مدارات

تظاهرات حاشدة في رومانيا ضد مرسوم "الإفراج" عن المسؤولين الفاسدين تجبر الحكومة على الغائه

بوخارست - وكالات
خرجت تظاهرات إلى شوارع العاصمة الرومانية بوخارست ضمت الآلاف للمطالبة بإلغاء مرسوم أقرته الحكومة يخفف التشريعات المكافحة للفساد، الأمر الذي أجبر الحزب الحاكم على الإعلان عن استعداده للموافقة على هذا المطلب.
"دفع رشوة"
بعد أربع ليال من التظاهرات في البلاد، شارك آلاف السبت في مظاهرة توجهت إلى مقر البرلمان، رمز الديمقراطية التي يعتبر المتظاهرون أن المرسوم الذي أصدرته السلطات بشكل طارئ الثلاثاء شكل ضربة لها.
وقال ألكسندر ( متظاهر 30 عاما) وهو أحد المتظاهرين أنه يعرف تماما آفة الفساد في البلاد. وأوضح هذا الموظف أن "الأمر مفزع"، مضيفا "للحصول على أي شيء يجب دفع (رشوة) ويتعين الوقوف في طوابير طويلة".
ومنذ الثلاثاء، تجمع التظاهرات يوميا نحو 200 ألف شخص في رومانيا، البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 20 مليون نسمة والمعتاد على الاضطرابات السياسية منذ الإطاحة بالنظام الشيوعي قبل 27 عاما.
خوف من العودة إلى الوراء
وقال المحلل السياسي كرستيان بارفوليسكو "لا يمكن لأي حكومة أن تقاوم مثل هذه التظاهرات"، معتبرا أن الحكومة "فقدت شرعيتها"، ومضيفا أن "إلغاء المرسوم لن يحل المشكلة ولن ينهي الأزمة".
وأضاف أن الرومانيين "تعلموا من التجربتين السلبيتين في بولندا والمجر، وفهموا أن عليهم أن يستنفروا بسرعة لحماية الديمقراطية".
وقالت دانيالا، الصيدلانية التي تبلغ من العمر 50 عاما، إنها تشعر كأنها "في كانون الأول 1989" عندما أجبرت تظاهرة هائلة الرئيس السابق نيكولاي تشاوشيسكو على الفرار.
ويخشى المتظاهرون أن يؤدي تخفيف التشريع ضد الفساد إلى العودة إلى الوراء، في وقت بدأت فيه الحملة ضد الفساد تؤتي ثمارها تحت ضغط الاتحاد الأوروبي وقضاة يتحلون بالجرأة نظروا في مئات الملفات في السنوات الأخيرة، ما شكل منعطفا في القضاء الروماني.
وفي ما يشكل بارقة أمل للمعارضين، قدم اعتراض إلى المحكمة الدستورية الجمعة لمنع الحكومة من اللجوء إلى إجراء طارئ يتجاهل البرلمان.
ونص المرسوم خصوصا على خفض العقوبات المفروضة على من يدان باستغلال السلطة من سبع سنوات سجنا إلى ثلاث سنوات. كما وضع حدا أدنى للملاحقة بتهمة الاختلاس يبلغ 200 الف لي (44 ألف يورو). وثمة مشروع آخر للحكومة ينص على الإفراج عن مسؤولين مدانين.
وتقول الحكومة إنها تريد تخفيف اكتظاظ السجون وإصلاح القانون الجنائي الذي أبطلت المحكمة الدستورية نحو ستين من مواده.
والحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوده ليفيو دراجينا طرد من السلطة في نهاية 2015 بعد تظاهرات ضد الفساد، لكنه حقق فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية في كانون الأول، وأكد تصميمه على تمرير التعديل الذي يدينه المتظاهرون.
وتتركز التظاهرات في المدن، علما بأن للحزب الحاكم قاعدة متينة في الأوساط الريفية والمهمشة التي انتخبته قبل شهرين على خلفية وعود بزيادة المساعدات الاجتماعية.
