ادب وفن

أثر الأهزوجة الشعبية.. في ثورة العشرين / حسين جهيد الحافظ

الأهزوجة لون مهم من ألوان الأدب الشعبي بصورة عامة والشعر منه بصورة خاصة اتخذ الشعراء من الأهزوجة وسيلة للمدح والتفاخر كذلك استنهاض وإثارة الحماس لما لها من قدرة على رسم ما يراد الإتيان به في الوقت المطلوب.
وللأهزوجة أسماء عدة فهي الهوسة لدي عشائر جنوب العراق وشاعرها يسمى (المهوسچي) وتسمى العكيلية لدى عشائر الفرات الأوسط وشاعرها يسمى المهوال
حتى أصبح للأهزوجة العكيلية وزنها الشعري الخاص بها.
تتميز الأهزوجة ببساطة كلماتها ووضوح المعنى إضافة إلى الجزالة والعمق في التعبير وأكثر الأهازيج تأثيراً بالجماهير هي الأهزوجة المرتجلة ذات التأثير الآني الفعال لذلك فقد كان ولا يزال للأهزوجة وشاعرها شأن كبير في المجتمع العشائري.
إما في الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) فقد لعبت الأهزوجة دوراًً كبيراً وفاعلاً لا بل كانت الشرارة الأولى لاندلاع الثورة التي عمت العراق من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه وبكافة طوائفه وأطيافه واستنهاض الجماهير في دعم زخم الثورة لا بل الاشتراك الفعلي فيها و هذا ما حدث فعلاً.
فها هو المهوال محمد آل صيته واصفاً معركة العارضية قائلاً:
هاي العارضية إلهه إعله الدول معتاد
كل جيش إليطبهه إيصيح منهه الداد
فالتنه إبمتنهم وصلت إلبغداد
مشگول الذمه إعله الفاله
وقد رويت بصورة أخرى تحمل المعنى ذاته
حاربنه أنگريزي إو صاح منه الداد
طب العارضيه إو ضيع المشراد
إلفاله إويه فوجه راحت إلبغداد
رد فالتنه أعتازيناهه
و بعد انكسار جيش المحتل وعودة الحياة إلى الوضع شبه الطبيعي بعد نهاية الثورة ارتجل مهوالنا محمد الأهزوجة التالية متباهياً
إحنه أهل الرميثه أهل الكرم والجود
ست أشهر وگفنه إبعجة البارود
عدنه العارضيه والسوير إشهود
والما يتواجه رديته
وما ذلك المقاتل المجهول من أبناء الفرات الأوسط
والذي استولى على مدفع الجندي الإنكليزي (الطوب)
بسلاحه البسيط العظيم الكوار وأخذ يترنح مقارناً بين سلاحه والسلاح الإنكليزي (الطوب احسن لو مكواري) انه مهوال من الطراز الأول وأمثاله كثيرون.
لم يكن المهوال في ثورة العشرين من عامة الناس فقط لا بل تعدى ذلك إلى قادة الثورة و رجالاتها فها هو الثائر المعروف الشيخ شعلان أبو الچون يقول مخاطباً بغداد:
(اگللچ يجامعة الحسن عيناچ
فن كوكس إو ديلي إبعسكره يدناچ
أن چان أهلچ جفوچ إحنه إبطرب جيناچ
خل يامن گلبچ يرعيعه)
وقد كانت هذه الأهزوجة بمثابة الطلقة الأولى لاندلاع الثورة.
ولما اندلعت الثورة واشتد أتون الحرب وشعر الشيخ شعلان بثقلها وقوة جيش العدو (وقف بين كراديس الثوار نافورة شعر تتناثر منها الحمم الشعرية التي تشعل في نفوس سامعيها حرائق الحماسة والعزم الكفاحي) مبطناً أهزوجته دعوة الجميع للمساهمة الفعالة في الثورة حيث قال:
بيه خير ويچثر عسكر وريلات
سواريه وبياده وفوگ طيارات
إبعزم الله وعزم حيدر ابو الحملات
يتوزع واطروح إنشيله
لم تقتصر الأهزوجة في ثورة العشرين على المهوال الرجل فقط بل تعدى ذلك إلى النساء فقد كانت لهن مشاركات كثيرة و كبيرة وفاعلة في الوقت ذاته فها هي أمرآة من أحدى عشائر الفرات الأوسط عندما رأت شباب عشيرتها لم يشتركوا في الثورة و قتال الغاصب المحتل وقفت أمامهم مرتجزة ارتجالاُ (هاكم شيلتي إنطوني چفافيكم) عندها هب الشباب هبة رجل واحد للاشتراك بالثورة وكأنما هذه الأهزوجة كانت قدحت الشرارة للحافز الثوري لديهم وعندما اشتد آتون النزال
وأبلى الثوار بلاًءاً حسنًًاً وبدأت قوافل الشهداء
تصل إلى ذويهم وقفت أحدى العماريات على أجساد الشهداء مخاطبةً الموت وهي تقول: (يا موت إطحن وآنه ألهيلك) وها هي عمارية ثالثة تقول وبكل فخر عندما سمعت بقتل ولدها لقاتله(حي ميت تكتل يجنيبي ).
لقد كانت ثورة العشرين المحك الحقيقي للعراقيين في ساعات المحن وإظهار معدنهم الأصيل والوقوف وقفة رجل واحد ضد من يريد المساس بوحدة العراق.
لقد تعرضت ثورة العشرين إلى التشويه في عهد البعث المقبور بحجة إعادة كتابة التاريخ وما فليم المسالة الكبرى ألا الدليل القاطع على ذلك وعندما عرض هذا الفليم في أحد دور العرض في مدينة السماوة في سبعينيات أو ثمانينيات أنبرى ذلك المهوال السماوي في الاهزوجة المشهورة راداً الحق الى نصابه
مخاطباً الثائر الشيخ شعلان أبو الچون قاتلاً:
لون شعلان يدري إنباگت الثوره
چا شگ التراب إو طلع من گبره
مهي بجسر السوير المسألة الكبرى
الشاهد عدنه الشاهد كلنه أيتام من العشرين
لتبقى ثورة العشرين شاهد الحق والنبراس على لحمة ووحدة الشعب العراقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- شعرات في ثورة العشرين/ علي الخاقاني
2- رواد الشعر الشعبي في الرميثة/ زهير هادي الرميثي
3- مجلة التراث الشعبي العراقية/ وزارة الثقافة
4- جريدة طريق الشعب