المنبرالحر

الانتخابات بين باقات الورد والبطانيات/ علي فهد ياسين

كما هو حال غالبية العراقيين العائدين الى بلدان الشتات بعد زيارة للعراق , عدت أمس محملاً بالألم والحزن والسوداوية من الحال الذي وصل اليه الوطن والمواطن , بعد كل الخسارات التي تسبب فيها السياسيون منذ عقود ولازالوا بتواتر متصاعد كأنهم يتسابقون على الأبداع في تجديدها وتنويعها وأدامتها , خلافاً لوظيفتهم الطبيعية المفترض أن تكون عكس ذلك .
ولأننا في العراق على أبواب انتخابات ثالثة لمجلس النواب , فأن أجواء البلد ملبدة بغيوم التقاطع السياسي الذي أفرز ولازال مزيداً من التوتر والتخندق الطائفي البغيض , الذي أفضى لمواجهات دموية في سنوات سوداء لازالت شاخصة في ذاكرة العراقيين , دون أن تأخذ أطراف الصراع دروساً مفيدة منها , لابل أن أدارتها للصراع الآن تبدو وكأنها تدفع باتجاه اعادة المشهد الدموي لتخلط به الأوراق هروباً من فشلها الذريع في بناء الدولة , بعد أحد عشر عاماً على سقوط الدكتاتورية .
المفارقة أن المدينة التي أعيش فيها تتحضًر لأنتخابات محافظها يوم الأحد القادم , صور المرشحين في الأماكن المخصصة للدعاية الأنتخابية وبرامجهم المعلنة عبر وسائل الأعلام المتاحة وهناك حركة غير عادية تفرضها الانتخابات كما في كل دورة , لكن ما صادفني صباح اليوم وانا أنجز بعض الألتزامات المؤجلة بسبب سفري , هو الذي حمًلني الماً اضافياً فوق حمل اداء اطراف السلطات في العراق الذي ننوء به نحن العراقيين في الداخل والخارج , فقد تقدم مني رجل في العقد السبعيني بابتسامةِ وهدوء , مفتتحاً الحديث بتحية صباحية واعتذار أن كنت غير مستعد للحديث معه , وبعدها قدم لي كارت تعريف بزوجته المرشحة لمنصب المحافظ , يحمل صورتها وبضعة اسطر من تأريخها العلمي والثقافي والسياسي خلال الربع قرن الماضي , مع ظرف صغير بداخله بضعة غرامات من ( بذور ورد ) قال أنها عنوان للحياة الجديدة لاننا في آذار , وأضاف أنني ممكن أن ازرعها في حديقة البيت أو في سندانة داخله أو في أي مكان أختاره , مع التأكيد أنني غير ملزم بانتخاب زوجته لأن ذلك قرار شخصي لا يتدخل به , لكن زراعة الورد من أجل حياة جديدة للمدينة ونحن جميعا نعيش فيها !.
لم يخطر ببال هذا الرجل الأمين للمبادئ الأنسانية , أنه تسبب في فيضِ من عرقِ غير مرئي غطت به روحي وغرق به ضميري وانا أُقارن بين انتخاباتهم وانتخاباتنا , بينه وبين طواقم الدعاية للمرشحين في العراق , بين منهجه وقناعاته في أن الورد للمدينة لاننا نعيش فيها بغض النظر عن قناعاتنا بانتخاب فلان محافظاً لها , من أين نأتي بالمحافظين على العراق ( أبونا ) والمحافظين على المدن ( أُمهاتنا ) , كما يفعل هذا الرجل السبعيني الذي يُقدم حبه للمدينة على فوز زوجته بمنصب المحافظ ؟ , هو يوزع بذور الورد عنوان النجاح والحياة الجديدة التي يفتتحها الربيع في كل عام , والمرشحون في العراق يوزعون ( البطانيات ) لتدثير الفشل والفساد والخيبات ومناهج التضليل والتعتيم التي غرقوا في وحلها.
كبار المسؤولين بما فيهم نواب البرلمان العراقي في دورتيه السابقتين وحلقاتهم الأقرب , يأتون لهذه البلدان, التي يُحترمُ فيها القانون, بعينين مفتوحتين على آخر قابلية أجفانهم وآخر استيعاب حدقاتها , لكنهم يعودون للعراق بعينِ واحدة تُذكرنا بقطعة الجلد التي لازالت ترمز لفلان الفلاني , الجلاد والارهابي الذي تعرفه شعوب الارض قاطبةً ويعرفه العراقيون , فهل ينزعوا عنهم تهمة الجلدة البغيضة حتى ولو لم يستخدموها ؟ , أم أنهم لازالوا يعتقدون أن العين المُغلقة بالفرض مختلفة عن العين المُغلقة بالحيلة ؟ .