طاولة مستديرة في لندن تبحث أصول وجذور وسمات المقام اللامي العراقي

لندن (خاص) – طريق الشعب
في لندن اعتادت الجالية العراقية والعربية على أماس ثقافية يقيمها المقهى الثقافي العراقي وعلى مدى اكثر من خمس سنوات مرت تناولت كل حقول الثقافة قدمت فيها زادا معرفيا ومتعة ذهنية .. وقبل ايام اعلن المقهى عن فعالية جديدة .. وفي الخامس عشر من تموز كان موعد جديد المقهى تحدث عنه الفنان فيصل لعيبي :"الطاولة المستديرة ..النشاط الجديد للمقهى الثقافي العراقي في لندن .. والتي ستكرس لمناقشة مادة لموضوعة واحدة.. تقدم في منتصف كل شهر .. سيدعو المقهى اختصاصيين بتلك المادة .. والتي تتعلق بالثقافة العراقية والأبداع العراقي.. تطرح قضايا اشكالية ، مواقف ، نقد ،تشمل كل حقول الأبداع.. وسندعو زبائن المقهى لمناقشتها ،والحوار بشأنها .طاولة المقهى المستديرة لهذا المساء خصصناها لمقام اللامي الذي آثار جدلا حول أصوله وفروعه وعلاقته بالمقام العراقي .. هل هو مقام ام شيء آخر.. عن كل هذا سيتحدث الأساتذة صهيب هاشم الرجب والدكتور عمار علو والفنانة رؤيا غالي بالتحليل والتطبيق" .
لكن قبل ان تبدأ فقرات بحث الطاولة المستديرة قدم الفنان فيصل الكاتب والصحفي القادم من بغدادعدنان حسين وهو يمثل النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين ليقوم بتكريم مجموعة من الصحفيين باسم النقابة والذي قال عنها :" بلغ عمرها الثلاث سنوات ونصف ،حيث انشئت في 2013 و تعمل مسابقة للصحفيين الشباب وتكرم بالوقت نفسه مجموعة من الصحفيين القدامى ففي العامين الماضيين كرمنا مجموعة وهذا العام ايضا كرمنا مجموعة اخرى من الذين بدأوا بالعمل الصحفي في الستينيات ..ثلاثة منهم يقيمون في لندن وهناك جائزة أخرى معتقة من العام الماضي منحت للأستاذ عبد الرزاق الصافي وجلبتها معي آنذاك لكن تعذر عليّ تسليمها لسفره .. وهي شهادات تقديرية والواح تذكارية . . والصحفيون هم الفنان فيصل لعيبي والكاتب كاميران قره داغي والكاتب محمد كامل عارف .. للأسف أعتذر الزميل عارف عن الحضور لأنشغاله".
قدم عدنان حسين نيابة عن مجلس النقابة شهادات التقدير التي اطلعت "طريق الشعب " على نصها : "تقديرا لدوركم المتميز في تاريخ الصحافة في بلادنا ، وعرفانا بفضلكم على مهنتنا الجليلة ، والعاملين فيها، تتشرف نقابتنا بتقديم هذه الشهادة لكم ، متمنية مواصلة ابداعكم وتألقكم وتمتعكم بالصحة والعافية .. مجلس النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين ".
اما عن اللوح التذكاري الذي قدمته النقابة فقال انه عن التراث العراقي لكنه ليس مصنوعا في سوق الصفافير كما كان في السابق انما صنع في الصين.
أعرب د.عمار علو في بداية افتتاحه للطاولة المستديرة عن سعادته لمشاركة الاستاذ صهيب هاشم الرجب في هذه الطاولة وهو استاذ آلة الجوزة وأستاذ المقام العراقي وهذه فرصة لا تتكرر لما يمتلكه من معلومات غزيرة وخبرته في مجال المقام العراقي ودعاه لتقديم عزف منفرد من مقام الرست على الجوزة.. فكانت متعة الجمهور بادية على وجوههم،وتمتمات شفاههم وهي تترنم بأنغام الرست ونقلت اجواء المقهى اللندني الى مقاه بغدادية .. ثم طلب منه الحديث للتعريف بآلة الجوزة التي قال عنها الأستاذ صهيب "انها الجوزة او الكمانة يصنع صندوقها من ثمرة الجوزهند ومن جلد السمك اما أوتارها مثل اوتار الكمان الأربعة ومن الممكن العزف بها اي موسيقى سواء السمفونيات ام الأنغام الشرقية تماما كآلة الكمان ، وفيها زند ومفاتيح ، اما القوس فهو من شعر الحصان .. وقد دخلت للعراق قبل 450 سنة ، ويعتبر صالح شميل أحسن عازف على هذه الآلة..لم يتفوق عليه من عزف عليها لا قبله ولا بعده.. واغلب العازفين العراقيين تعلموا منه .. انا شخصيا تعلمت منه ،عبر اسطواناته.. وهذه الآلة شاركت في الجالغي البغدادي الى جانب آلات السنطور والرق والطبلة".
