المنبرالحر

لماذا العراق؟/ زهير كاظم عبود

تتطور الأحداث الجارية في غرب العراق بشكل لافت للنظر ، فتتجمع قوى ارهابية لم تتمكن من ان تجد لها موطأ قدم في الأرض السورية ، ولم تجد لها الترحيب والقبول العلني من المعارضة السورية وقواتها العسكرية فواجهتها بالقتال المسلح ، كما واجهت عمليات عسكرية من قبل القوات العسكرية السورية ، وواجه تنظيم داعش مواجهة مسلحة من اهالي المدن الكوردية في سورية كبدتها خسائر فادحة ، فخسرت بذلك اعداد من المقاتلين والأراضي التي كانت تقف عليها والمدن التي كانت تتحصن بها ، فانتقلت الى الأرض العراقية التي وجدت لها مأوى وملاذ لتطرح اجندتها ومشاريعها ضمن مواقع في وادي حوران ضمن الأراضي العراقية المجاور للحدود السورية العراقية ، وأقامت لها معسكرات تدريبية ومواقع تواجد ، وهذه المواقع فوق الأرض ويمكن رؤيتها بالعين المجردة ، يمكن تصويرها بالطائرات وبالأقمار الصناعية .
وبعد مرور فترة ليست بالقصيرة قامت تلك القوى التي اطلقت على نفسها تعبير ( داعش ) اختصارا لعبارة الدولة الإسلامية في العراق والشام ، و طرح التنظيم على اساس انه جزء من منظومة تنظيم القاعدة الإرهابي ، ومع ان زعيم تنظيم القاعدة الارهابي أيمن الظواهري رفض اندماج تنظيم النصرة مع داعش إلا ان زعيم تنظيم مايسمى بداعش المدعو البغدادي أصر على تسمية تنظيمه ، وأعلن رفضه لأمر الظواهري وأعلن ان تنظيم داعش يسعى إقامة دولة الأمارة التي تعتقدها وتؤمن بها على هذه الأرض .
خلال تلك الفترة قامت تلك التنظيمات بالتعرض الى نقاط تفتيش ، وضرب مواقع عسكرية ، واحتلال مدن في محافظة الأنبار ثم الانسحاب منها ، وتحديها لقوة الحكومة والقوات المسلحة، بالإضافة الى انها تمكنت من استغلال التجمعات الشعبية المطالبة بحقوقها ، فوظفتها لصالح أهدافها وعملها .
وبعيدا عن تحليل اسباب بقاء تلك التنظيمات على الأراضي العراقية ضمن معسكرات التدريب، والتأخر الواضح في التصدي لها ومحاربتها ، ومن ثم في انتقالها الى المدن بدلا من طردها والقضاء عليها ، وعن امكانية تجاوزها الحدود العراقية السورية بسهولة ويسر ، وبعيدا ايضا عن اسباب تعاطف بعض الشخصيات السياسية وبعض العشائر الأنبارية مع تلك التنظيمات ، فأن هذا التنظيم طرح من خلال اسمه شكلا لدولة اسلامية أو امارة تضم كلا من العراق والشام ( سوريا ولبنان ) ، وفي سبيل هذا الافتراض فأنها تعتمد القوة والسلاح في أقامة مثل هذه الدولة ، مع ملاحظة أنها تعتمد الانتصار الى مكون ديني مؤسس على اعتماد طائفي، وذلك لكونها تتبنى الفكر السلفي التكفيري المسلح فتقاتل على اكثر من جبهة ولأكثر من جهة في وقت واحد .
يعتمد التنظيم المذكور على مقاتلين عرب وأجانب تجمعهم وحدة الدين ويوحدهم هدف تأسيس الأمارة الإسلامية ، كما يتم اعتماد العنف والإرهاب في كل اشكاله ، وبذلك يتم اعتماد البهائم المفخخة في المواجهة ، وهي الان تقاتل فصائل المعارضة السورية المسلحة ، كما تقاتل القوات السورية أيضا ، وتقاتل في العراق قوات الجيش العراقي ، كما تقاتل بعض العشائر التي ترفض وجودها في محافظة الأنبار ، بالنظر لسوء سمعتها وعدم انسجام الناس مع القرارات والأوامر التي تصدرها والتي تشل الحياة وتعرقل تحصيل ارزاق الناس .
