مدارات

اوكرانيا .. التدهور الاقتصادي والاجتماعي يتواصل

رشيد غويلب
مرت قبل ايام الذكرى السنوية الاولى لانطلاق التظاهرات الحاشدة في العاصمة الأوكرانية كييف، التي طالبت بتوقيع اتفاقية للشراكة مع الاتحاد الاوربي، وعُرفت بتظاهرات الميدان. وكان الناس وهم يشاركون فيها يأملون أن تصبح حياتهم  أسهل، بفعل توقيع المعاهدة المنشودة، وان تنحسر المصاعب الاجتماعية والفساد وتعسف البيروقراطية.
وظنت الاكثرية منهم،  بامكانية كسر الحكم المتسلط بمساعدة بلدان غرب اوربا. ولكن شيئا من هذا لم يتحقق، وانما العكس هو السائد اليوم: فالظروف المعيشية في اوكرانيا اصبحت اكثر سوءا، وعتاة الطغمة الحاكمة باتوا يملكون جيوشهم الخاصة، وليس هناك ما يشير الى تحسن قريب.  
فالبلد يقف على حافة الافلاس، وقد تم  اخيرا تسريح 27 موظفا من الدوائر الاجتماعية، ومصلحة السجون. والمتقاعدون في المناطق الشرقية، التي يسيطر على المعارضون لحكومة المركز لا يتقاضون رواتبهم، وكذلك زملاؤهم في شبه جزيرة القرم اصبحوا خارج مسؤولية كييف. ومع ذلك فان خزينة الدولة الاوكرانية تعاني من عجز غير مسبوق.
وفي غضون ذلك يطالب صندوق النقد الدولي حكومة كييف بالمزيد من اجراءات التقشف. فهل يستمر الحال على ما هو عليه؟ وهل سيؤدي ذلك الى قيام مقاومة اجتماعية؟ لحد الآن ليس هناك ما يدل على ذلك، لان الحكومة تعمل باساليب وخطاب شعبوي ساعية الى تحويل غضب الناس نحو "العدوان الخارجي"، القادم من روسيا الاتحادية المجاورة، على الرغم من قيام الاخيرة بتوزيع المواد الغذائية في شرق اوكرانيا. وفي هذه الاثناء وصلت القافلة السابعة من المساعدات الروسية، محملة بمواد غذائية، ومواد بناء.
وتشير رسالة من البنك الوطني الاوكراني، موجهة الى صندوق النقد الدولي، الى ان النمو الاقتصادي سيتقلص بنسبة 6.5 في المائة. فيما يبلغ التضخم في البلاد حاليا 20 في المائة. ويتوقع ان تصل هذه النسبة في نهاية العام الى 25 في المائة. وهذا ما أعلنته قبل ايام مديرة البنك المركزي الأوكراني في ملتقى للمستثمرين . وتضاعف سعر الدولار بالعملة الوطنية الاوكرانية، خلال سنة واحدة ، مرتفعاً من 7.9 في تشرين الثاني 2013 الى 15.2 خلال الشهر الحالي.
وتؤذي اجراءات التقشف المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي في المقام الاول الفقراء وذوي الدخل المحدود. وفي ايار الفائت ارتفع سعر قنينة الغاز بنسبة 60 في المائة، بعد ان كانت حافظت على سعرها منذ عام 2010 . كذلك تضاعفت رسوم الماء والكهرباء وتكاليف السكن.
وفي القرى والمناطق الريفية الاوكرانية عاد السكان الى استخدام اساليب التدفئة البدائية، مستخدمين الاخشاب. ووعد  رئيس الوزراء ارسيني ياتسينيوك المواطنين، الذين يستخدمون مواقد الخشب أو الفحم ، بأن تتحمل الدولة اكثر من 20 في المائة من التكلفة.
والخلاصة  هي ان الاوكرانيين لم يتوقعوا حتى في الحلم ان يكون الطريق الى الاتحاد الاوربي على هذه الشاكلة.
وحتى في العاصمة كييف، حيث خاض الآلاف في الشتاء الفائت، لشهور عديدة، صداما مع الشرطة، لا تزال حالتهم سيئة. فليس في خزينة العاصمة سوى 1.3 مليون يورو ،كما اعلن محافظ المدينة. في آخر اجتماع لمجلس المدنية، وقال المحافظ: "لا تملك كييف مالاً للحفاظ على وجودها". وان العجز يبلغ الآن 105 مليون يورو، وتبلغ نسبة المتوفر لتغطية الحاجة من الخدمات الطبية في المدنية 58 في المائة فقط، والمبالغ المخصصة لشراء الادوية تغطي 48 في المائة منها، اما تغطية رواتب واجور العاملين في الادارة المحلية فتصل الى 78 في المائة لا اكثر.
ولتهدئة السكان تلجأ الحكومة الى اجراءات شعبوية، مثل بيع سياراتها الاجنبية المنشأ،وهو اجراء حاول الرئيس الروسي الاسبق يلسيين عن طريقه احتواء غضب الروس الاجتماعي خلال سنوات حكمه.