ادب وفن

"ابجدية الامثال الشعبية" في رحاب الشاعر طه التميمي / لفته عبد النبي الخزرجي

طه التميمي... قامة شعرية تسمو في ذرى الشعر.. وتتألق في ألأبداع وصناعة الحرف.وقد تابعنا الشاعر وهو يتناول ألأمثال الشعبية ثم يعيد صياغتها شعرا..
عن دار الفرات للثقافة والاعلام في الحلة.. وفي العام 2012م.. صدر للشاعر طه التميمي.. مؤلف تحت عنوان "ابجدية الامثال الشعبية" وقد شاركه اخاه الشاعر هادي التميمي...عندما قرض الامثال فصيحا.. وهكذا فقد قرأنا المثل بصور متعددة وبالوان شعرية ضمت الموال والأبوذية والدارمي.. وبلغة شعبية متداولة... وكان المثل يطرح كما يدور على السنة الناس... ثم يتناول الشاعر تفسير المثل.. يتلوه الشاعر هادي التميمي ليصوغ المثل شعرا فصيحا بلغة معبرة شفافة ورقيقة... ثم ينبري الشاعر طه التميمي.. وهو الشاعر المتمرس في نظم الشعر الشعبي بألوانه المعروفة.. ليضع المثل في " الموال والأبوذية والدارمي " وهذا ما اعطى تلك الامثال بريقا واشعاعا ونكهة.. وجعلها تتحرك بمضامين تلامس شغاف القلب وتسمو به محلقا في ذرى الجناسات والمفردات والصياغات المحبوكة بلغة شعرية متفوقة تستوعب المثل وتمنحه روحا وحياة.
وكانت مقدمة "ابجدية الامثال الشعبية" بقلم فقيد الثقافة والادب الدكتور صباح نوري المرزوك. ونقرأ في المقدمة "وفكرة الامثال التي يلج طريقها هذه المرة تدور في ذهن الشاعر بأن يعتمد خمسة امثال تبدأ الكلمة الأولى منها بواحد من الحروف الابجدية. ثم يشرح معاني كلمات المثل ولمن يتم ضربه بعد توثيقه من مصادر الأمثال الشعبية العراقية، ويشاركه شاعر اللغتين هادي التميمي بكتابة بيتين او اكثر في معنى المثل ويكون ذلك باللغة الفصحى. ثم يرجع المؤلف الى إيراد المثل في ثلاثة اشكال فنية هي: الموال والأبوذية والدارمي وهنا تظهر براعة الشاعر في إستخدام الجناسات المختلفة وإيراد المعاني المتنوعة".
((ضرط وزانها وضاع الحساب))
ولكي يأخذ المثل حقه في التعريف.. تكون البداية للشاعر هادي التميمي:
الفصيح:
ضاع الحساب فلا عد ولا عدد ما دام وزانها اونى بما جـهدوا
غنى لهم مخرج الغازات اغنية ضجوا بها طربا والوزن قد فقدوا
وهذا للشاعر المبدع هادي التميمي... الا ان طه التميمي.. وهو المتألق في الشعر نراه يبدع في صياغة هذا المثل في اطار الموال والابوذية والدارمي.. وتتألق الجناسات وتشع المفردات ويلوح بريق الموال:

ياصاح ربك خلق ليك الملاحة وزن/زانك الجمال
وسواك فتنة حزن بچلاي نارك وزن/ اوقدن
خرفان يا ما انذرت واليوم نذري وزن/ إثنان من الوز
لو ردت ترجع الي دربك ارشه ورد/اوراد
كل يوم اصل حيكم اترصد الكم وارد/ارجع
وياك ضاع الوفه شبه المثل من ورد/ اتى
وزانها من ضرط ما ينحسب كل وزن/كيل
وفي الابوذية.. يعود الشاعر ليزف لنا صورة رائعة من الجناسات المتواشجة.. والسبك المتين والكلمات المرصوفة:
الدهر حشد علي ربعي وزنها/ حشدها
لروحي ابشين عابوها وزنها/ طيبها
يضيع احسابه من يطگع وزنها/ الذي يزن
مثل گـالوه صـح الاريحيه
ثم يواصل الشاعر ليضع المثل في ايقونة الدارمي..:
نچلات الك بحشـاي لو احسب اكتاب
اليوزن ضرط يا حيف تيهلي الحساب