وانتقدت المفوضية الأوروبية المرسوم الحكومي وكذلك وزارة الخارجية الأمريكية التي عبرت عن "قلقها العميق" لصدوره.
تقديم تنازلات
وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في رومانيا، ليفيو دراجينا في مقابلة "يمكن أن نتحدث عن إلغاء الأمر إذا قبل رئيس الوزراء بذلك"، مبديا للمرة الأولى استعداده لتقديم تنازلات في هذه المواجهة مع مناهضي المرسوم. وأضاف رئيس الحزب الذي يملك تأثيرا حاسما على رئيس الوزراء سورين غريندينو الذي تولى مهامه قبل شهر، أنه سيقترح "حلا لإنهاء النزاع"، بدون أن يوضح متى سيلتقي رئيس الوزراء.
وأوضح دراجينا "لم يعد بإمكاني أن أقاوم أكثر (...) ضغط منظمات (تتبع) للحزب الاشتراكي الديمقراطي ويمكنها أن تنزل إلى الشارع نحو مليون شخص". وتحدث مجددا عن "حملة تضليل إعلامي". من جهته، اعلن رئيس الوزراء الروماني سورين غريندينو السبت الغاء المرسوم الذي ينص على تخفيف قانون مكافحة الفساد، والذي اثار منذ ايام تظاهرات غير مسبوقة. ويأمل رئيس الوزراء بذلك تهدئة مئات آلاف الرومانيين الذين يتظاهرون يوميا للمطالبة بسحب مرسوم صدر الثلاثاء دون موافقة البرلمان، ولكن ايضا باستقالة الحكومة القائمة منذ شهر. وقال رئيس الوزراء الاشتراكي الديمقراطي في تصريح "سنجتمع غدا (امس) لالغاء هذا المرسوم"، مؤكدا انه لا يريد "تقسيم رومانيا" بهذا المرسوم الذي يخفف من عقوبات الفساد. ورحب نحو مئة الف متظاهر في بوخارست باعلان رئيس الوزراء، بحسب وسائل الاعلام اضافة الى عشرات الاف اخرين في باقي البلاد.
وقالت رالوكا الثلاثينية في بوخارست انها "سعيدة" بتراجع الحكومة لكن "الناس سيبقون حذرين من هذه الحكومة، وقد اظهروا انهم يريدون الانخراط بشكل اكبر في الحياة السياسية، وهذا امر جديد في رومانيا". واشاد رئيس الدولة كلاوس ايوانيس المختصم مع الحكومة بـ........"خطوة مهمة نحو التطبيع".
نظام "رهيب"
واقر رئيس الوزراء بأن المرسوم أحدث "انقساما في المجتمع"، مجددا التأكيد على ان دافع الحكومة كان ملاءمة القانون الجزائي مع الدستور. كما قالت الحكومة ان هدفها تخفيف ازدحام السجون. وسيتم اعداد مشروع قانون جديد ليعرض هذه المرة على البرلمان بحسب رئيس الحكومة الذي اكد ان المشروع الجديد لن يتضمن تحديد سقف العقوبة المالية لمرتكب جريمة استغلال نفوذ. ويخشى معارضو المرسوم تراجع مكافحة الفساد في وقت تمكن فيه قضاة يتحلون بالجرأة من فتح مئات ملفات الفساد في السنوات الاخيرة في رومانيا. وتعرضت الحكومة الى الانتقاد لانها ارادت حماية رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي من المحاكمة. وهو حاليا ملاحق في قضايا وظائف وهمية. وقد اعرب كل من المفوضية الاوروبية والخارجية الاميركية عن قلقهما ازاء ذلك. ورئيس الوزراء الذي كان قد حكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ في ملف سابق دافع عن نفسه بالقول انه ليس مستفيدا من المرسوم. وتحدث عن حملة تضليل اعلامي معتبرا التظاهرات موظفة من جهات معادية له.