البطالة تنخر في جسد الدولة وتهدد مشاريع التنمية / عبد الرشيد الصالح

بين كل ما يمتلكه العراق من خيرات ومميزات تميزه عن بلدان العالم التي تتمنى لو أنها تملك جزءاً من خيرات العراق، وبين معاناة الشباب العراقي التي طالت وامتدت مع امتداد الزمن وويلات الحروب من جيل لاخر، تاركة آثارها بين طيات الزمن؛ تبرز مشكلة جديدة تنتظر من يضع لها الحلول، ألا وهي "البطالة" هذا الوحش الكاسر الذي يترقب الطلاب بعد 16 سنة من الدراسة، ويكسر احلام الشباب بعد سنين من بنائها.
"طريق الشعب" أرادت من هذا التحقيق الوقوف على اهم المشاكل التي تعيق مسيرة الشباب العراقي في تحقيق ما يطمح اليه وفي بناء مستقبله، ومكافحة آفة ضارة اصبحت تنخر في جسد دوائر الدولة العليلة الرسمية منها وغير الرسمية، علها تجد من يسمع ويتنبه لهذه المشاكل، من الساسة والمسؤولين التنفيذيين الذين نسوا ان الشباب هم الركيزة الاساسية في بناء الاوطان.

عاطلون عن العمل يتمنون أن يجدوا فرص عمل

تقول فاطمة ماجد ناشطة مدنية: إن "البطالة الشبابية زادت عن سابقتيها وتزيد يوما بعد يوم ونسبة البطالة الشبابية من الطلبة المتخرجين من الجامعات والمعاهد 70 بالمئة".
وتوضح ماجد لـ"طريق الشعب"، أن "السبب يعود على التراجع الواضح في القطاع الخاص، إذ أن هناك نسبة ضئيلة من الشباب يعملون عبر الاستفادة من شهاداتهم أو غيرها من الأعمال".
وتشير إلى ان "من واجب الحكومة ان تفعل هذا القطاع من العمل، للاستفادة من الطاقات الشابة والمواهب الموجودة العاطلة".
ويبين قيصر عادل، (خريج كلية الإدارة والاقتصاد/ جامعة بغداد)، ان "السبب الرئيسي في البطالة الاكاديمية هو تمسك بعض الأشخاص في المناصب الإدارية، والسبب الآخر هو أصحاب التخصص في غير أماكن تخصصهم، أو لا يوجد عمل في تخصصهم".
ويضيف عادل في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "العمل ضمن اختصاص شهادتي لا يوجد الآن، والسبب في ذلك يعود لكثرة الطلبة المتخرجين، وعدم تعيينهم، أو عدم تنظيم ذلك من قبل وزارة التعليم، أو عدم دراسة أو وضع خطة معينة للقضاء على البطالة الشبابية، ولا يوجد أي دعم من الجهات الأخرى المدعية بأنها داعمة للشباب".

يجب معالجة البطالة

"ان من اهم المشاكل التي يعاني منها الشباب العراقي منذ العام 2003 والى يومنا هذا هو البطالة وعدم توفر فرص عمل تمكّن الشباب العراقي من ان يشق طريقه لبناء بلده، وتعصمه عن الوقوع في الخطأ والانحراف والسير في طريق السرقة والمال الحرام"، هذا ما قاله لنا المواطن داود وهو من العاصمة بغداد.
واضاف داود ان "الحكومة يجب ان توفر فرصة عمل لكل فرد، وان تحميه من الضياع، لأن العوز والفقر يهوي بصاحبه الى التهلكة، فالدولة يجب ان تكون كفيلة بتوفير كل متطلبات الحياة الحرة الكريمة والعدالة الاجتماعية، وخاصة ان المواطن العراقي اغنى من اي مواطن في دول أخرى، لما يملكه من خيرات جعلت الاعداء تتكالب عليه من كل مكان".

