اعمدة طريق الشعب

كي لا تنقلب الغايات الى نقيضها / رائد فهمي

اتيح لي خلال الاشهر الاخيرة الاطلاع عن كثب على مجموعة معاملات لمواطنين ومواطنات في عدد من الوزارات والدوائر. وفي معظم الحالات لم تنجز هذه المعاملات وجرى انهاك المواطن بتكرار المراجعات، حيث لم يتم ابلاغه بكل الطلبات دفعة واحدة، وجوبه بغير ذلك من الممارسات البيروقراطية المعروفة للجميع.
وما اود التوقف عنده هنا بشكل خاص هو نزوع الادارات والدوائر القانونية بشكل عام ، وفي اغلب الحالات ، الى تفسيرالنص القانوني والرسمي وتأويله والاجتهاد فيه لغير صالح المواطن او المُراجع،
الامر الذي يحول مراجعة الدوائر الى معاناة حقيقية .
وفي احيان كثيرة يستخدم بعض الموظفين هذه الطريقة في التعامل مع التعليمات وسيلة لابتزاز المراجع.
وهكذا تصبح التعليمات والضوابط الهادفة الى منع الفساد او التقليل منه ، مصدرا جديدا للفساد، اي نقيض الهدف الذي وضعت من اجله. ومن ابرز الامثلة على ذلك شهادة صحة الصدور،
وتنصل الدولة من مسؤوليتها وتحميلها على المواطن.
فمن المعروف ان الكثير من الوزارات فقدت ارشيفها بسبب احتراقها، او هكذا تدعي . ونتيجة لذلك فقد الكثير من المواطنين حقوقا لهم بسبب ادعاء الدوائر انها فقدت الاوليات. وعلى افتراض صحة تلف الاوليات، لماذا على المواطن ان يتحمل اوزار ونتائج ذلك وهو ليس مسؤولا عن التلف او الأتلاف؟
اليس من مسؤولية الدولة مراجعة الاجراءات ومتطلباتها خدمة لحقوق المواطن؟
ومن استعراض هذه الظواهر المرهقة في حياة المواطن العراقي اليومية، اجد من المناسب تأكيد بعض المبادئ الاساسية:
* ان هدف الوظيفة العامة والادارة العامة للدولة هو خدمة المواطن وتنظيم شؤون المجتمع وتحقيق المصلحة العامة، الا اننا في الوضع الراهن نجد المعادلة مقلوبة.
* ان غياب التاهيل والتدريب المناسبين لمنتسبي الوظيفة العامة ، وعدم وجود آليات ومعايير معتمدة في اختيار المرشحين لها وحصولهم عليها ، لم يؤد فقط الى التضخم الوظيفي وعدم توفر المؤهلات لدى نسبة غير قليلة منهم، وانما غابت ايضا ثقافة الوظيفة العامة وقيمها ومعاييرها الاخلاقية والسلوكية والمهنية.
* التهاون في محاسبة المسؤولين عن
ظواهر الفساد وممارساته، ساهم في استشرائه وجعل مهمة الاصلاح والتقويم اصعب.
* لا توجد في اغلب الاحيان مبادئ و توجيهات ارشادية للموظفين في شأن التعامل مع الحالات الاستثائية، وهي كثيرة، وترك مهمة التأويل والتكييف للموظف او الدائرة المعنية، والتي قد تخطئ او تصيب او تستخدمها لمصلحتها الخاصة.