المنبرالحر

غياب الرقابة التجارية وأثره على تذبذب الأسعار / ابراهيم المشهداني

تعتبر الأسعار في أي بلد، الأداة الناظمة لتوزيع الدخل والإنتاج على المواطنين ولهذا تعمل الدول المتحضرة على وضع الضوابط للحد من الانفلات السعري في السوق، ما يؤدي الى خلق ظروف يصعب على شرائح اجتماعية واسعة من الحصول على ما يسد رمقها ويوفر لها السلع الضرورية لإدامة حياتها.
ومن الناحية النظرية فان الأسعار تتحدد بالنقطة التي يلتقي عندها منحنيا العرض والطلب حيث يمثل منحنى الطلب مقدار القوة الشرائية المجموعية (الإنفاق العام) للدولة والأفراد والشركات الخاصة ونقصد هنا منحنى الطلب الاستهلاكي اما منحنى العرض فيمثل كمية السلع المعروضة في السوق. وما دمنا نتحدث عن القوة الشرائية وهذا هو موضوع جوهري في مناقشة الأسعار لتحديد نصيب الأفراد والطبقات من البضائع المعروضة، فان ذلك يقودنا الى كيفية توزيع الثروة على افراد المجتمع وهذه بمجملها موضوعات ينبغي ان تكون محور النقاش على مستوى الدولة والمجتمع.
للإجابة عن سؤال محوري هل يتعرض المواطن العراقي وخاصة الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود للاستغلال الناجم عن جشع التجار؟ وما هي نتائجه المستقبلية؟.
إن التضخم العالي الناشئ عن تدفقات نقدية عالية تطرح سنويا في السوق عبر الإنفاق المالي الذي توفره الموازنات التشغيلية في الموازنة العامة، بالإضافة الى السياسات النقدية التي يحددها البنك المركزي العراقي والتي تشير الى انخفاض سعر الصرف للدينار العراقي إزاء الدولار الامريكي، ما يضعف القوة الشرائية للدينار، وبالتالي يؤدي الى ارتفاع الأسعار الامر الذي يسبب الاختلال في توزيع الثروة بين المواطنين، وهذه تعد ظاهرة ثابتة في الاقتصاد العراقي، لذلك تتولد بنية اجتماعية مضطربة تعكس تناسل طبقات بيروقراطية فاسدة وطبقات طفيلية ناهبة وطبقة كومبرادورية تقابلها طبقات فقيرة تحت خط الفقر وعلى جانبيه وطبقة متوسطة بالكاد توفر لنفسها السلع الأساسية لإدامة حياتها. ان ترك الأسعار عائمة في السوق في ظل فوضى في الاقتصاد والتجارة والعمالة المرتفعة سيظل بوابة لإعصار اجتماعي يصعب، ان لم نقل يستحيل السيطرة عليه في ظروف معينة ما لم تعيد الدولة النظر بسياستها الاقتصادية الراهنة والبحث الجاد عن مخارج للفوارق الطبقية المستفحلة في المجتمع على اساس واقعي من خلال تشكيل مجلس اقتصادي اعلى، يضم وزراء الاختصاص والكوادر الاقتصادية من الخبراء والأكاديميين والمكاتب التخصصية و منظمات المجتمع المدني، وخاصة جمعية الاقتصاديين العراقيين بعيدا عن الانتقائية وطريقة الموازنات السياسية، وإعطائه صلاحيات تمكنه من رسم السياسات الاقتصادية على ضوء الواقع والحاجة ويتولى متابعة الانتاج والتوزيع وبناء جهاز لمراقبة الأسعار ووضع التشريعات الناظمة لأعمال هذا المجلس وصلاحياته.
وبدون ذلك لا جدوى من زيادات رواتب الموظفين والرواتب التقاعدية التي تلتهمها الأسعار العالية وتلاعب التجار في الأعياد والمناسبات وهي كثيرة.