ثم تحدث الأستاذ صهيب انه ساهم مع والده الحاج هاشم الرجب في تسجيل جميع المقامات العراقية الـ53 في برنامج "سهرة مع المقام العراقي " التلفزيوني الأسبوعي وعلى مدار سنوات ست ، ساهم فيها أخوه باهرأيضا وكان ذلك انجازا في أرشفة المقام العراقي والحفاظ عليه من الضياع اذ كان سابقا قد سجل بعضا منه في اسطوانات بمبادرات من الاساتذة محمد القبانجي ورشيد القندرجي ويوسف عمر.. واشار الى ان تسجيلات تلك البرنامج موجودة على "اليوتيوب". وقال ان ما يجدر ذكره ان ليس كل قراء المقام يحفظون او يتمكنون من أدائه عدا قاريء المقام الأستاذ حامد السعدي الذي يحفظها وعنده القدرة على ادائها جميعا.. وهو الوحيد في هذا المجال.
وفي الحديث عن اللامي كسلم وكنغم وكمقام قال الفنان علو : " أقتبس من كتاب لحامد السعدي – المقام وبحور الأنغام – اذ كتب : كان هذا النغم يغنى لأول مرة وهو فريد بين الأنغام ، ولم يكن معروفا ابدا ويقول القبانجي ان حادثة وفاة والدي هي سبب في ولادة هذا النغم الذي سميّ بـ - اللامي - أشتقاقا من كلمة اللوم .لأنني لمّت نفسي لسفري في وقت كان فيه ابي مريضا " وأضاف علو " ان هذا القول يضعنا امام أشكالية سنحاول في طاولتنا المستديرة هذه ان نبحثها ، متوخين الدقة ، في البحث العلمي عن أصل المقام اللامي ، وليس بالضرورة ان يقتنع الجميع بالنتيجة التي سنتوصل لها "
ثم ناقشت الطاولة ماهية السلم الموسيقي ونغماته السبع.. واتفق المتحدثون على اهمية التمييز بين كل من السلم والنغم والمقام .. والعلاقة بينهما .. وعزف الفنان عمار تطبيقا كأمثلة على آلة الساكسفون .. وهذا العزف أعطى توضيحا للحاضرين ..
ثم دعا الفنانة رؤيا غالي لتقدم أغنية من المقام اللامي بمصاحبة جوزة صهيب .. فتغنت وأجادت :
مليان قلبي من الولف
ياناس كله عتاب
المن اعاتب يا خلك
والولف عني غاب
مليان كل قلبي حكي
المن اروحن اشتكي
ما ينفع كليبي الندم
ما ينفع عيوني البكي
وأكد الباحث الموسيقي علو على وجود سلم اللامي في الموسيقى الكلاسيكية الغربية ويدعى بـ "لوكرش" نسبة الى مدينة "لوكريس " اليونانية Locrian mode
اذن اللامي موجود في سنة 1200 ميلادية وكتب الموسيقار"باخ" بعض الحانه .. وقال انه منتشر كسلم في بلدان كثيرة بحيث انه قبل سنوات كان يسير في احدى المدن الألمانية كانت فرقة موسيقية من التبت تعزف في الشارع على آلات تشبه الكونترباس على أنغام سمعها هي لامي مضبوط .
وعقب الاستاذ صهيب قائلا ان هناك اسطوانتين مسجلتين الأولى قبل القبانجي لمقام اللامي .. اما الفنان القبانجي فقد ادى اللامي كأبوذية باسطوانة ثانية.
