المنبرالحر

التكامل الاقتصادي بين المحافظات العـراقية ضرورة تخص مستقبل البلاد/د. عبد الزهرة العيفاري

الحكومة العراقية مسؤولة ان تبني العراق على اسس حضارية ـــ وليس كــمــا يشتهي اصحاب المصالح القومية الضيقة.

كثيراً ما يتكلم الاقتصاديون العراقيون عن التنمية الاقتصادية في البلاد واساليب تحقيقها . وهم على حق في ذلك . وقــد يلوم بعضهم الاخر اثناء النشر. وربما يطعن احدهم بالاخرين احيانا ناعتاً اياهم باصحاب الافكار الرجعية وعــدم الولاء للوطن . من يدري ؟ ربما هذا الطعن كان في وقته وفي محله احيـانا !!! ولكن كقاعدة ان المناقشات بهذا الخصوص ( مع الاسف ) تنتهي عندنا بدون نتائج لتقصيـر في اداء الادارة الحكومية الاقتصادية في اكثر الاحيان (والمقصود هو تقصير الدوائر الحكومية المسؤولة ).على ان التقصير الاداري هو مشـكلة المشاكل، اذ دائما يكرر الـكـلام مــرات ومــرات ...وبلا حساب . وان الاقتصاد العـراقي باق على حاله السيء لا يتزحزح من مواقعه المتخلفة لسنوات عجاف اخـرى !! .
نحن العـراقيين ، نحب التكرار. ولكن ـــ كما يظهــر ـــ لايحب احدنا ان يسمع الاخــر !!! . اما ( المدراء ) في الدولة ربما يضحكون على عقول اصحاب الكفاءات !!!! ومع ذلك لا يجب ان يمنعنا هذا من الالحاح على الدفع بالطــريق الذي تشير له العــلوم المقترنة بالموضوع المطــروح امامنا فهذا هو مصيرنا المكتوب علينا : نحن ننقل ما تعلمناه وما نراه يصب في مصلحة بلادنا و" والسادة المدراء" يرمون المواد العلمية في سلة المهملات !!! .
يجب ان نعتـرف بحقيقة ان لا تنمية اقتصادية من دون تخطيط اقتصادي علمي. وموضوعنا هذا يرتبط بما تنتجه محافظاتنا من سلع صناعية وزراعية على اختلافها. فالعـراق على صغـر مساحته يتصف بانه بلد معطاء. ولكن الـعيب في كثرة المشاكل امام اقتصادنا. وتقاعس حكومتنا واستسلام الصناعيين والتجار والمزارعين عندنا لمفاهيمهم المتخلفة !! . فمشاكل الزراعة ( مثلا ) تتعـلـق بالتربة والتفريط بمياه الارواء وميل اصحاب المهن الزراعية الى الهجرة من الـريف الى المــدينة وعدم اهتمام الدولة بالشئون الزراعية وانعدام سعيها لدفع الريف باتـجاه زيادة انتاج المواد الغذائية. وحتى ان الدولة العـراقية لم تشعر بالذنب عندما يحـدث امام بصرها وبمــوافـقـتـهـا الرسمية استيراد المواد الغذائية البسيطة كالخضروات والفواكه وليس العمل على انتاجها عندنا . اللهم الا الكلام والتصريحات الفارغة !!! ، مع ان صناعة المواد الغذائية لا تعني شيئاً صعبا عند انتاجها او تصنيعها !!! . على ان اهمال التصنيع هو الاخر يسبب لنا البطالة وزيادة الفقر وخراب الاسواق . ...
ومما يثير الاستياءً في ادارة الاقتصاد عموما والاقتصاد الزراعي والصناعـي خاصــة ان الـدولــة تسمح ( بكل بساطة ) !!! بتبذير الملايين والمليارات من الدولارات الذهبية التي تتمناها دول اقل منا انتاجا واكـثــر معــرفـة بالاستخدام العقلاني لـلـموارد المالية الواردة الى خزينتها ... بينما حكومتنا تبذر مواردها( خارج نطاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدمات الصحية واعـادة بناء وتأثيث المدارس للاطفال اضافة الى ترك التصنيع الذي كان يجب نشره في المحافظات منذ سنين) . اضافة الى تهميش الكثير من المناطق السكانية ومنها ميناء البصـرة ــ هـذا الميناء صاحب الخيرات والموارد المليارية .
