ادب وفن

الخطوات الأولى في المسيرة الثورية... العودة من دمشق (7) / ألفريد سمعان

عدت من دمشق حاملاً معي اذيال الخيبة.. مثقلاً بالحزن والعتاب تحيط بي أشواك الندم.. وبضعة تساؤلات كيف سأواجه أهلي واصدقائي.. هل أجد تبريراً عقلانياً اكفر به عن رسوبي، ترى هل انا بحاجة الى مراجعة قدراتي الفكرية واختبار ذكائي وهل هنالك سبب محدد.. ام هي عدة أخطاء.. لا مبالاة ام الانشغال بالسياسة.. واللهو.. والعربدة؟ .. شجون تتراكم.. وتهاجمني وتزرع الشكوك في اعماقي.. وعندما حطت حقائبي في الدار قبلتني والدتي الحنونة وأنا احاول ان ألم دموعي واكتم وجعي ورأسي منكب على كتفها.. وأنا ارجو ان تتحملني وتقبل اعتذاري.. وكان لقاء مشحوناً بالأسى والشجون.. ولكني استعدت انفاسي.. وشعرت بانامل الراحة تمتد تواسي مواجعي عندما نطقت الحنون.. لا بأس يا ولدي سوف تأتيك فرصة أخرى وعليك أن تصبر وتتماسك.. مع تأكيد وابتسامة (لا تنقهر) انت شاطر كانت هنالك عدة مهام لابد ان تنجز.. اولها البحث عن الاصدقاء.. واستقبال الجيران.. واعادة العلاقات التي تجمدت خلال الفترة الماضية.. الاتصال بمجموعة الشباب في البصرة ومد الجسور معهم بعد ان استقر والدي في بغداد لاسيما وان هنالك علاقات لا يمكن ان تترك او يصبها الاهمال او يتسلل لها النسيان توصد الابواب دونها.. والشرفات لا سيما وان الحياة هناك كانت حافلة بالاحداث والمسرات والتطلعات، كيف يمكن ان أنسى (س) الذي حاول ان يعلمني العزف على الكمان واعطاني بضعة دروس ثم غادرنا.. مع أهله وغادرت معه (آلة الكمان) التي أحببتها وكنت أتمنى أن اتعلم العزف عليها.. وكيف أنسى ان بداياتي الادبية والشعرية وتفتح مواهبي كانت على يد أساتذتي يوسف صالح، واستاذي اللغة العربية محمد جلال، ورزوق فرج رزوق الذي حصل على الدكتوراه من لندن فيما بعد.. وكيف أنسى الكاتب الشاب يعقوب حداد الذي بدأ يكتب القصة وقد نجح في ذلك وهو مازال مغبونأ حتى الوقت الحاضر رغم اننا كنا نتنافس في الكتابة.. والاناقة.. ولفت الانظار ايضاً؟ وكيف أنسى ايام الكرة.. والنشاط الرياضي (الجمناستك) على يد الاستاذ (علي السباهي) خريج معهد التربية الرياضية وجاء منافساً للأستاذ (حمودي البدري) الذي كان يقود فريق كرة القدم.. واستطاع ان يصنع منه فريقاً منافساً للكبار، فريق الميناء والسكك والاتحاد وكان سن اكبر لاعب لا يتجاوز الثامنة عشرة سنة؟ وكيف سجل انتصاراً على فرق الناصرية والديوانية اثناء السفرات المدرسية ووقف ندأ لمنتخب بغداد الذي تألق من عدة مدارس، في حين ان فريقنا كان يمثل اعدادية واحدة يتيمة، وكانت معركة حامية عندما ألتقينا على ساحة الكشافة وخسرنا بهدف واحد امام ابرز لاعبي العراق آنذاك صالح الأسود. ودود... سميع عادل؟ اصبحوا فيما بعد اعضاء في فرق الحرس الملكي والشرطة والكلية العسكرية.. وكان للخسارة رد فعل انعكس في دموع اعضاء الفريق اولاً وفي قصيدة رثاء كتبتها ونشرتها في مجلة الرياضي التي كان يشرف عليها (استاذ عبد الرزاق) وهو رياضي بصراوي يعمل في دائرة التشريفات الملكية وكان يشجع أثناء المباراة فريقنا وأصابه الاكتئاب كما اصابنا وكان مطلع القصيدة (ساحة الكشافة بالله اشهدي ... لمغاوير تباروا في رحابك) وكان حدثاً جديداً ان يساهم الشعر في عالم الرياضة.. وهذا ما دعاني إلى استرجاع هذه الذكريات..كيف أنسى كريم علاوي، وسعيد يشوع، وطارق خليل، ومحمد الهواز، وعبد الرضا البدر، ونوري لفته، والصقر وسواهم..مهمة اخرى كانت تحظى باهمية خاصة وهي الحقيبة الادبية التي حملتها معي من البصرة وتضم دواوين شعراء وكتاب قصة منهم علي أحمد باكتير الذي ينافس السياب في انطلاقة الشعر الحر وعبد الحميد السحار، ويوسف ادريس والقاص الكبير محمود تيمور ومن الشعراء علي طه محمود المهندس صاحب قصيدة كليوباترا التي لحنها وغناها محمد عبد الوهاب وكذلك الشاعر محمد غني حسن صاحب القصيدة المشهورة

إن تسل في الشعر عني هكذا كنت أغني

والشاعر كمال نشأت الذي قام بالتدريب في كلية الاداب في بغداد اضافة لرواد الثقافة اللبنانية جبران خليل جبران وعمر فاخوري ورفيق الخوري والبير اديب صاحب مجلة الاديب... كل هذه الكتب لم يسعفن الوقت بترتيبها عند انتقالنا الى بغداد وكنت مشتركاً باكثر من مجلة الرسالة.. الثقافة.. الكواكب.. أخر ساعة، الصباح. كانت تصلني عن طريق بائع الصحف (محمد) الى الدار اسبوعياً حيث كانت تصل الى البصرة رغم ظروف الحرب المتأزمة يرافق هذا الاهتمام.. انشغالي بكيفية الارتباط بالحزب لاسيما بعد أن ازدادت معرفتي واتسعت حقيبة افكاري واطلاعي بشكل أفضل على النهج الماركسي والاشتراكية خلال الاجتماعات والقراءات والصراع مع قوات البعث المنطلقة حديثاً للعمل.. ممثلة للفكر القومي وكان ما اردت حيث ارتبطت عن طريق احد الرفاق وتم ترشيحي واجتياز مدة الاختبار التي تدوم ستة اشهر عادة الا اذا كان الرفيق متفوقاً في انجازاته اضافة الى التأكد من عدم ارتباطه بالاجهزة الامنية والرسمية خشية التسلل الى الحزب من قبل الغرباء والمندسين ... ومرت الأيام. بانتظار ان تفتح الكليات ابوابها لأقدم شهادة النقل التي حملتها معي من دمشق.. وكانت هنالك بعض الشكوك في قبول انتقالي.. الا ان سياسة التقارب العربي والسعي لممارسة بعض الفعاليات وفتح ابواب اللقاءات العربية تمهيداً للاتحاد او الوحدة وكما كانت تطرحه الاحزاب القومية والتقدمية. كل حسب وجهة نظره.. بدأت الدراسة... والتحقت بكلية الحقوق.. كما حضرت عدة اجتماعات حزبية بقيادة الرفيق (ناظم).. وكنت متحمساً وحريصاً على العمل الحزبي اكثر من حرصي على دوام الكلية رغم الانتكاسة التي تعرضت لها في دمشق في العام المنصرم.