مدارات

على وقع مظاهر الفساد والأمية الوظيفية :مشاهدات وحفلات وواقع مؤلم

قسم التحقيقات
يتفاعل العراقي يوميا على حفلات التعذيب، حفلات تعذيب «مدنية» بتعبير جديد، فهي ليست حفلات على الخازوق أو بالصعق الكهربائي أو الزرنيخ أو «المثرامه»، أو بالجلد أو التعليق بالكنّاره أو قطرات الماء على فروة الرأس كما كان حدث في العقود السابقة وباتت ضمن حكايات وذكريات الكثير ممن اكتوى بها وراح يرويها لعائلته وأبنائه وأصدقائه، أو يكتبها في مقالات ومدونات وروايات، حتى غدت الذاكرة العراقية الجمعية متخمة بها، وهذا طور من أطوار التعذيب في العراق، اقترنت به حفلات تعذيب عديدة ومتنوعة وباتت جزءا من القهر العراقي المزمن.
الحفلات الجديدة هي حفلات تعذيب أعم وأشمل، يشترك بها غالبية الشعب باستثناء بعض الطبقات المرفهة المعروفة، تلك التي لا تعرف «حرهه من برده من مطرهه»، فهذه نازلة من السماء «بزنبيل»، وعندها من الملايين ما يجعلها تعيش أجواء ساحرة على مدى العام، على عكس غالبية المواطنين من «أولاد الملحه» رغم أنهم يحملون ذات الجنسية وشهادة الجنسية التي تحملها الطبقات المرفهة، ومعها بطاقة السكن والتموينية، «المقدسات الأربعة» التي غدت رفيقة المواطنين في حلهم وترحالهم، بينما لا تعرف تلك الطبقة هذه المقدسات، لأنهم يستعيضون عنها بالدولارات والوساطات والتوصيات والقرابات والولاءات ووو....، وتلك التي لا تعرفها الطبقات الكادحة، ربما تراها في فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، أو ترى شبحا يمثلها، يمرق من أمام طابور طويل على شباك موظف فيفتح له الباب ومعه الترحاب، ثم يخرج منجزا معاملته في دقائق، دقائق وليس شهرا!
حفلة أولى
جلس مع أفراد أسرته، ظنا منه أنه سينعم بسويعات من الدردشة ومشاهدة الفضائيات وتناول وجبة العشاء مثل باقي خلق الله، قبل أن يجلس، سأل أمه العجوز:» وطنية أم سحب»؟. وطنية!؟، سحب طبعا. حالما جلس على السجادة، انقطع التيار الكهربائي. نهض متثاقلا باتجاه المولدة. حاول تشغيلها على ضوء مصباح يدوي، لكنها لم تشتغل. اكتشف أن خزانها فارغا، فملأه بالبنزين المغشوش حتما، وحاول تشغيلها ثانية لكنها لم تشتغل أيضا. اكتشف أن الدهن «محروك»، فتح صنبور الدهن وتركه ينسكب على الأرض. ملأ الخزان بالدهن وسحب حبل التشغيل مرارا، لكنها لم تشتغل أيضا، في آخر محاولة لجر الحبل اشتغلت المولدة لكن الحبل انقطع. عاد الى مكانه غاضبا وحاول أن ينام. توقفت المولدة فجأة، وعم الظلام لساعات، حتى عاد ثانية، سأل أمه العجوز:» وطنية أم سحب»؟. وطنية!؟. سحب طبعا. تقدم نحو سريره بخطى بطيئة. قبل ان يصل الى مكان جلوسه انقطع التيار الكهربائي. هرع نحو المولدة في محاولة يائسة لتشغيلها، لكنها «تنحرت» هذه المرة!
بعد أكثر من ساعة. عاد التيار الكهربائي. سأل أمه العجوز:»وطنية أم سحب»؟. وطنية!؟. سحب طبعا.
هتف بأعلى صوته:»متكليلي الوطنية شجالهه»؟
حفلة ثانية
تحركت سيارة الكيا بعد انتظار ممل لما يقرب من نصف ساعة، وأختتم السائق كالعادة نداءاته:»نفر واحد لباب المعظم...».
كان الزحام على أشده، وكانت السيطرات «نشطة جدا بأجهزة فحصها «السونار «، مما زاد من الاختناق المروري وتشابك العربات في الشوارع كافة.
قال السائق: شارع الصناعة مغلق.
- «إذن اطلع على باب المعظم»، أجابه أحد الراكبين.
اتصل السائق بزميله عبر جهاز الموبايل، ثم قال: «قافله بباب المعظم، خلي أطلع على شارع القاهرة».