ومؤكد أن هذا التنظيم يلقي الدعم المادي والمعنوي من دول تمده بشكل مباشر أوغير مباشر بالسلاح والعتاد والمؤون وبالآليات والمال ، وهذه الدول تحاول ان تعبر عن وجهة نظرها تجاه نظام الحكم في العراق من خلال نظرتها الطائفية ومن خلال المساويء التي يتكأ عليها النظام العراقي ، وهذه الدول منها مايجاور العراق ومنها ما يتباعد معه جغرافيا ، ولا يغب عن البال ما للولايات المتحدة الأمريكية من دور خفي لمساندة مثل هذه التنظيمات التي تخدم اهدافها الحقيقية في المنطقة ، وهي وأن عبرت عن رفضها واستيائها من وجود التنظيمات الإرهابية ، الا انها من يمد التنظيمات الإرهابية بالسلاح في سوريا ، وبذلك تفتح لها ممرا ومنفذا الى العراق ، كما انها وبالوسائل التقنية الحديثة تتمكن من معرفة اماكنها وتحركها وتواجدها بما يتوفر لها من أجهزة تجسس وأقمار صناعية وإمكانيات استخبارية ، إلا انها احجمت عن نشر او افشاء مثل تلك المعلومات المهمة في محاربة الإرهاب والتصدي له ، ولم نسمع انها امدت العراق بتلك المعلومات بالرغم من المعاهدة العراقية - الأمريكية التي توجبها ذلك .
وخلال تلك الأحداث اختفت اصوات رجال الدين ، فلم نسمع عن صدور فتوى تجرم افعال هذه التنظيمات ، ولم نطالع موقف لرجل دين او مفتي يحرم القتال ويدين الأفعال التي تقوم بها هذه التنظيمات ألإرهابية ، لم يظهر مفتي او شيخ او رجل دين يقف بالموقف الذي يمليه عليه الدين الحق ، مما يدلل بشكل ملحوظ ايغال رجل الدين بالعمل السياسي أو سيطرة السياسي على رجل الدين ، بالإضافة الى تحديد مستوى الخوف والرعب من انتقام وسطوة تلك التنظيمات لمن يقف ضدها او يتصدى لها .
أن تجميع الإرهاب ضمن منطقة واحدة وحصرا يعد مهمة لوجستية ناجحة حققتها التنظيم ، خشية من تبعثر عناصره في بلاد مختلفة ، وخشية من عمليات ارهابية في دول اوربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، ولذلك لم تتخذ تلك الدول أي اجراء رادع ضد مواطنيها ممن شارك او ساهم او ساند تلك التنظيمات الإرهابية ، وأصبح التنظيم الإرهابي محصورا ضمن المنطقة الجغرافية المحصورة بين العراق وسوريا ولبنان .
وإذا كان تنظيم داعش يجد في المنطقة الغربية للعراق ملاذا ، و في مدن الأنبار والموصل بشكل خاص مكانا مناسبا ، فأنه اعتمادا على الفكر الطائفي يحدد المكان ، وبذلك يراهن على حدود المكان بشكله المحدد ، وانه يواجه حربا شرسة ، لا ملاذ له منها سوى التمترس بالمدن واتخاذ الناس الأبرياء سواتر ورهائن ، وهذا الخيار سوف يقيده ويشل حركته ويجعل اهالي تلك المناطق راهنتهم وتحت قسوة احكامهم وأوامرهم ليعيدوا انتاج نفس ماجرى في القرى السورية التي رفضها مجتمعهم رفضا قاطعا ، وجرى مقاتلتهم بالسلاح وإخراجهم منها بالقوة.
أن اعتماد التنظيم ألإرهابي على المكان يجعله رهين رغبة الناس ، وحين تعود الصحوة الى عقول الزعماء السياسيين وزعماء العشائر في تلك المدن ، وحين تصل الأمور الى رفض التصرفات التي تقوم بها او ستقوم بها مستقبلا ، فستكون المواجهة الحتمية بين الناس في المدن المخدوعة وبين التنظيم الإرهابي المسلح والذي سينتهي حتما ، لعدم وجود أية ظروف ذاتية او موضوعية تحقق اهدافه وأحلامه ، وستنحسر المساعدات المادية واللوجستية والمعنوية والسلاح عنه لأسباب عديدة ، وسيخسر التنظيم اعدادا كبيرة من المقاتلين على الأرض العراقية على الأقل ، وبذلك يتم طوي صفحة من صفحات المواجهة بين التنظيم الإرهابي وبين العراقيين ، غير أن ذلك الأمر لايعني التوافق والانسجام بين المكونات العراقية التي لايجعلها تنسجم إلا المساواة امام القانون دون تمييز ، وأن يتم اعتماد نصوص الحقوق والحريات في الدستور العراقي بشكل صادق وشفاف على الجميع .