دعوة الى تشريع قوانين لمكافحة البطالة

تحت قبة البرلمان تشرع القوانين التي تهدف الى الى اقرار انظمة تدعم المواطن العراقي، ولكن الى الان لم يشرع قانون ينظر الى البطالة بعين العلاج.
وفي حديث لـ"طريق الشعب" قال عبد السلام عبد المحسن عرمش عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية البرلمانية ان "جميع مؤسسات الدولة اليوم سواء أكانت مدنية أو أمنية أو عسكرية، تعاني من الترهل في الوظائف".
وأشار عرمش إلى أنه "من خلال الموازنة تحدد الوظائف، فقد حددنا في الموازنة السابقة 85 ألف فرصة عمل، فيما حددنا في الموازنة العامة 120 ألف فرصة عمل للمواطنين"، مبينا أن "مجلس النواب قدم العام السابق للوزارات العديد من فرص العمل، منها 18 ألف فرصة عمل للتربية و20 ألف إلى وزارة الصحة وبعض مؤسسات الدولة الأخرى".
ولفت إلى "وجود تداخل بين عمل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، حيث أن كل وزارة تقدم طلبا لمجلس النواب عن العدد المطلوب من فرص العمل مما يسبب إرباكا في العمل".
وفي ما يخص القوانين التي اقرها مجلس النواب لمكافحة البطالة أكد عرمش أن "مجلس النواب اقر قانون الضمان الاجتماعي ولم يصادق عليه إلى الان، وهو يضمن حقوق المواطن في القطاعين الخاص والعام".
مشيرا إلى آمرين مهمين "الأول يتمثل بأن يشرع مجلس النواب مجلس الاتحاد الذي يأخذ على عاتقه إيجاد فرص عمل للشباب، أو أن يقر قانون الضمان الاجتماعي".
من جانبه قال عامر حسين جاسم عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية إن "عجز الحكومة عن معالجة موضوع البطالة أمر لا يختلف عليه اثنان، فهو يعد من أكبر المشاكل التي تعاني منها الدولة".
وفي تصريح لـ"طريق الشعب"، أضاف جاسم "إما موضوع الدرجات الوظيفية، فهو مرتبط بتوجه الحكومة نحو قضايا الموازنة، فالحكومة لا تستطيع أن تعطي درجات وظيفية أكثر"، مؤكدا "تقليص الموازنة التشغيلية وزيادة الموازنة الاستثمارية".
وبيّن أنه "إذا استمر الأمر هكذا فسيؤدي إلى نقص الدرجات الوظيفية، والحكومة عجزت عن معالجة البطالة، فهي لا تعالج بتقديم درجات وظيفية وإنما بتشجيع دخول المستثمرين والمباشرة بالمشاريع الكبيرة".
واستدرك عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار قائلا إنه "لا توجد قوانين شرعت لمكافحة البطالة، وهذا بسبب تقصير الحكومة لان المحكمة الاتحادية وبأسف شديد جردت حق مجلس النواب من التشريع، فكيف لأعلى سلطة تشريعية في البلد أن تشرع القوانين وهي مقيدة".
داعيا المحكمة الاتحادية الى "العدول عن قرارها خاصة وان المحكمة الاتحادية نفسها غير متلائمة مع الدستور، لأنها شكلت في عهد بريمر وقبل تشريع الدستور على حد تعبيره".

وزارة التخطيط: سنقضي على البطالة بحلول العام 2017!

الحكومة من خلال وزارة التخطيط؛ أعلنت انجازاتها في مجال مكافحة البطالة التي بدأت منذ عام 2004، ومستمرة ضمن الخطة الخمسية للقضاء عليها كليا، ضمن مجموعة من العمليات المشتركة مع وزارات وجهات معنية اخرى.
وفي حديث لـ"طريق الشعب" قال عبد الزهرة الهنداوي الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط، إنه "لا يوجد مجتمع يخلو من البطالة التي تعتبر من اهم المشاكل التي تواجه التنمية. والبطالة في العراق ليست وليدة اليوم وانما هي نتيجة تراكمات طويلة".
واضاف الهنداوي أن "البطالة في العراق شكلت نسبا من التراجع في معدلاتها، ومنذ عام 2004 انخفضت البطالة الى نسبة 30% تقريبا، والان انخفضت نسبة البطالة الى 12%، وهذا يدل على انخفاض واضح في مؤشر البطالة".
وبين أن "الحلول في معالجة البطالة لا تأتي في ليلة وضحاها، ولكن الوزارة تضع الخطط لمحاربتها، وايضا هذا الامر يقع على عاتق الوزارات الاخرى والجهات المعنية بالموضوع، ونحن نهدف الى خفض نسبة البطالة في إطار الخطة الخمسية بنسبة 50% أو أكثر، ونتوقع في عام 2017 ستنخفض نسبة البطالة الى 6%".
الدولة مستودع كبير للبطالة المقنعة
قال باسم جميل انطون الخبير الاقتصادي: "الريع النفطي القادم من قطاع النفط يجب ان يستخدم بشكل عقلاني، وخاصة بالنسبة للقطاعات الانتاجية الاساسية، كالقطاع الصناعي الذي يستخدم الايدي العاملة، والقطاعين الزراعي والسياحي".
وفي تصريح لـ"طريق الشعب"، اضاف أنطون أن "هذه القطاعات الثلاث الرئيسية تستوعب ايادي عاملة كبيرة، وربما تضع حدا للبطالة، بالإضافة الى بناء الدور السكنية التي يعاني العراق من نقصها والتي من شأنها ان تشغل كل الايادي العاملة".
واستطرد قائلا إنه "بالإضافة الى ان القطاع الخاص لم يفعل دوره ويدعم بشكل رئيسي، ولم تخصص له موازنات لتأدية واجبه، خاصة وان القطاع الخاص تجاوز الـ40 او الـ50 الف مشروع، وايضا مشاريع البنى التحتية من شأنها ان تستثمر الايدي العاملة".
السؤال الأهم؛ من المسؤول عن آهات الشباب العراقي؟ ومن سوف ينقذ ما تبقى من الذين ما زالوا صامدين ولم يهاجروا او يهجروا الوطن؟