ولكن اتضح بعد ساعة من السير البطيء أن شارع القاهرة مغلق أيضا فامتثل السائق لنصيحة راكب جديدة واستدار باتجاه نفق الشعب الذي تبين بعد معاناة طويلة استمرت على مدار ساعة أنه مغلق أيضا. فقرر السائق العودة باتجاه الرستمية عسى أن يجد طريقها مفتوحا.
ولكن الرستمية كعادتها وكمثيلاتها كانت مغلقة أيضا.
تذمر الراكبون وحدثت شجارات بينهم وبين السائق أيضا.
أحد الراكبين نصح السائق ساخرا: «اطلع على قناة السويس، ولكن احذر من القراصنة قرب السواحل الصومالية!.
فرد راكب آخر
- «لا يابه لا، مبينه حيل على عمليات خطف السفن»؟.. «سائقنا در بنا على رأس الرجاء الصالح»!.
حفلة ثالثة
يصل المراجع الى دائرة رسمية ومعه اضبارة مليئة بالكتب الرسمية والعرائض، الكتب والعرائض مليئة بالتواقيع والاحالات والتهميشات وتواريخ التأجيل وسلسلة المراجع، وفي جيبه يحشر المستمسكات الأربعة حتما، الأصلية والمستنسخة، مع صور ونسخ من كتب ووثائق وووو...
يجد طابوراَ طويلاً من المراجعين، يتساءل مع نفسه:» ذوله اشلون وصلوا قبلي؟، لازم بايتين من البارحة»!
يقف المراجع بانتظار الفرج، الطابور يطول، والشباك مغلق!
يتساءل المراجع:»شنو القصة»؟، فيأتيه الجواب من أحدهم:»دردشة الصباح بين الموظفين»
ينتظر وينتظر، وتمر الساعات ثقيلة، فيتساءل ثانية:»يمعودين متكللولي شنو القصة»؟، فيأتيه الجواب من أحدهم:»فترة الريوك»!.. تمر ساعات ثقيلة ويطول الانتظار، فيتساءل المراجع:»يمعودين أشك اهدومي؟، شنو ياكلون باجه»؟، يُفتح الشباك، تحدث مشاجرة مع أول مراجع، يحدث هرج ومرج، ويتم تأجيل بعض مراجعات المواطنين أو مطالبة بعضهم بجلب مستمسكات جديدة، ثم يغلق الشباك ثانية، فيتساءل المراجع:»شنو السالفه اشو هماتين انغلق»؟، فيأتيه الجواب سريعا:» فترة صلاة الظهر، شنو يعني يعيفون الصلاة»؟، يفتح الشباك، يتم استلام بعض المعاملات، ويتم كالعادة تأجيلها أو طلب مستمسكات أو احالات، والقليل من المعاملات تجتاز بصعوبة مرتبة لتقف في مرتبة جديدة لمدة أسبوع أو أكثر، ثم يغلق الشباك.
يتساءل المراجع:»وهسه شنو يا ساتر»؟، فتأتيه الاجابة سريعا:» المدير مموجود»، فيتساءل المراجع:»وين راح»، فتأتيه الاجابة سريعا:»عنده اجتماع»!، فيتساءل المراجع:»ليش الاجتماع ميصير الا بالدوام الرسمي»؟.
يفتح الشباك، فيهتف الكثير من المراجعين:» يا الله، اجه الخير»، ولكن لم يتزحزح أحد من الطابور، وتمر ساعة نحسة، فيتساءل المراجع:»اشو سنطه»، فتأتيه الاجابة سريعا:» الموظفة دتخابر صديقتهه، الظاهر السلفة اتفركشت»!
يقترب مراجعنا ليصغي الى حوار الموظفة الهاتفي، من باب «الطراوه»، ويقارن بين نار الانتظار، وعذاب المولدة والسحب، ومنغصات الزحام في الشوارع، وقطع الشوارع المفاجئ، ومخاطر الطرق والانفجارات وحوارات الراكبين عن الخطف والسرقة والنهب والفساد الاداري والمالي، وبين «التوسلات من أجل الحصول على ساعة زمنية من الدائرة تتحول تلقائيا الى مصادرة دوام رسمي كامل كالعادة، وبين ما يسمعه الآن من حوار الموظفة «البطرانه» مع صديقتها «الشفيه»:
- لج وينج؟، ما كو هيج حفلة أمس، فاتتج الكبب والدولمه، والشله كليتها موجوده، أحلى سفرة، غنينه وصفكنه ولعبنه ريشه، ما كو هيج ونسه..»!
فُتح الشباك، فقال المراجع:»اجه الخير أخيرا».
