراق بلد الخيرات يطلب قرضا من اليابان بمليار وربع المليار! كيف يمكن أن يقتنع عاقل بهذا؟ كانت مصانعنا تنتج، وأرضنا تنتج، وكنا نصدر بعض المنتجات. اليوم يقف اقتصادنا متكئاً على ما تنتجه آبار النفط التي أكلت خيراتها فسادات "التراخيص".
أعتقد، وفي كل تظاهرات العالم، هناك من يندس لتحقيق غاية تتمثل في افشال هذه التظاهرات التي أعدُّها من المظاهرات المدنية السلمية والحضارية الرائعة في كل شيء تنظيما وسلمية. ومن يندس هو من أزلام من تضرر بفعل صوت الحق المنطلق من الناس.. والى اليوم لم تسجل تظاهراتنا خرقا كبيرا، عدا حالات بسيطة حدثت، ولكن ربما تحدث أكثر منها مستقبلا.
لقد قالتها العرب "أول الغيث قطر"، وأول غيثنا كان مطرا رائعا.. وتحقق اليوم بفعل "اقرار قانون الأحزاب" الذي كان نائما في مجرات ودواليب مجلس النواب لعشرة أعوام، لا أحد يجرؤ على تقليبه أو الاقتراب منه.. اليوم أقر هذا القانون الذي يعد (رغم الكثير من الملاحظات والهنات فيه) لبنة وأساس قوي تقف عليه العملية السياسية التي يجب أن تبنى بطريقها الصحيح. وأنا من ناحيتي أعتقد ان بداية اسقاط واعادة كتابة الكثير من فقرات الدستور تحقق هذا اليوم بعد اصدار قانون الأحزاب الذي يجعل الكثير من الأحزاب قد اخترقت الدستور، الأمرالذي يعني ان اعادة كتابة الدستور او تعديل فقراته اصبحت أمرا ضروريا وحتميا، لأن فقرات قانون الأحزاب ستقف حجر عثرة بوجه الأحزاب التي هيمنت وقامت على أخطاء قاتلة.
شخصيا لا أتوقع قدرة بعض الأطراف على شق صف التظاهرات لسبب بسيط وهو ان الجميع قد اتفق على الخلاص والبحث عن الخلاص.. ليس المثقف والفنان والمنخرط في مؤسسات مدنية تقوم على الفكر الخلاق حسب، بل الجميع اشترك فيها، الطالب والعامل وشرائح كثيرة تضررت بشكل مباشر من الفساد، والصفة التي هيمنت وستهيمن على التظاهرات هي العقلانية في التظاهر وعدم الانجرار نحو العنف.. فتظاهراتنا سلمية والكثير من الشعارات التي تتردد في التظاهرات تقول ذلك وعليه يجب ادامة زخم هذا السلوك الحضاري.
بالتأكيد نحن بحاجة الى انتخاب قيادة موحدة للتظاهرات من شخصيات فاعلة في المجتمع.. شخصيات هي خليط من طبقات المجتمع المسحوقة ونخبة من المثقفين الفاعلين في المشهد الثقافي والسياسي الحر، شخصيات تمتلك الخبرة في دراسة الحراك وتوجيه الجماهير خوفا من الفوضى التي تؤدي بالتأكيد الى ضياع هذا الجهد الجبار الذي تحقق.