مدارات

أيام غانم حمدون ! / رضا الظاهر

كان سالكاً طريق الحق .. ما أوحش هذا الطريق الآن .. ما أصعب الرؤية إذ تحجبها الدموع !
ضاق صدري من فجيعة رحيلك .. وأنا أعلم أن صدراً أرحب من هذا الأفق يلزمني حتى أسند رأسي المتعب على جدار أغنياتك .. فأقول كلاماً يليق بمقامك الذي هو العراق !
يا غانم الروح، كم استجرت بك .. يا إلهي، كم أسعفتني في وحشة أزمنة صارت أشواكاً أدمت أقدامنا، وهي تمضي نحو تلك الضفاف..
كم تقاسمنا خبز أيام مريرة .. وتمددنا في ظلال من الأرق .. واحتفظنا بدموع كنا نعرف أننا سنحتاجها يوماً ..
يا أيها الدرب ممتداً فينا، ونحن فيه نغذ المسير ..
يا أيها القادم من تاريخ موغل بالعدالة والنور ..
أنت يا وارث الربيع .. يا مانحه لنا ممتزجاً بأسئلتك الحارقة .. وبيديك تمتدان بالنداءات وهي تقرع أجراس الاطاحة بالعالم القديم ..
يا أيها الحالم الذي تحط حمائمك في سواقي القلوب، فتسمعنا أغنيتك التي لم تكتمل منذ فجر آشور حتى منفاك اللندني ..
أنت وحدك الذي كنت تستطيع أن تقنع الغيم حتى يتوقف عند أبوابنا، ويغسل أشرعتنا بشمسك التي لا تعرف الغياب ..
تلك الأمواج التي تكسرت عند ساحل أيامك، هي التي أرشدتنا لنستريح في ظلال لا تليق بغيرك .. وما تأخرت شمسك في إشراقها .. وما تأخرت نوافذ روحك في استقبال ضياء ذلك النجم البعيد ..
غانم حمدون .. غنِّ لنا: "وين رايح وين !؟" .. هل تتذكر أيام الشام والياسمين !؟ كيف لنا أن نحتمل كل هذه الأحزان والأشواق !؟
ستظل قادراً على أن تأمر الندى حتى يبلل عشب أيامنا المقبلات .. أيام غانم حمدون .. حيث الندى يدلّنا، نحن الذين ننتمي اليك، على مرفأك البعيد .. وحيث الأجراس تظل تقرع حتى يولد الغد الجديد ..
من أية رايات تخفق في يديك صدحت أنشودة التحدي .. من أية أشرعة عِذاب قُدَّ ضميرك البلور، وهو يرشدنا متحدياً الأمواج العاتية !
غانم حمدون .. أنت الذي سأحتفظ لك بآخر الزهور .. وأعلم أنك ستحتفظ لي بآخر الفراشات !