قدم بعض المراجعين معاملاتهم، ثم عادوا واستلموها «ناقصة»، وتمت مطالبتهم بأمور أخرى، ثم أغلق الشباك فجأة، فتساءل المراجع: "خير، هسه شكو"؟، فجاءته الإجابة سريعا: "خلص الدوام"
- "بعد ساعة ضبط، لويش"؟
- "تصفية أمور، والتأهب للروحه"!
- "لا ها هيه ربحنه"!
صورة تذمُّر
يقول الموظف ماجد حمزة: ان الكثير من الموظفين الحكوميين، خصوصاً في الدوائر الخدمية لا يحترم الواحد منهم الواجب المناط به، ولا يحترم ساعات العمل اليومي المكلف به ويتقاضى عنه راتبا شهريا، ورغم ذلك تحس به أو هو يجعلك تحس بذلك بأنه يمنن بعمله عليك، ومنهم من يتذمر أو يتثاقل أو يتعجرف أو يطرد أو يصرخ بالمراجعين وكأن مكان عمله ملك له ولمعارفه ، ولمن يعجبه.
وأضاف: ليس الفساد أن تأخذ رشوة أو هدية مقابل أداء عمل أو غض النظر عن الفساد فحسب، بل الفساد أيضاً هو أن يتقاعس الموظف عن أداء وظيفته أو يتثاقل أو يتهرب منها بحجج واهية، لقد مضى على مراجعاتي الى هذه الدائرة قرابة شهر، وما زلت في أول الطريق، قياسا بمن سبقني وأخبرني أنه مازال يراجع منذ ثلاثة أشهر!
فساد.. فساد
الفساد الإداري والمالي هو إساءة استخدام السلطة واستغلال المنصب الإداري في الجهات الحكومية وهو يزيد بزيادة هيمنة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، ويظهر من خلال الرشوة وتعطيل الإجراءات الإدارية لإنجاز عمل معين من أجل الاستفادة الشخصية من ذلك النشاط، وتعيين الموظفين حسب المبدأ القبلي أو العلاقات العائلية، وان الفساد الإداري والمالي عندما يتغلغل في جسد الدولة وبين أروقة مؤسساتها وجهازها الإداري يجعل الأداء الاقتصادي شبه مشلول، وهذه صورة واقعية لمشروع تبليط رصيف على سبيل المثال:
فمنذ ما يقرب من ستة أعوام، تم تبليط الرصيف بالطابوق المقرنص فاستبشر المواطنون خيرا وهتف بعضهم:»اجانه الخير»، ولكنهم بعد شهور قليلة فوجئوا بحملة قلع شاملة للطابوق المقرنص الذي سرعان ما تعرض لشروخ وتخسفات كثيرة. وبعد ما يقرب من شهر أعيد اكساء الرصيف بالطابوق المقرنص الذي تم قلعه. وبعد عام لاحظ المواطنون بدء حملة قلع جديدة للطابوق المقرنص الذي تم تبليط الرصيف به.
أحد راكبي سيارة «الكيا» قال: أنا شخصيا أنضم إلى «سرحان عبد البصير» الذي أعرب عن قلقه من حكاية «الألع» المنتشرة «اليومين دول». فكل رصيف يتم اكساؤه بالمقرنصات يتعرض للقلع بعد ثلاثة أشهر ليعاد اكساؤه بذات المقرنصات المقلوعة منه وبنفس ملامح وجوه العاملين وثيابهم وملامح وجوههم «وهمتهم المتصاعدة»!.
والغريب أن عملية القلع ليست طارئة أو مؤقتة بل أنها منظمة وفق أجندة لا يعرفها إلا الراسخون في العطاءات السرية والمقاولات السنسكريتية والاتفاقات الديالكتيكية «المعدلة» والمتمردة على منطق اقناع أي مواطن بتكرار حملات «الألع» المنتشرة على مدار ما يقرب من ستة أعوام!.
أمية وظيفية
«آه، ديكي، نحباني للو»، جملة صنعها الفنان المبدع سليم البصري في مسلسله التلفزيوني الشهير «تحت موس الحلاق»، الذي غيّب هو ومسلسله فجأة في العقود الماضية ليعود ذلك المسلسل المبدع «حيا يرزق» في مكاتب بيع الأقراص المدمجة وبسطات الباب الشرقي بعد سقوط النظام السابق مباشرة.