ثم نسوق هنا مثالا آخر من كـبـريات المدن العراقية وهي مدينة الموصل.هذه المدينة الغنية بالثراء والخيرات والعقول التجارية . هي وغيرهما من المواقع التابعة لها. ومقابل هذا نجد الحكومة تستأنس بالنـافـورات ( واستهلاك المياه فيها ) والحدائق في جزء من بغداد بحيث انهما صـرفت الاموال الطائلة على ((استيراد الطابوق )) ""المقــرنـص "" من الاسواق الخارجية لتبلـيـط بعض الطرق ( لفترة وجيزة ثم تتعرض تلك الطـرق "المقــرنــصــة " للتخسف و(القلع) بعد ان اخـــذ كل واحد من " الجماعة " حسابه بالتمام والكمال .وبـعـد ذلك لا يـجــد الحكام حاجة للاسراع في معالجة المجاري والسكن لقسم هام من السكان. فهـذه الاشياء اولى بالتأجيل الى اشعار اخــر !!!
هذا ولا يجد المسـؤولون حاجة للتفكيـر بتنظيم الانتاج وتقديمـه للتجارة ولا بانواع المنتجات في المحافظات . ولهذا السبب فهم ليس لديهم اي انطباع عن تأسيس صناعات غذائية مثلاً للسوق الداخلية والخارجية لانعاش حياة الناس وتشغيل جزء كبير من الايدي العاطلة عن العمل اي ترك الحبل على الغارب وحسـب عقلية البازار القديمة. بينما الزراعة عندنا تمتاز بـتـعدد مواسم انتاج المحاصيل وذلك للاختلافات في المنا خ وتأثيره على النباتات ويزداد ثراؤها بالرغم من محدودية المساحة . بما يعني ان العائلات الفلاحية ستضاعف مداخيلها في السنة الواحدة. واننا نعلم تمام العلم ان اربيل والسليمانية ودهــوك وديــالــى وكـربلاء ومدينة بلد( مثلا ) قابلة لتأسيس صناعات عصرية متشابهة وذلك لحفظ المواد الغذائية وتقـديمها للاسواق المحلية وربما للتصدير ايضا . فكما يذكر اصحاب الاطلاع فان الزيتون العـراقي ـــ على سبيل المثال ـــ هو اطيب انواع الزيتون في العالم بحيث يدخل زيته في قائمة الزيوت المساعدة على الشفاء من بعض الامراض . ثــم ان المحافظات الجنوبية يمكنها ان تكون جاهزة بالنسبة لانتاج وتصنيع التمور. كما ان العمارة وواسط وذي قار والديوانية تـلـيـق ان تشتهـر بالاساس بالخضروات وصناعة الالبان ....الخ اما الانبار والموصل وصلاح الدين فلربما ان الدراسات بخصوص هذه المحافظات ستقرر تخصصها بالزراعات الخضرية والمواد الزراعية الاساسية ايضا. اضافة الى صناعــا ت السيارات و الصناعات البتروكيمياوية والاليكترونية بالاشتراك مع الدول الصناعية الكبـرى ( من قبيل اليابان وكوريا الجنوبية ...) وكذلك صناعة المواد الانشائية والموبليات والادوات المنزلية وجعل المنطقة مركزا تجاريا للعـراق واعتبارها بوابة العـراق على الشرق الاوسط وافريـقـياعن طريق سوريا والاردن ( عبر خليج العقبة ) .
