المنبرالحر

العراق : وقفة مع الحقيقة (4)..!؟/ باقر الفضلي

تتفاقم الأوضاع في منطقة الأنبار، لتصبح الهاجس المقلق لكل العراقيين حيثما وجدوا، والشغل الشاغل لجميع وكالات الأنباء والصحافة وشتات الفضائيات ولكل من هب ودب، ممن وجدوا في أحداث المنطقة مصدراً للمتاجرة السياسية، وللمناكفات الشخصية ولخلط الأوراق، والتصيد في المياه العكرة..!؟

وبهذا القدر من حساسية الموضوع، نتيجة لما آلت اليه الأوضاع من تخريجات غير مبدأية على صعيد كافة الأطراف السياسية، يجد المراقب نفسه في حيرة من الأمر، بين التصدي الى قول الحقيقة، أو الركون الى الصمت والإكتفاء بمراقبة الأحداث، وما ستؤول اليه تداعياتها القادمة، خاصة عندما تأخذ العزة بالإثم جميع الأطراف السياسية ذات العلاقة، حيث كل منها يلقي بالآئمة على الآخر، متناسين جميعاً حجم الخطر المحدق والخسارة الجسيمة التي ستلحق بالعراق والعراقيين دونما إستثناء، جراء عمليات التصعيد المتلاحقة من كافة الأطراف..!!؟

ولكن ما يوقف المرء وأي مواطن عراقي، هو ضرورة التبصر والتأني في النظر لسبر جذور أزمة الأنبار وما هي عليه الآن، وما كان دور السلطة الحاكمة والقوى السياسية مشتركة، وحجم مسؤوليتها جميعا، في العمل على وأد أسباب الأزمة، أوالتحلي بكل آليات الصبر والتعقل، من أجل قطع الطريق على كل محاولات التصعيد في بداياتها، والعمل بكل السبل الممكنة لإطفاء نارها، التي أثبتت الوقائع الموضوعية، بأن هناك من يذكيها ويزيد من أوارها، لتأتي النتائج متوائمة مع ما يجري في المنطقة من تنفيذ لخطط التدمير الشامل وفقاً لمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وهي خطط ما عادت مخفية على الضالعين بدهاليز السياسة، ولكن يبدو وكما هي الحقيقة الموضوعية والملموسة، فإن ما جرى وخطط له بالنسبة للعراق، هونفسه ما خطط لبلدان المنطقة، مثل سوريا ومصر وتونس واليمن..الخ، ليجر العراق في النهاية الى نفس الفخ الذي نصب للآخرين، حيث تمكنت القوى المخططة للمنطقة وفي مقدمتها أمريكا وحلفائها، ان تنجح في أيقاع تلك الدول في فخاخها المحبوكة جيداً ومن خلال إستدراج سياسيي تلك الدول وقادتها الى فخ " الإرهاب " وإشغالها به ليل نهار..!؟؟(1)

ومن هذا المنطلق، يمكن التوقف أمام تصريح رئيس الحكومة العراقية السيد نوري المالكي بتأريخ 29/1/2014 في كلمته الأسبوعية يوم الأربعاء، وهو [[ يهدد باقتحام مدينة الفلوجة لحسم الأمر فيها، وأكد انه لم يعد هناك متسع من الوقت، وفيما أشار إلى أن المعركة "ستكلفنا خسائر لكننا مضطرون لذلك". ]] (2)

فالسيد رئيس الوزراء يتحدث عن حالة " الإضطرار" التي تدفع بإتجاه " الإقتحام " الذي هو الآخر، له من النتائج ما لا يمكن توقعه أو حسبانه بالأرقام؛ فتقدير حالة الإضطرار، أمر نسبي له أبعاده وحساباته المختلفة من وضع معين الى وضع آخر، ومن شخص معين الى شخص آخر، ومن السابق لأوانه التكهن بحدود تلك الحالة أوالتحكم بضوابطها..!؟

