مدارات

دخل العراق النفطي ومستقبل العراق السياسي

د. اثير حـداد
مـدخل:

يمثل تصدير النفط والإيراد الناتج عن هذا التصدير المصدر الاساس بل الحاسم للدخل الوطني العراقي . وبالتالي المكون الاساس لدخل الفرد العراقي، وهذه سمة الدول الريعية .
ففي الدول المتطورة يمثل العمل مصدر الدخل, ودفع الضرائب عن ذلك الدخل يمثل ايرادات، وبالتالي يمثل مكونا للدخل الوطني او القومي. وهذا خلق وعيا للمواطن بأهمية دوره لانه الممول الاساس لبقية الانشطة الاجتماعية.
ان ارتباط دخل الدولة بتصدير النفط ربط مصير العراق بالسوق العالمية الرأسمالية الطبيعية من ناحية كميات التصدير وسعر البرميل . وبما ان تسعيرة برميل النفط تتم بالدولار فان دخل العراق مرتبط بقوة بسعر صرف الدولار . واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان سعر صرف الدولار يرتبط بقوة بسعر الفائدة داخل الولايات المتحدة ، وسعر الفائدة هذا يخضع لقرارات الاحتياطي الفدرالي الامريكي استنادا الى حاجات الاقتصاد الامريكي ، نجد درجة ارتباط الاقتصاد العراقي بالخارج الى درجة يمكن اعتباره ارتباطا ذيليا .
في السابق، في السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي كانت الظاهرة العالمية ان ارتفاع اسعار النفط يقود الى الانكماش الاقتصادي في الدول المتطورة اقتصاديا . في 2008 وما بعدها ظهرت ظاهرة جديدة وهي اعادة مركز القوة الى الدول المتطورة . ولكن يجب عدم التطرف في ذلك واعتبارها العامل الوحيد . فالازمة المالية العالمية التي بدأت في 2008 لم تقد الى انخفاض في اسعار النفط الخام مباشرة بل استمر السعر في الارتفاع الى منتصف 2014 ليصل الى 115 دولارا/برميل. لان النمو الاقتصادي في شرقي اسيا ، الصين والهند وكوريا الجنوبية و البرازيل وجنوب افريقيا كان القائد لزيادة الطلب على النفط الخام . الا ان هذا النمو الاقتصادي بدا بالتباطؤ في 2014.

نظرة مستقبلية لسوق النفط الخام .

الطلب: الدول المؤثرة على تحديد كميات الطلب على النفط الخام وبالتالي سعره منذ منتصف الثمانينيات الى 2008 هي الدول المتطورة اي . الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي او دول مجموعة العشر. الا ان دخول الصين الى السوق العالمية كبلد مصدر واساسي منع انهيار اسعار النفط , الى جانب ذلك النمو الاقتصادي الذي تحقق في الهند وجنوب افريقيا والبرازيل وكوريا الجنوبية . فالازمة المالية العالمية التي ضربت الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي منذ 2008 لم تؤد الى انخفاض اسعار النفط الا بعد منتصف 2014. ولهذا اسبابه :
ارتفاع اسعار النفط فوق 70-80 دولارا للبرميل ادى الى ان تصبح الاستثمارات مربحة في مناطق النفط الصخري في الولايات المتحدة والرملي في كندا ، ما ادى الى انخفاض طلب الولايات المتحدة على استيراد النفط .
اما اسعار صرف الدولار تجاه العملات الاخرى فقد شهدت هي ايضا ارتفاعا في سعر صرفه . ما ادى الى ارتفاع تكاليف استيراد النفط الخام من قبل الدول المستوردة وبالاخص دول الاتحاد الاوربي واليابان والصين و الهند والبرازيل . ومنذ الازمة المالية في 2008 أصبح سعر الفائدة في الولايات المتحدة الامريكية قريبا من الصفر ، ما ادى الى تحول الاستثمارات الى مجالات سندات الخزينة والمضاربة في العملات.
كما ان تطبيق معايير كفاءة استخدام الطاقة في الولايات المتحدة والذي منه يأتي تشجيع انتاج واستخدام السيارات الكهربائية و الشمسية او السولر جعل حصة هذا النوع من السيارات تصل الى 15بالمائة من مجموع السيارات فيها ، علما ان قطاع انتاج واستخدام السيارات في هذا البلد الشاسع جدا هو احد اهم القطاعات الاقتصادية من ناحية الانتاج والاستهلاك.
تلك العوامل اثرت في انخفاض الطلب على النفط الخام بعد 2008 ولكن نمو الطلب على النفط من قبل الصين بالاساس ابقى على كميات النفط وبالتالي سعره مرتفعا . الا ان الاقتصاد الصيني ارتبط بالسوق العالمية بجميع اشكاله . فالنهوض الاقتصادي الصيني كان متاتيا من ارتفاع الطلب على السلع الصينية الرخيصة، هذا من جانب ومن جانب اخر سمحت الصين بدخول رؤوس الاموال العالمية بشكل هائل. اما الريف الصيني او القطاع الزراعي فقد بقي متخلفا . بكلمة اخرى ان النمو الاقتصادي الصيني جاء نتيجة للتصدر وليس بفعل عوامل نمو اقتصادي داخلي او تطور الرأس مال البشري الصيني ، وهذا الجانب ادى الى ارتفاع درجة حساسية الاقتصاد الصيني للسوق العالمية, فحالما تأثرت السوق الامريكية بالركود الاقتصادي انخفض الطلب على السلع المنتجة في الصين, ما ادى الى ركود اقتصادي في الصين ايضا . وبحسب قناعتي فإن الحالة الصينية تشبه الى حد كبير حالة الدول المصدرة للنفط .
الى كل هذا وذلك كان من المتوقع ان يستمر النمو الاقتصادي في الهند وجنوب افريقيا واليابان والبرازيل, الا انه منذ منتصف 2004 الذي حدث هو تباطؤ في النمو الاقتصادي في تلك الدول .

