اعمدة طريق الشعب

الإصرار يصنع المستحيل / عبد السادة البصري

في روايته التي صدرت مؤخراً يرسم الروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل لوحةً رائعةً لمفهوم الإصرار على شيء ما، وبالأخص التعلق بمطلب عام يخص الأرض والناس ومقاومة كل الأعاصير والعقبات التي تقف حائلاً دون تحقيق ما نصبو اليه حتى نصل الى ما نريد وبكل قوة وعزيمة. فعل ذلك من خلال تتبعه لحياة المرأة ذات العقد الخمسيني ( أم قاسم) التي نزحت قسراً عند اشتعال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي ، وبعد موت زوجها بسنتين عادت حاملة عظامه لتدفنها في بيتهم القديم وتعيش قربه، رغم معارضة الجيش ومنعهم لها لكن إصرارها على البقاء رغم كل شيء تحت قلق القصف واحتمال الموت في كل لحظة وعملها على فتح قنوات الماء من الشط وتصليح ما خَرُبَ من الأراضي والبساتين وبعض حيطان البيوت وإعادة الحياة الى نخيل وأشجار قريتها «السبيليات» التي أعطت مثلاً رائعاً في حب الإنسان لأرضه وناسه وإصراره على بناء وتعمير كل شيء أفسدته الحرب..
تذكرت هذه الرواية واسترجعت فيها موقف أمي التي أصرت على البقاء في الفاو عند اشتعال الحرب آنذاك لمدة سنة كاملة .
كذلك أجد اليوم إصرار العراقيين على كشف وتغيير الفاسدين وتعمير ما نخره الفساد في جسد الوطن وإعادة الأموال التي نُهِبَت دون وازع من ضمير من خلال صفقات فساد مشبوهة في الكثير من الجوانب ، وترك البلاد والعباد نهباً للفقر والخراب والأمراض والدمار ونزيف الدم.. هذا الإصرار الذي يجسده الشباب المتعلق بعراقيته حد الموت والذي ضحى ويضحي بالنفيس دفاعاً عنها من خلال تطوعهم في القتال ضد عصابات داعش الإرهابية وتظاهراتهم المستمرة كل جمعة والإصرار على كشف الفاسدين واللصوص والقتلة وتقديمهم الى العدالة وإعادة الأموال المسروقة...
هؤلاء الشباب أعطوا للعالم درساً كبيراً في التمسك بسلمية تظاهراتهم وبعزمهم على بناء الإنسان وتعريف الناس بأن الحقيقة لابد لها أن تظهر ذات يوم ويسود الخير والعدل والسلام. بتظاهراتهم السلمية رغم ما تعرضوا له من تهديدات ومضايقات وصلت حد رميهم بالرصاص الحي واستشهاد البعض منهم.
لقد قدموا ويقدمون أروع الصور على إصرار العراقي على تنظيف وطنه من أدران الماضي وفساد الحاضر. وما دام إصرارهم على رسم مستقبل مشرق للعراق قائماً فأنا على يقين أنهم سينتصرون وستشرق شمس المحبة ويعم الخير والسلام والعدالة والإنسانية الحقة كل ربوع أرضنا..ستندحر عصابات داعش الإرهابية وينكشف الفاسدون وستنتعش أرضنا ونفوسنا وتتحقق الآمال والأحلام بالخير والمحبة مثلما تعمرت أرض وبساتين «السبيليات» وأثمرت نخيلها وارتوت بماء المحبة على يد وبعزيمة وإصرار تلك المرأة المتفانية!