ثم علق د.عمار ان هناك من ينسب اللامي الى عشيرة بني لام ..لكنه لم يجد ما يؤكد ما يذهب اليه هذا البعض لكنه أحال السؤال الى الدكتور سعدي الحديثي المتخصص في التراث الفولكلوري البدوي والذي كان حاضرا فاجاب :" المقام ان لم يكن مسجلا ..لا يمكن عزفه من قبل عازفين بنفس الأداء.. فهو بالأساس يعتمد على السماع .. حتى الأداء الصوتي تختلف درجاته .. المقام عبارة عن سبعة أصوات .. هي موجودة اساسا في الطبيعة وهذا ما موجود عند العرب واقوام أخرى عديدة .. القبانجي الراحل غنى هذا المقام بطريقة مختلفة وبكلمات مختلفة.. وهي تؤثر على اداء المقام ..وحتى ان هناك ابو ذية باللغة الفصحى"
وأقتبس الدكتور علو من ما ذكره باهر هاشم الرجب في كتابه( شجرة السلالم الموسيقية العربية) : " الفنان الرائد محمد القبانجي كان أول من إستخدم سلّم اللامي في الموسيقى العربية، حين قام بتسجيل بعض المقامات العراقية على إسطوانات ، أثناء تواجده في المانيا، فكوّن صيغة مقامية أسماها بــ ( مقام اللامي ) وسجلها على إسطوانة بشعر عراقي يسمى ( الأبوذية ) وكان ذلك عام 1931م"
وثم تليت رسالة من الأردن/عمان وردت للمقهى الثقافي العراقي في لندن كمداخلة وأسهامة أرسلها الفنان الدكتور حسين الأعظمي قارىء المقام المعروف قال فيها:
إن موضوع سلم مقام اللامي ينطوي على حالتين – الحالة العلمية للسلم والحالة التقليدية للسلم –((
فبالنسبة للحالة العلمية ، فان هذا (السلم) موجود من قبل ، حاله كحال بقية السلالم الموسيقية الاخرى ، ولا علاقة لمحمد القبانجي شأنٌ في إستحداثه أبداً ، لأن المسألة هنا مسألة علمية بحتة لا يستطيع لا القبانجي ولا غيره القيام باستحداث أي سلم جديد. ..
أما الحالة الثانية التقليدية للسلم ، فان أستاذنا القبانجي قد كوّن من سلم اللامي الموجود أصلا كما قلنا ، مقاما على غرار مقومات المقامات العراقية الاخرى من حيث الاصول التقليدية المحلية ، أي أنه أخضع هذا السلم إلى مقومات الشكل المقامي Form ذي العناصر الخمسة التي يتكون منها كل مقام عراقي على حدة وهي (التحرير ، والقطع والاوصال ، والجلسة ، والميانة ، والتسليم) وبهذا إنظم هذا السلم إلى قائمة المقامات العراقية المحلية شأنه في ذلك ، شأن بقية السلالم الموسيقية التي تمثلها مقامات عراقية محلية كثيرة .
أتمنى لأخي الفاضل صهيب ، وجميع الحاضرين النجاح في قضاء أمسية فنية جميلة ومفيدة إن شاء الله ودمتم لأخيكم))
من هنا نرى ان المداخلات التي جئنا على بعضها والتي تواصلت وبشكل تحليلي وتطبيقي حيث قدم الأستاذ صهيب نماذج موسيقية على آلته العراقية الأصيلة وساهمت الفنانة رؤيا غالي بأغان تراثية جميلة كان الحضور في القاعة يرددونها معها وخلقت اجواء عراقية صميمة ، اضافة الى ان القائمين على الطاولة قد استخدموا الشاشة الكبيرة فقدموا اغان لقراء مقام بينهم القبانجي ويوسف عمر ومحمود حسن وغيرهم اضافة الى رسوم ونوتات توضيحية سهلت الطرح النظري التي كان يجيء في مداخلات الأساتذة .
هذا وساهم عدد من الحضور في مداخلاتهم والتي أغنت الموضوع الشيق والممتع والمفيد ..وبذا يسجل المقهى الثقافي العراقي في لندن خطوة أخرى نحو اثارة موضوعات تغني ثقافة العراق وتمد جسورها وتمتن اواصر ارتباط جاليتنا بالمنجز الثقافي لشعبها .