«آه، ديكي، نحباني للو» تصدرت مشهد مكافحة الأمية في العراق، وصارت مادة للتندر ممن (بعد ما شاب ودوه للكتّاب)، لكنه كان تندرا محببا ومشجعا لجحافل الأميين الذين كلما نقصوا حظيرة ازدادوا فصيلا، لتغدو مع مرور الأعوام فيالق للجهل والتخلف، وصلت الى ما يقرب من عشرة ملايين عراقي.
الأمية في العراق تصنّف على أنها أمية قراءة وكتابة فقط، ومع ذلك ما زالت متفشية ومفتوحة النهايات، بينما كافحت أمم متقدمة الأمية الحاسوبية والأمية التكنولوجية والأمية الوظيفية.. تصوروا وقارنوه «ابطرگاعتنه الما تتسولف».
أسباب وأسباب
يرى بعض المختصين أن الميزة الأساسية في أهمية دور الإدارات الوظيفية والفنية في الوزارات ومؤسسات الدولة، أنها تمثل رافدا حيويا من روافد العطاء المطلوب لدعم تلك المؤسسة من خلال ممارسة مسؤولياتها في السعي لجعل نمط الانجاز يسير بانتظام تصاعدي من خلال اقترانه بجودة الخدمات المقدمة إلى المواطن فضلا عن ما ينبغي ان يتسم به هذا العمل من انفتاح على المجتمع والظهور بمظهر المواطنة الصالحة . وانتظام هذا العمل وكما مطلوب في توفر جوانبه الايجابية الأخرى، لا يمكن له ان يبلغ ذروته أو على الأقل ان يتحقق بحده الأدنى بدون حوافز العمل والتشجيع والاستحسان للعطاء الجيد. ولكن الملاحظ ان هذه الخدمات الإدارية والفنية وللأسف لم تعد تلقى هي الأخرى الكثير مما تستحقه جدارتها سواء في إدارة الدولة أم في الجامعات والمعاهد العلمية أسوة بالتدريسي نفسه. فهذه الروافد السخية من الموظفين والفنيين في كل دوائر الدولة نجدها تكاد تنضب ويزحف نحوها التصحر مجهزا على عطائها. فبعد انتظار طويل لكي تشهد زوال ظلم النظام الصدام الفاشي ، تجد هذه الكوادر الوظيفية نفسها اليوم تعيش في ظروف أسوأ بعد أن حلت على إداراتها نخب وكتل سياسية أتت على ما تبقى لها من حقوق. وكان ينبغي لهذه الشريحة من موظفي الدولة، ان تلقى الدعم والتقدير من خلال جعلها في أولويات خطط الوزارات من اجل استمرار عطائها الثر ويظل رحيقها يستقي منه الوطن نصل الحياة كقوى منتجة ضخمة من الطبقة الوسطى، لا ان تعيش مقهورة تلجأ مضطرة إلى سلوك غير قويم من خلال تعاطي بعضها الرشوة وبما لا يجعل لنفسها ولا من الآخرين أي احترام، ثم تلام على سلوكها غير الحميد هذا نتيجة لما تعاني من عوز وفقر وتهميش. وأرجو أن لا يفهم أننا هنا ندافع عن السلوك الشائن لما يقوم به البعض من فساد وظيفي, لكننا نلقي اللوم على دور الحكومة وعلى رئاسة الجامعات والعمادات في تعاملهم السلبي مع الكوادر الوظيفية وعدم النظر بعين الاعتبار لحياة هؤلاء المجاهدين ولعائلاتهم.
ان أسباب الفساد الوظيفي كثيرة، يمكن تقسيمها إلى أسباب ذاتية للموظف نفسه ومنها ما تعود أسبابه إلى الدور الحكومي المساهم في تكريس الفساد، ومن بين الاسباب الذاتية بحسب المعنيين هي أن الإنسان العراقي بشكل عام وليس الموظف وحده، وبعد الذي عاناه طويلا في عهد النظام البائد، وجد نفسه اليوم في عهد آخر أكثر فوضى وتهديدا لحياته ومزيدة في حرمانه. وعليه فانه اضطر للاعتماد على نفسه لمعالجة أوضاعه الشخصية والعائلية وبطرقه الخاصة، وبنوع من التمرد على الواقع، فكان دخوله حلبة الفساد من بين خياراته، ثم كيف نطالب الموظف ان يكون مستقيما مثلا وهو الإنسان المحروم من أبسط أنواع الخدمات، فلا توفر للكهرباء ولا تصريفاً صحياً ولا ماء صالحاً للشرب وتفاقم في البطالة وتصاعد في أسعار المواد وتهديد إرهابي لحياته ولعائلته؟ على الحكومة أولا توفير هذه الأشياء لجعله ينظر إلى النظام القائم بالاحترام الذي يستحقه أو حتى لاحترام مجتمعه؟
ان الموظف مخلوق بشري لا يمتلك قناعات مطلقة أو ثابتة. وقناعاته تخضع إلى التغيير من خلال أحداث لها مساس بحياته سلبا أو إيجابا. وبذلك علينا أن نتوقع أن ولاءاته وأهداف حياته هي الأخرى تعتمد على قناعاته الجديدة، والموظف لو كان له دخل شهري كاف أو على الأقل لو كان يمتلك الاختيار في إيجاد عمل آخر لزيادة دخله الشهري لما هدر كرامته وتلقى الرشوة.