والامثال... ورغم انها تضرب ولا يقاس عليها..لكنها اشارات واضحة لتجارب عميقة حفرت تضاريسها في ابجدية الزمن.. ونقشت عباراتها بإزميل المعاناة.. وفاح عطرها اريجا وعبقا وتراتيل، (ان الامثال وهي تطلق بهذه الطريقة العفوية، انما تدل دلالة واضحة على عمق البلاغة الشعبية ودقة المفردة وقدرتها على التعبير)1. وليس غريبا على شاعر معروف ومتألق مثل طه التميمي... ان يختار الخوض في تحويل الامثال الى الشعر الشعبي واعادة صياغتها بهذا الاسلوب الذي قرأناه في كتاب طه التميمي "ابجدية الامثال الشعبية":
((ظل البيت لمطيرة وطارت بيه فرد طيره)):
وتبدأ الابجدية تعانق الفصيح لنصل الى روح المعنى اولا... ثم يتماهى الشعر بجناساته..
وهكذا الفصيح اولا:
قد تركنا لك بيتا فأمرحي فيه او طيري به وأستمتعي
فالتي لا ينفع النصح بها فعلت ما تشتهي من بـدع
ولكي تتكامل صورة المثل ويأخذ طابع الابجدية الشعبية.. فان الشاعر طه التميمي.. يضيف له ملاحة وجمالا وسحرا:
يا ساري بهواي هلبت في لشخصك وظل/ الظل
ولا تاه گلبي ابخله يوم اعتنالـك وضل/تاه
إجمعنه سويه الـك فـاء بـزياده وظل/ فضل
وبدروب داري عسن جدمك جزه وطارت/ وطأ ياريت
واليهدي بگه.. جمل يهدون الـه وطارت/ اعطاه
الدار گال المثل لم طيره اهو طـارت/ الطيران
فد طيره يومن صفه الها وحدها وظـل/ بقي
وفي الابوذية يضيف طه التميمي:
الگلبي ما طعتله امر والـبيت/ إستجبت/ لبيت
ورفست البيه لمن هاف والبيت/ركلته
لمطيرة الورث گـالوه والبيت/ الدار
ظل واتطير بي بجـنون هيه
ويظل الدارمي مرافقا الشاعر في ايضاح هذ ه الامثال..
لمطيره بيتك هـاذ يلتبني الـبيت
اخذته وطارت بيه من اصبحت ميت
ورغم ان الشاعر يضع الامثال حسب الحروف الابجدية لسهولة متابعتها.. لكننا إخترنا الامثال وحسب متطلبات الشارع الراهن:
((إگعد اعوج و إحچي عدل))
ويبدأ الفصيح ليعطينا بيتا يجمل فيه المعنى بشكل واضح:
قعودك بين الناس ان كان اعوجا فإن كلام الحق بالعدل اوجب
لكن الموال يأخذنا بجناساته لنطوف في بحور الشعر.. ونغرف منها هذه الارهاصات المنتزعة من إحباطات الواقع الذي يعيشه الشاعر..:
من جور دهري همومي ما يلمها عدل/ كيس يوضع فوق الدابة لحمل الاثقال
امشي شبه ميت واصبح يا رفاگه عـدل/ حي
ما شفت باطل زهگ وبصفه واگف عدل/ حق
دنيانه بس للگوي ترضع لـبن سايله/ تمنحه
وتحوك الايام للماله رفـد سايله/ مكيدة
آنه ارد اگول العدل واليصغي الي سايله/ اسأله
هم شفت اعوج گعد من گام يحچي عدل/ مستقيم
وندخل بحر البوذيه...هذا البحر الذي ليس له شواطيء.. فهو مترع بالجناسات.. وتعوم فيه المفردات المهمشة..:
بأخيك من يميل الحمل عـدله
ولا تحچي وراه تنتقص عدله
كلام الزين شمس الظهر عدله
ولو عـوجه گـعدتك بالـثنيه
ويشاركنا غزل البنات.. وهو شعر رافق الانسان منذ فترة ليست بالقصيرة.. فالدارمي.. ورغم انه يصاغ من بضعة اسطر من الكلمات لكنه معبر بشكل لا مثيل له:
اعوج گعدتك دوم من تحچي وياي
لاچن كلامك صار بي بلسم شفاي
((الشمس ما يغطيها المنخل))
ويبدأ الشاعر هادي التميمي... ليتحفنا بالمعنى المفترض لهذا المثل... وبلغة مفهومة معربة...