ان الحسابات الاقتصادية تشير الى مضاعفة الواردات المالية للعراق عن طريق التطور الذي سيشمل اقتصادات كافة المحافظات بهذا الاتجاه. وهو يدعو الهيئات التخطيطية ان تطور كافة المحافظات بصورة متساوية بحيث تلغي الحكومة العراقية اسلوب العزلة القائمة اليوم بين محافظات الشمال وبـاقي المحافظات وكذلك بين الحافظات الاتحادية نفسها ايضا.علما ان تخصيصات الحصص المالية بالنسبة للمحافظات وانشاء مـديريات للتخطيط هناك هو تدمير لما بقي من الاقتصاد العراقي. ذلك ان التخطيط العام يجب ان يكون مركزيا بالضرورة. مع نقل مراقبة تحقيق التنفيذ للمحافظات. اما قرار الحكومة نقل التخطيط الى المحافظات يعني ( الغاء التخطيط بالكامل وتدمير الاقتصاد بهائيا اضافة الى اتساع الفساد المالي وهذا يعني الفساد السياسي وانهيار هياكل الدولة وسوف لا نعلم : اية قوى ظلامية اخرى ستاتي الى الحكم وتفتك بالشعب المسكين الى النهاية !!! ......
ان تخطيط التكامل الاقتصادي من طبيعته يـضمـن توزيع مناطق العراق حسب التخصص التي يساعد على دمج اقتصادنا بالانتاج العالمـي اي ازدهار ليس التصنيع وحده بل وانتاج الغذاء ليصبح السبب في تحريك الاسواق المحلية وجعل تجارة العراق جزء من التجارة العالمية . ان هذا التوجه سوف يزيل من طريق العراق مهزلة ال 17% وسرقات النفط وبيعه بالخفية ... بل ان اموال العراق هي حصة قانونية لمحافظات العراق كلها بالتساوي وحسب الحاجة الفعـلـية لكل محافظة وسكانها، اي عند ذاك تبدأ عملية بناء البلاد بصورة حقيقية. وليس حسب رغبة هذا أو ذاك من الحكام العشائريين او البيروقراطيين .
ولا يجوز في هذه الحالة نسيان تأسيس البحـيرات الاصطناعية عن طـريق التحلية وغيـرها لانعاش المناطق المهمشـة كالانبار والموصل والنجف والمثنى وغيرها . على ان اشتراك المحافظات باقـتـصاد واحد هو الضمانة لتقدمه و رفاه سكانه الذي يسيرون بسرعة الى الازدياد . ومن الطبيعي ان الحياة الاقتصادية ـــ الانتاجية ستكون كفيلة بتوثيق العـلاقات التجارية بين شمال وجنوب البلاد وكذلك ستكون الصناعة والتجارة خاصة سببا في توطيد اواصر العلاقات الاخوية بين كل فـئـات الشعب . على ان هذه الاراء لا تحظى بـرضى بعض "" الحكام "" العشائريين ومن عشاق ادامة الاحتراب الذي عانى منه الشعب. ان مصلحة البلاد ــ بـرأيـنـا ــ هي في تخطيط التكامل الاقتصادي للمحافظات ، شمالها وجنوبها.
وختاما يلاحظ السيد القاريء الكريم ان مقالاتنا دوما تحمـــل طابعا نقديا للظواهــر الاقتصادية والادارة الفاشلة والطبيعة المتخاذلة اوغير الحازمــة للسلطة . او الفساد المالي وتبذير موارد البلاد عن طريق التقسيم ( العشائري وليس الحضاري . هذا عدا المردود الطائفي او القومي لبعض الكيانات السياسية القـوميـة المتأرجحة او الرجعية اساسا كل حياتها الحـزبيـة .
وهـذا النهج الذي نقترحه نعتبره مصيبا بالرغم من انه يمـس افرادا في السلطة . ولا نعتبر في ذلك ضيرا او احراجا ، بل تمشيا مع الشـعــار المفضل لدينا (مصلحة العراق اولا ـــ اي مصلحة الشعب العراقي كله اولا ) الا اننا متقيدون تماما بمبدأ آخـر وهو تقديم اقتراحات بنــاءة نعتبرها مفيدة لتعـديل السياسة الاقتصادية الضرورية للبلاد . اننا نتمنى ان تستمع الحكومة للآراء الصحـيحة الصادرة منا اومن باحثين آخرين . فالحكومات الناجـحـة هي التي تستفيد من اراء ابنائها المتعلمين .