جانب العرض

الاوبك منظمة احتكار لمنتجي النفط الخام . والاحتكار يعمل بإحدى الطريقتين ولا يستطيع بكلتيهما معا وهما :
1-تحديد الاسعار وترك كميات الطلب تجد مستقرها
2- تحديد الكميات وترك الاسعار تجد مستقرها
وخلال فترة السبعينيات من القرن الماضي وكذلك الثمانينيات انخدعت دول الاوبك بنشوة العائد السريع فاستمرت في سياسة تحديد حصص الانتاج من اجل زيادة الاسعار ، لكنها نسيت ان سياسة الاحتكار الساعية نحو الارتفاع المستمر للاسعار ستشجع منتجين جددا على دخول سوق النفط وهذا ما حصل فعلا حيث دخل نفط بحر الشمال وروسيا والنفط الصخري في الولايات المتحدة والرملي في كندا فأصبحت تلك الدول تمتلك حصصا لابأس بها في سوق النفط .
السعودية ضمن الاوبك كانت في الماضي ونتيجة لإمكاناتها الانتاجية التي تصل الى 12برميلا يوميا وكذلك الاحتياطي الهائل المكتشف والمعلن استطاعت ان تلعب دور المعادل العام للانتاج عبر رفع او خفض انتاجها ، ولتوضيح ذلك لا بد من الاشارة الى تعويض النقص في انتاج العراق من النفط بعد 1990. الا ان تلك السياسة لم تعد مرغوبة داخل السعودية في ان تبقى السعودية ( المرجح) لانها ادت الى فقدان حصصها في سوق النفط لصالح روسيا . وهذا ما تجلى واضحا في اجتماعات الاوبك الاخيرة في رفض السعودية لخفض كميات انتاجها ما لم تلتزم الدول الاخرى خارج الاوبك بتخفيض انتاجها ايضا .

العــراق

حصل العراق على عوائد او ايرادات نفطية هائلة لم يستطع الاستفادة منها لاسباب خارج نطاق هذه الدراسة . فقد كان ينتج بمعدل 2,5مليون برميل يوميا بسعر 115دولارا للبرميل . واليوم يدعي انه ينتج بمعدل 3,3 مليون برميل يوميا . في سقف سعري هو اقل من 50 دولارا للبرميل . وعلى اساس 80 دولارا للبرميل في الميزانية لعام 2015. وهو سعر متفاءل به جدا . والاخطر من هذا غياب سياسة وقائية للعراق، بل كل الذي يجري هو معالجة الاخطاء فقط وليس سياسة تجنبها.
وانني لا اتصور في الافق المنظور في الاقل لغاية 2018 و 2019 لن ترتفع اسعار النفط العالمية، ولن يستطيع العراق تسويق كميات النفط التي ينتجها فوق 3 ملايين برميل يوميا لأسباب تعود لسوق النفط العالمية وكذلك عودة ايران الى سوق انتاج النفط بمعدل 2مليون برميل بعد سنوات من الحصار عليها وبالاخص تقارب الصفات والتكاليف بين النفطين لا بل امتلاك ايران افضلية على العراق من ناحية امتلاكها موانئ على الخليج مباشرة بينما مراكز تصدير النفط العراقي تخضع لعوامل جيوسياسية مثل خط بانياس الذي يمر عبر مناطق غير مستقرة . كما ان المستورد غير مستعد لربط مستقبله بنفط بلد غير مستقر اصلا وبالاخص اذا كان لعقود طويلة الامد .

الحكومات العراقية المتعاقبة اتبعت دائما سياسة ردود الافعال وليس سياسة المبادرة المالية مثل استحداث صندوق الاجيال0 اننا قادمون على ازمة حادة شئنا ام أبينا، الا اذا حدث ارتفاع غير متوقع في سعر النفط ناتج عن صراع حاد في منطقة المشرق العربي ، او حرب اهلية عراقية وبالتالي لن يستفيد العراق من الزيادة السعرية. وذلك ناتج عن
1-ضعف التنوع في الاقتصاد
2-ضعف القطاع الخاص الى درجة ان حتى سلعة " الفجل" نستوردها.
3- توسع وترهل في القطاع العام غير المنتج ، الى درجة ان البعض يقدر عدد العاملين في القطاع العام ب 6ملايين شخص بين مدني وعسكري. هذا التضخم ادى الى التصارع على الريع وتنازع مجموعات المصالح والفساد والمحسوبية والولاءات الى ضعف الحوكمة، وهي من سمات الدولة الريعية.
4- فلسفة التعليم الفاشلة المبنية على عرض في عدد الشهادات ,ما ادى الى بطالة وتخلف في قوة العمل . هذه السياسة ادت الى فتح جامعات وكليات لم تأخذ بنظر الاعتبار حاجات الاقتصاد العراقي . ومن جانب آخر اغفل التعليم الاهتمام بالتعليم المهني وتخريج الكوادر الوسطية المؤهلة للقيام بمهامها والاتصال بالسوق .