منخل لا يحجب الشمس كما لا يضم الحق قـول الكاذب
وكريم النفـس لا يمنعه من فعال الجود لوم الصاحب
ونستزيد شعاعا.. من خلال سحر الشاعر طه التميمي... وهو يغوص في بحر المفردات ليقتنص منها ما يروق له... وليضع بصمته فيها:
يا سارق النوم مني وعقلـي بيه منخل/ فيه خلل
انته حديث النفـس للگلب يو منخل/مختلي
من وضع گلبه ابجمر يا ساحري منخل/ من وضع
وآنه بلظـاك احتمس وبجمرك اتسله/ اذوب
تتغـنج بلا قصـد والگلبي اتسـله/تصيبه بالسل
لعيونك انظم شعر وبشـعري اتسله/من السلوى
حبك يشع چالشمس.. غطاه گدر منخل/ الغربيل
ولان الابوذية.. شاقول الشعر الشعبي... فلابد ان يدخل..ليستقيم الشعر... ويسرح مختالا في سماء الابجدية الشعرية..:
وحگ اللي يصل مكه حيبهه/ حج بها
منع روحي تصارحلك حيبهه/ حي بها
المنخل للشمس ما ظن حيبهه/ حجبها
محبتك شمس بارح تشع بيه
ويحاول الدارمي ان ان ينهي هذا الجدال:
وجهك شمس بالليل ويغوش العين
غطه الشمس غربيل من تطبگ اثنين
((حلو السان جليل إحسان))
ويشنف اسماعنا الشاعرهادي التميمي... وهو يعطينا صورة دقيقة عن هذا المثل.. ويسمعنا بيتين من الشعرالفصيح المعبر:
حـلو اللسان جميل القول اعذبه لكنه عند فعل الخير كالحجر
كالسيف كان جميل الشكل منظره لكنه عند قطع الجسم كالشرر
وعند طه التميمي.. الخبر اليقين.. حيث يصوغ المثل في ديباجة الموال.... ويرسم لنا خارطة لمسار المثل الى نهايته:
يا من تركني انوحن واحترگ بلسن/ السنة النار
ويسن علي الـهجر ويشرعه بالسن/القانون
اصفحت عن المـضه والسن گلت بالسن/ السن
هذا شرع ديننه والحب حـلو بالشرع/ الشريعة الاسلامية
والريح لو هودت تمشي السفن بالشرع/ جمع شراع
لاچنه ياللاسف شهر علي بالـشرع/الشوارع
ما يحصل احسان منه بس حلو بلـسن/لسان
اما الابوذية فهي لا تبرح سكة الموال بل انها تنسج على منوالها.. وتتأرجح بين الموال والدارمي لترسم للمثل فضاء بنفسجيا معطرا بمفردات منتقاة بريادة شعرية بارعة:
حـبيبي التزم دوم اوياي بلسن/ السنن
ولو حبك تركني احترگ بلسن/بالسنة النيران
صحيح المثل ينگط عسل بلسن/ بلسانه
جليل احسان هجره شعمل بيه
ولا يتأخر الدارمي.. فهو يقف بالمرصاد ليرى فعل إخوانه في الموال والابوذية... ثم ليعلن عن موقفه معبرا عن صياغة المثل بما يحلو له:
يسحر حبيب الروح من يحچي لسان
لاچن الف يا حيف ما يبدي الإحسان
((كوم احجار ولا هالجار))
إبتداء يتناول شاعر الفصيح هذا المثل... ليبعدنا عن اي تفسير نختاره.. بل انه يقودنا بقافيته وفصاحته...:
