مدارات

تشيلي.. مسيرة لإستذكار ضحايا الدكتاتورية

في الذكرى الثانية والأربعين لإنقلاب الحادي عشر من ايلول 1973، الذي اطاح بحكومة "الوحدة الشعبية" اليسارية المنتخبة بزعامة سلفادور اليندي، شارك الآلاف من المدافعين عن حقوق الإنسان ، واقارب واصدقاء ضحايا الإنقلاب الفاشي في مسيرة، مطالبين بانهاء العمل بـ"اتفاق الصمت"، الذي يسعى بموجبه ورثة دكتاتورية بينوشت ضمان سلامة مجرمي الطغمة العسكرية بعد انتهاء الحكم العسكري،واستذكر المشاركون الشهداء والمختفية اثارهم وسجناء سنوات الحكم العسكري.
وتقام مسيرة الإستذكار، كتقليد في اول يوم أحد بعد الحادي عشر من ايلول سنويا. الذي اعتبر منذ عام 2002 يوم عطلة رسمية في البلاد. و بدأت مسيرة هذا العام من "ساحة الابطال" ، مرورا بقصر "لامونيدا" الجمهوري، حيث استشهد الرئيس اليندي، وانتهت في مقبرة ريكوليتا الوطنية، حيث قبر الرئيس الشهيد، وقبر الفنان الشيوعي الشهير فكتور جارا. وكان جارا قد اعتقل بعد الإنقلاب، وتعرض لتعذيب بشع، وتمت تصفيته في السادس عشر من ايلول 1973 .
رئيسة رابطة أقارب المختفين "لورينا بيزارو"، دعت إلى الكشف عن "ميثاق الصمت"، و عن مزيد من المعلومات حول مرتكبي جرائم الدكتاتورية العسكرية. وعبرت عن املها ان تتبع هذا الاحتجاج الجماهيري خطوة أخرى نحو كشف الحقيقة والإنتصارللعدالة. وطالب أقارب الضحايا الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية، بوضع حد لعمليات الإفلات من العقاب، لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان. وطالبوا ايضا باغلاق سجن "بنال كورديلرا"، الذي يضم المدانين بجرائم النظام الفاشي فقط، ونقلهم الى سجن آخر، بسبب المعاملة الخاصة التي يتمتع بها النزلاء. يأتي ذلك في سياق حملة نقد شديد وجهت لإدارة السجن بسبب الرفاهية التي توفرها لمجرمي الحقبة السوداء. وحسب المحامي كارلوس فيرا فان وجود السجن يعكس عدم المساواة السائدة في البلاد، من جانبه أعلن المتحدث باسم الحكومة "مارسيلو دياز" ان الحكومة تناقش بجدية اتخاذ قرار بإغلاق السجن.
ورافق المسيرة وجود كثيف للشرطة،وقبل نهاية المسيرة، قام مندسون ببناء متاريس، ورشقوا الشرطة بالحجارة، مما دفع الأخيرة الى استخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريقهم، واعتقلت عددا منهم.
يذكر ان شيلي تعيش مناقشات واسعة بشأن التعامل مع ملفات الجرائم السياسية خلال سنوات الدكتاتورية الفاشية (1973 -1990). وفي السابع عشر من آب الفائت، شكلت رئيسة الجمهورية ميشيل باشيليه لجنة خاصة لجمع المعلومات حول انتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات الديكتاتورية، وللكشف عن احتمال "اتفاق الصمت" داخل القوات المسلحة. ويقود اللجنة قاضي محكمة الاستئناف السابق "اليخاندرو سوليس". والقاضي السابق معروف بالكشف عن عدد من جرائم النظام الدكتاتوري السابق، بما في ذلك الكشف عن قتلة قائد الجيش التشيلي في عهد حكومة الوحدة الشعبية، في عام 2008، واصدار الحكم عليهم مرتين بالسجن المؤبد.
ويقوم القضاء التشيلي حاليا، بدراسة أكثر من ألف قضية لمحاكمة مسؤولين حكوميين سابقين بتهمة جرائم القتل والخطف، واخفاء الأثر، والتعذيب، التي ارتكبت خلال عهد الدكتاتورية. ويعيد ناشطو الجمعيات المطالبة بحقوق الضحايا افلات المجرمين العقاب الى "اتفاق الصمت" المعمول به من قبل الكثير من السياسيين وبعض العسكريين للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان حتى بعد مرور عقود على نهاية الدكتاتورية. ووفق معلومات قدمت من عدد قليل من العاملين في الجيش والشرطة في تلك السنوات، فان "اتفاق الصمت" يجري العمل به بالرشى احيانا والتهديد بالتصفية احيانا اخرى. وعلى الرغم من ذلك فقد استطاعت النيابة العامة في التشيلي تقديم عدد من مجرمي تلك السنوات الى القضاء، بما في ذلك قتلة فكتور جارا، الذين تمت ادانة بعضهم قبل عام من قبل محكمة امريكية حيث كانوا يقيمون.
وتؤكد التجربة التشيلة على محدودية المتحقق امام سعة الجرائم المرتبكة، ان معاقبة المجرمين ممكنة، ولو بعد حين, وان حقوق الضحايا يمكن استرجاع الكثير منها مهما طال الزمن.