وفي حالة الأنبار وما تستدعيه خصوصيتها، من كون ( الفلوجة) مدينة صغيرة، وأن عدد سكانها من المدنيين قليل نسبياً مقارنة بسعة المحافظة، يصبح الأمر أكثر تعقيداً في ملابساته السياسية والإنسانية، فإن كانت حالة الإضطرار المشار اليها، بهذ المستوى من الحدة والخطورة، الذي يستدعي حتمية " الإقتحام "، وبالتالي زج القوات المسلحة في عملية التنفيذ، وهو قرار يتطلب الكثير من الحكمة والتعقل والتأني والدراسة، والكثير من المشاركة والتشاور والإستماع لآراء الآخرين؛ فليس هناك من سبيل للقول، إلا التأكيد على أن الفلوجة، حتى وهي في الوضع المشار اليه في نص السيد رئيس الوزراء، فإن المدينة فيها من المدنيين الأبرياء على إختلاف أجناسهم، ما يتطلب التريث في إصدار قرار كقرار " الإقتحام " ، أو وضعه موضع التنفيذ، وذلك قبل التصور بأن يتم إتخاذ كافة إجراءات السلامة بالنسبة للمدنيين، كما ولا يظن المرء بأن هناك من سلطة مسؤولة مهما كانت، في وارد أن يغيب عنها ما يعنيه ذلك من مسؤولية إنسانية وتأريخية وحقوقية؛ كما ولا يغيب عن البال أيضاً، بأن حالة " الإقتحام" نفسها، ليست دائماً هي العلاج الناجع لمعالجة أوضاع بمثل تعقيد حالة ( الفلوجة)، في وقت قد تتوفر فيه من الحلول السياسية والإجتماعية والإجرائية أوالأمنية، ما يمكن أن يكون أكثر معقولية، بما لا يدفع بإتجاه الإحتراب الداخلي، أوالإنجرار الى مزالق الفخاخ المنصوبة..!؟

فإن كان ما يجري في الأنبار وفي مدنها المتعددة مثل الفلوجة والكرمة وغيرها، ، وما قد جرى من إستغلال إعتصامات الأنبار الجماهيرية من قبل "الإرهاب" على حد تصريح السيد رئيس الوزراء، فليس بعيداً عن الحقيقة القول، بأن كل هذا لا يخرج في الواقع عن حقيقة نصب "الإفخاخ" التي تمت الإشارة اليها فيما تقدم، والتي هي على صعيد الواقع، حقيقة تعاني منها بلدان المنطقة، والعراق ليس إستثناء من مخطط "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي هو الحقيقة الكبرى في المنطقة اليوم، ومنذ غزوة السيد جورج بوش الأبن للعراق في آذار/2003..!؟

فالإرهاب نفسه، ليس تلك الحالة الهلامية، ولا هو آت من فراغ بنيوي، بقدر ما هو إحدى آليات المشروع المذكور الفعالة، وإحدى أدواته الناجعة في ترويض بلدان المنطقة، ومن ممهداته الفعالة لتدمير بناها وهياكلها الإقتصادية والإجتماعية، وكل ما يمت بصلة الى وحدتها الديموغرافية والجغرافية، ناهيك الى ما يرمي اليه من إستنزاف كامل ثرواتها الوطنية، وبالذات منها، مصادرها للطاقة من نفط وغاز، الأمر الذي يضطرها في النهاية الى إستنزاف تلك الثروات بشكل تعسفي، من أجل تمويل نفقاتها الباهضة من جهة، ولإفتقادها الى مصادر تنمية أخرى، بعد ما تكون مواردها الإقتصادية الأخرى قد شارفت على النضوب، بسبب ما آلت وستؤول اليه من التخريب والدمار بفعل أنغماسها في مطاردة الإرهاب، ناهيك عن إستشراء آفة الفساد المالي والإداري من جهة أخرى..!؟(3)

وبالتالي فإن الإنزلاق صوب فخ الإرهاب، دون التمعن بدقة العارف والحكيم، في ما ستكون عليه أبعاده وتداعياته المدمرة وعلى كافة المستويات، أمر فيه من المجازفة غير المحسوبة النتائج، ما لا يمكن تفاديه؛ ولا يعني الأمر هنا، وبأي حال من الأحوال، الخلط بين التصدي للإرهاب كفعل إجرامي، وبين التورط والإنزلاق في مطبات مخطط لها سلفاً ومعدة لتكون سبيلاً للوقوع في مستنقع الإرهاب، وبإرادة من هيأ أدوات الإنزلاق لغرض في نفس يعقوب..!!؟(*)

ولعل في حالة الدولة الشقيقة سوريا، من الدروس الغنية والبليغة في مضامينها ومغزاها لجميع دول وشعوب المنطقة، ما يفيض عن الحاجة، وليس أقل منه ما يخطط اليوم للشعب المصري واللبناني، من مصير مشابه على ذلك الغرار..!!؟

 (*) ويكفي الإشارة هنا الى إزدواجية الموقف الأمريكي من مسألة الإرهاب، في كل من سوريا والعراق، فهو مع الإرهاب
ضد الدولة السورية، ومع الدولة العراقية ضد الإرهاب..!!؟؟