لو انني جاورت بعض حجارة لما نالني منها الاذى وعذابي
لا خير في جـار علي عداوة يصب بـلا ذنب ولا اسباب
ولان طه التميمي.. يترصد كلمات الشاعر... ويقرا الفصيح بلغته الشعرية الخاصة.. فهو لا يتوانى في استخراج مفرداته المعبئة.. لينثرها ويسبكها ويصوغها شعرا يدغدغ همسات النفس ومشاعرها..:
صدگني يا صاح گلبي من صدودك جار/ جزع
ولا غير شخصك ظلمني يا حبيبي وجار/ ظلم
جرلي ابكلامك واجرلك ياهو منه جار/ تعدى
ولا يدخل الغير حچيه لـودخل شتنه/ فرقنه
گيضك گضه يا ترف هم ينگضي شتنه/ شتاءنا
بودادنه انهيم تـتنـاني وبعد شـتنه/ انتظر
كومة احجار افضلنه ولا يشتنه جار
في الابوذية... تتحرك الجناسات بأريحية وشفافية وطلاقة..:
ابات الليل كله اهموم وحـيار/حيرة
وعليك اسجن ونين الروح وحيار/ الحبس
المثل كومة صخر يفلان وحيار/ حجر
ولا جارن عذول ايلـوم بـيه
ويتلوه الدارمي ليوضح لنا معنى المثل وليضعه في حجمه الصحيح:
كومة احجار اتهون لا لغوة الـجار
سوگ الهرج مازاد گلبوهه للـدار
((بحر ما تنجسه فطيسه))
البحر عملاق متلاطم الامواج.. وماؤه ملح أجاج.. وتموت فيه مئات الحيوانات لكنها لاتؤثر فيه.. ولذلك جاء المثل:
ولكي نفهم المثل فصيحا.. فأن الشاعر هادي التميمي... يطربنا:
واني كمثل البحر ما مسني القذى وهل نجست بحرا جياف الفطائس
فلا والذي اعطى الرجال كرامة انا خير ممن قـوموا بالنفائس
والشعر الشعبي لا يمكنه ان يتخلف عن اداء دوره:
يا مالك الـروح يل ما شفت مثلك بحر/ حور
نيراني ما تنطفي وابگه اعله مودك بحر/ من الحرارة
اشواگي يا ساحري تكبر واباتن بـحر/ حيرة
واصبح نحيل الجسم شماتي بي شامته/ الشماته
الـله لو عاذلي يدرك سحر شامته/ الخال
چـا بطل اللوم واتمنه علي شمته/ اشمه
مثل الفطيسه صبح ما نجس منه بحر/ بحر
ولان الابوذية تضيف للمثل شعاعا وتضفي عليه سحرا.. وتميط اللثام عن مكنوناته..
من امس واليوم اون عليه مايه/ لن يأت
اوعله ونيني اشرهت شمات مايه/ مئة
المثل شبه البحر ما نجس مـايه/ ماءه
فطيسه اشـما حچت بينه البريه
ولما كان الدارمي يتحين الفرص.. وينتظر اللحظة المناسبة.. ليعرض وجهة نظره في المثل بما يوازي الموال والابوذية...وهكذا فقد نطق:
احنه البحر يـهواي واليحچي فنه
حچيه الفطيسة يصير مـا نجسنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): امثال وحكايات: جمع وتحقيق لفته عبد النبي الخزرجي/دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع