شهداء الحزب

في مناسبة الذكرى الـ 54 لاستشهاد كوكبة من قادة الحزب / منعم جابر

جمال الحيدري ومحمد العبلي وابو سعيد ضربوا مثلا في الشجاعة والفداء
كلما حاولت ان تقلب صفحات التاريخ تجد صورا قلما يجود التاريخ بمثلها، ومن خلال قراءاتنا المتواصلة في تراث الحزب الشيوعي العراقي وتعرفنا على احداث وحكايات منقولة الينا من افواه الرواد والرعيل الاول من رفاقنا في منتصف القرن الماضي، تجد العجب العجاب والصور النادرة والحكايات الاسطورية وكأنما الشيوعيون قد جبلوا من طينة اخرى.
واليوم في مناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لاستشهاد نخبة من قادة الحزب وكوادره على يد سلطة البعث الفاشية التي سطت على ثورة 14 تموز 1958 واسقطت الجمهورية الاولى وابادت الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين المخلصين لهذا الوطن، حيث تجمعت قوى الشر والحاقدين على ثورة تموز 1958 وبقايا النظام الملكي المقبور وابناء الاقطاعيين تحت شعار حاقد هو (يا اعداء الشيوعية اتحدوا) وفعلا نجح هذا الحلف الاسود في تحقيق مآرب الاستعمار. ومن اجل تسليط الضوء على تلك الايام العصيبة تبادلنا الذكريات مع احد شيوعيي تلك المرحلة وهو الرفيق عاصم بلدية الذي تجاوز الثمانين من عمره المديد ويتمتع بذاكرة حديدية، حيث بدأ حديثه بالقول:

حركة حسن سريع ارعبت البعث
اكد ابو محمد على ان حركة حسن سريع الثورية ارعبت نظام البعث القائم يومذاك وجعلته يعيد حساباته، فقد نهض الجنود وصغار ضباط الصف بالتحرك صبيحة 3 تموز 1963 لاحتلال معسكر الرشيد للقيام بعمل ثوري لاسقاط النظام الدموي، وكان لبسالة ضباط الصف والجنود وشجاعتهم دور في القبض على بعض قادة انقلاب 8 شباط، ولكن اخلاقياتهم لم تسمح لهم بقتلهم، بل انتظار النصر النهائي ومحاكمتهم.. ولكن، وبعد اخفاق حركة حسن سريع بدأ النظام الانقلابي يفكر بعمليات انتقامية ضد الحزب الشيوعي حيث بدأ بنقل معتقلي السجن العسكري رقم واحد بواسطة (قطار الموت) الى نكَرة السلمان مع حملة اعتقالات هستيرية ومداهمات عشوائية ومن خلال بعض الجبناء والمنهارين تم التعرف على بعض الاوكار الحزبية غير المكشوفة.
لا تطمئنوا ما دام العبلي طليقاً!
يقول الرفيق عاصم: حدثني احد المقربين من خالد طبرة احد اعضاء هيئة التحقيق البعثية بان الهيئة التحقيقية كانت تبحث عن قيادات الحزب الشيوعي وكوادره لغرض القبض عليهم وزرع الرعب واليأس في المقاومة الشعبية ضد انقلابيي شباط الاسود، واضاف ان احد المتعاونين معهم قال: (احذروا لا تطمئنوا وتستريحوا ما دام محمد صالح العبلي حرا طليقا). واضاف (لان للعبلي قدرة كبيرة على التنكر والافلات ). الا ان الحملة الشرسة والمتابعات المتواصلة اوصلتهم الى احد الاوكار الحزبية حيث استطاعت وحوش الحرس القومي من القبض على ثلاث شخصيات تعرفت قطعانهم على الاول محمد صالح العبلي والآخر هو جمال الحيدري اما الثالث فقد حاول الاثنان اخفاءه وتجاهله لغرض انقاذه، لكن هذا الماضل الشجاع كان عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) الصحفي اللامع وصاحب العمود المتميز في جريدة " اتحاد الشعب " والذي اجابهم انه ابو سعيد ويعتز بحزبه وما يقدمه للشعب والوطن.

وفعلا تعرض الرفاق الثلاثة الى ابشع اساليب التعذيب الوحشية، حيث استشهد اولا المناضل جمال الحيدري وقد اعلنت اذاعة بغداد تنفيذ حكم الاعدام بالمناضلين قبل اعدامهم، ثم كسرت ساق الشهيد ابو سعيد ليستشهد ثانيا، اما الشهيد محمد صالح العبلي فقد وضع بسيارة بصحبة بعض القيادات البعثية منهم صالح مهدي عماش وسعدون شاكر وخالد طبرة وحفروا له حفرة حيث دفنوه للنصف لكنه ظل قويا شامخا وقد بصق في وجوههم فما كان من سعدون شاكر الا ان يرميه بصلية من رشاشته وليدفن بذات الحفرة التي حفرها الفاشيست له.
ويذكر ان الشهيد العبلي بدأ حياته مناضلا منذ منتصف اربعينات القرن الماضي وكانت له ادوار متميزة مما تسبب في اعتقاله نهاية الاربعينات. ولعب الشهيد العبلي دورا بارزا في انتفاضة الشعب العراقي عام 1952 ، حيث ساهم في احراق مركز شرطة باب الشيخ وقاد تظاهرات الجماهير يوم اسقطت ثلاث وزارات خلال اسابيع، وزارة العمري اولا ثم وزارة المدفعي واخيرا وزارة نور الدين محمود التي اعلنت الاحكام العرفية.
سقطنا الوزارة بضرب الحجارة
ولما دخل الجيش بامر رئيس الوزراء العسكري نورالدين محمود للسيطرة على شوارع العاصمة بغداد لانهاء التظاهرات استقبل المتظاهرون الجيش بنثر الورود عليه واستقباله بالهتافات الوطنية ومنها: (عاش تضامن الجيش ويه الشعب). وحاول بعض المتظاهرين النوم على اسفلت الشوارع لمنع تقدم الجيش تجاه المتظاهرين، وكان لبعض الضباط الوطنيين والتقدميين دور في منع حصول مجزرة، حيث كانت الجماهير تهتف للوطن ومن اجله وكان لهتاف (سقطنا الوزارة بضرب الحجارة) اثر في رفع معنويات المتظاهرين وسقوط الوزارات المتعاقبة. وكان للمرأة العراقية الباسلة دور متميز في التظاهرات حيث ادت فنانة الشعب الكبيرة زينب دورا تحريضيا في تواصل التظاهرات ومشاركة النساء العراقيات. ويذكر ان الشهيد محمد صالح العبلي كان قد لعب دورا بارزا في تنظيم التظاهرات ومواصلتها.
تحية حب واعتزاز لكل ابطال وشهداء الحركة الوطنية والحزب الشيوعي العراقي في ذكرى انتصارات شعبنا المجيدة.
الخزي والعار لقتلة المناضلين والمجد والخلود لشهدائنا جمال الحيدري ومحمد صالح العبلي وعبد الجبار وهبي (ابو سعيد) في ذكرى استشهادهم.