ان إهمال دور البحث العلمي عند وضع ألأهداف الاستراتيجية للخطط التربوية لمناهج الوزارات بشكل عام نتيجة لسياسة إبعاد الكوادر الأكاديمية المتخصصة والاعتماد على أنصاف الأميين مما يعمل على فشل وتقويض بناء الكفاءة الإدارية المطلوبة من قبل الكادر الوظيفي المحسوب على تلك الكتل.
احوال المؤسسات والموظفين
افتقار المؤسسات لاستخدام النظام البرامجي للحاسوب يجعل من العمل الإداري نوعا من الفوضى فيما يتعلق بالحفاظ على الأضابير والأرشيف والمراسلات ومعلومات المؤسسة المهمة. ويجعل العمل الوظيفي خاضعا للعشوائية والفوضى.
تفاقم البطالة المقنعة في الكثير من دوائر الدولة نتيجة للتعيينات الوظيفية الكيفية التي تمارسها الكتل السياسية في الوزارات، مما يسبب تباينا في أعداد الموظفين. ففي ديوان الوزارة او المؤسسة قد نجد تضخما في العدد بينما تعاني بعض دوائر تلك المؤسسة نفسها من نقص حاد في موظفيها، والعكس صحيح .
الاستهانة بالشهادات العلمية في بعض الدوائر الحكومية كالجامعات مثلا. حيث يمكن أن نجد مهندسين وفنيين يعملون في مكاتب رؤساء الجامعات ومساعديهم لأغراض البريد اليومي وهذا هدر كبير في الكفاءات العلمية.
تقاعس الموظف أو العامل عن القيام بواجباته قاد إلى فوضى العمل بشكل كبير. ومن نتائج ذلك في الحقيقة ما تعاني منه المؤسسات الحكومية من عدم ألاهتمام بالجودة أو الصيانة أو النظافة. وهذا ما يجعل بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية تبدو كالخرائب من الداخل نتيجة لذلك.
كنتيجة للانحرافات الحاصلة في عمل الإدارات وضحالة الخبرة والقابلية في أداء الخدمات، لم تعد للكفاءة أو الخبرة تلك الأهمية التي من خلالها تتمكن المؤسسات من التنافس في مشروعها الصناعي أو البحثي أو التربوي أو السياسي الذي من شأنه تطوير الإنتاج، أو فرز المبدعين ليكونوا قادتها الجدد من خلال إرسالهم إلى الخارج للتدريب وتطوير خطط العمل الوظيفي.
عدم توفير العدالة بين الموظفين من ناحية شمولهم بالايفادات والامتيازات وخصوصا فيما يتعلق بمحفزات العمل كتوزيع قطع الأراضي على موظفي المؤسسة ، حيث يتم في أغلب الأحيان شمول من يمكن الاستفادة «منهم» بطريقة أو أخرى. وهذا يؤثر على سير العمل ويؤدي الى شعور الموظف الآخر بالغبن والظلم. وربما يولد في ذاته نزعة بعدم الولاء للمؤسسة وربما حتى الرغبة في الإساءة لعمله.
يمكن ان نجد الكثير من المؤسسات لا تلتزم بالضوابط المهنية عند تقييم خدمة وأداء الموظف فنجد أن العلاقات الشخصية والمحسوبية هي الأكثر رواجا في المفاضلة. فبعض الدوائر لا تبالي من خلال علاقة ما بمنح حتى الفراش بالامتيازات كقطعة أرض مثلا، بينما يجد موظف مستحق صعوبات حتى يتم شموله بمثل ذلك الامتياز.
ضعف وقلة اللجان التدريبية في مؤسسات الدولة وعدم تلقي الموظف ما يؤهله لرفع الإنتاج. وفي حالات كثيرة تلقى مسؤولية التدريب على حملة الشهادات العليا، وهي وان كانت خطة كهذه تبدو ناجحة ومفيدة، ولكن المشكلة أن البعض من أصحاب الشهادات يشعرون بالتعالي في النزول لمستوى تدريب موظف بسيط.