مدارات

تحسين اقتصاد السوق الاشتراكي / جنهاي يانغ

برغم منجزاتنا في التطوير الاقتصادي والاجتماعي فلا زالت هناك حاجة الى جهود عظيمة لتحسين النظام. فلتحسينه يلزمنا ان نسعى لفهم سلسلة من القضايا النظرية، لاسيما ما يتعلق بالعلاقة ما بين الاشتراكية واقتصاد السوق، وهل يمكن الجمع بينهما. في رأيي، ان العلاقة بينهما، هي في الجوهر، العلاقة بين العدالة والكفاءة، وانه من الممكن الجمع بينهما بصورة جيدة.
في الماضي، غالباً ما كان الناس يربطون اقتصاد السوق بالرأسمالية، والاقتصاد المخطط بالاشتراكية. الحق، ان السوق والخطة كلاهما مقياسان لتنظيم الاشتراكية والاقتصاد، واقتصاد السوق ليس أبا الرأسمالية. ان اقتصاد السوق كوسيلة في خدمة الناس لتبادل منتجات العمل او المصادر المحلية يمكن ان يتكامل ليس مع الرأسمالية وحدها وانما مع الاشتراكية أيضاً. ان اقتصاد السوق، من الوجهة التأريخية، كآلية هامة للشعب لتبادل العمل والمنتجات، هو احد المبتكرات العظمى للأنسان، وهو أمر شهدته مدنيات عديدة. ففي عهد الاقطاع بل حتى في المجتمعا? القديمة، وجد السوق، لكنه لم يلعب الدور المركزي في النشاطات الاقتصادية. ولكن المجتمع الرأسمالي طور اقتصاد السوق الى أبعد حدوده ليغدو الشكل الاقتصادي السائد.
والعتلة الاقتصادية لأقتصاد السوق هي القيمة. وميزتها الهامة للغاية كونها قادرة على توليد مختلف المصالح الاقتصادية بين الناس وبهذا فانها تزيد من التقدم الاقتصادي. في الجانب المقابل، نقيصتها الخطيرة للغاية تكمن في كونها تميل الى توليد استقطاب اجتماعي، وتغري بالظلم، ولا تساعد في استقرار التقدم الاجتماعي. ان الطبيعة الثورية للرأسمالية تكمن الى حد بعيد، في قدرتها على الانتفاع الكامل من الأوجه الايجابية للسوق، لكن محدوديتها تكمن في كونها غير قادرة على السيطرة على تطورها وتوليدها التباينات الاجتماعية الكبيرة.والاشتراكية التي انبثقت من نقد شرور الرأسمالية، تسعى الى الحفاظ على مصالح الغالبية وتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية. واقتصاد السوق الاشتراكي لا يمكنه فقط جعل السوق يلعب الدور الذي يمكّن من نيل المنافع الاقتصادية العظمى، وانما ايضا تحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية الى حدها الاقصى. وقد اظهرت النظرية والتطبيق ان اقتصاد السوق الاشتراكي هو الشكل الاقتصادي الرئيسي الذي يأخذ بالاعتبار الكفاية والعدالة في آن واحد.في هذا المجتمع، إن الكفاية والعدالة هما عجلتا عربة وكجناحي الطائر، وكلاهما جانبان لا يمكن الاستغناء عنها ومن اجل أن يؤدي المجتمع وظيفته على النحو الأفضل، من الضروري ان يعدل العلاقة بينهما بانتظام ويجعلهما في حالة توازن أساسية. الكفاية والعدالة هما وحدة تناقض، تتوحدان من خلال فجوات مناسبة من المصالح الاجتماعية والاقتصادية. ورغم ان الفجوات شرط أساسي للكفاية، الا انها ينبغي ان تكون محمودة لدرجة معينة. فلو كانت الفجوة صغيرة للغاية، حينئذ تكون الكفاية واطئة، والقوى الدافعة ستكون غير كافية ولن يؤدي المجتمع وظيفته على نحو جيد. أما اذا كانت الفجوة واسعة جداً، حينئذ ستكون هناك حاجة الى الكفاية وخصام جلي من المجتمع، الذي لا يمكن ان يتطور بيسر. ان الفجوات الصغيرة ستقود الى المساواة، غير العدالة بالنسبة الى الناس ذوي القابليات العالية. والفجوات الواسعة ستحبط من حماسة غالبية الشعب، وهي بدورها ستقلل من كفاية المجتمع.
في هذا الشأن، العلاقة ما بين الكفاية والعدالة هي علاقة جدلية. ففي المرحلة الاولى من الاصلاح والانفتاح الصيني، كانت مشكلة المساواتية، والكفاية الواطئة بارزة، لذلك حشرنا كل قوانا لمعالجة قضية الكفاية، مستفيدين من ميكانزم السوق، لجعل المداخيل متباينة والسماح لفئة صغيرة من الشعب لكي تغتني قبل الأوان. اما اليوم فالوضع مختلف تماماً: فالفوارق في المداخيل واسعة حقاً وباتت مسألة العدالة بارزة.
لذلك، ينبغي ان نعبئ قوانا لمعالجة هذه القضية. ومن خلال سياسات الرفاه الاجتماعي ونظام سليم للمالية والعوائد، يمكننا ان نقلل الفجوات في الثروة والمواقع تدريجياً، مبقين عليها ضمن نطاق معقول، ومحققين الرفاه المشترك خطوة فخطوة. وبالتالي، فلا توسيع الفجوات بافراط، ولا التقليل فيها بافراط، هو السليم. وهو صحيح البحث الى الحد الاقصى عن تفاوت مقبول من المجتمع والتقدم علمياً نحو الدرجة التي يمكن للمجتمع ان يتقدم الى امام قدماً وبعافية. وهذا هو ما يؤلف لب نظرية اقتصاد السوق الاشتراكي.
ثمة، بالتأكيد، عديد من القضايا الأخرى التي تتعلق بالاقتصاد السوق الاشتراكي. ومع المزيد من التطبيق، سنعمق فهمنا والهيمنة عليه اكثر مستخدمين مقاييس القيم الاشتراكية. وبذلك سنحسن اقتصاد السوق الاشتراكي، وهكذا يغدو بوسع الشعب الصيني ان يسهم بشيء جديد في تقدم المجتمع البشري.

"مقتطف"
ــــــــــــــــ
* انظر: الصين. مقالات ترجمها عزيز سباهي. منشورات الثقافة الجديدة. بغداد 2013