المنبرالحر

التجربة العراقية ومخاض البحث عن رئيس غائب / خضر عواد الخزاعي

أن صيغة الحكم المشاعي التي عرفها العراق بعد العام 2003 في واحدة من أقسى التجارب التأريخية التي مرت بها البلاد بعد أن تلاشت مؤسسات الدولة في يوم 4 نيسان في غمضة عين حين قرر طاغية العراق الهروب من بغداد أثر دخول القوات الأمريكية ليتركها نهباً لقطاع الطرق والعصابات المسلحة واللصوص ليتحول ﺇلى مطارد يلقي التهم جزافاً على أعوانه وبني قومه بأنهم كانوا السبب لما جرى على العراق بعد أن ( أشبع الكلاب وأجاع الأسود ) على حد قوله لتدخل البلاد في متاهة من الضياع يعاني منها حتى اليوم وبعد أكثر من عشر سنوات على قيام أول تجربة ديمقراطية كان المفروض أن يستفاد منها الواقع العراقي السياسي والاقتصادي ﺇلى أبعد الحدود لكنها تحولت وللأسف فوضى شملت كل نواحي الحياة أستثمرها الامريكان بوقت قصير بعد أن عجزوا من أحتوائها بأن جعلوا منها نظرية أستقطاب للجماعات المسلحة التي لها عداء مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما عرف ( بالفوضى الخلاقة Creative Chaos) والذي كان في بدايته تصريح لوزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس في حديث لها أدلت به إلى صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في شهر نيسان 2005قالت فيه (نية الولايات المتحدة بنشر الديمقراطية بالعالم العربي والبدء بتشكيل ما يُعرف ب "الشرق الأوسط الجديد " كل ذلك عبر نشر " الفوضى الخلاقة " في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأميركية ( لكن هذه الفكرة وأن حمت مصالح أمريكا لفترة أو نقلت الصراع بين أمريكا وأعدائها من ساحتها الطبيعية في الولايات الامريكية ﺇلى العراق لكنها كانت من العوامل التي أسست لتقسيم طائفي وقومي شوفيني لن يتعافى منه العراق حتى عقود قادمة من السنين .
يخطأ من يتصور أن الأدارة الأمريكية كانت تحمل معها خلال فترة أسقاط الرئيس العراقي وخلعه في 2003 أي مشروع نهضوي متكامل لما بعد سقوط النظام فلقد بان التخبط الأمريكي بوضوح منذ الأيام الأولى لدخولها العراق حيث أنها عينت الجنرال المتقاعد غي غارنرالذي قاد حملة الملاذ الامن للأكراد في شمال العراق 1990 كأول حاكم مدني للعراق والذي بدأ أيام حكمه الأولى للعراق بحملته الشهيرة المستهجنة بأن جرد منتسبي جهاز الشرطة الحديثة العهد ووسط فوضى السلب والنهب والقتل من السلاح وحولها ﺇلى ما يشبه هيئة مراقبة مدنية بلباس الشرطة وبعد فشله السريع أستبدل بشخص آخر هو بول برايمرالذي كان يترأس شركة أستشارية للأزمات تابعة لشركة مارش وماكلينان وهي شركة تقدم خدمات للشركات لمساعدتها على التعامل مع أو التعافي من أي أزمة قد تواجهها مثل الكوارث الطبيعية واستعادة منتجاتها من الأسواق وكان أعلى منصب شغله برايمر قبل مجيئه للعراق تعينه سفيراً في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون مكافحة الإرهاب في عهد الرئيس رونالد ريغان عام 1986 هذه هي أذن ملامح الاستراتيجية التي تعاملت بها الأدارة الامريكية مع الوضع العراقي الملتهب آنذاك وافتتح برايمر أولى مهماته بألغاء المؤسسة العسكرية ووزراة الأعلام ثم تلاه تشكيل مجلس الحكم الوطني الذي كان واجهة أعلامية وهمية لمجموعة شخصيات عراقية كان المفروض بها أن تتناوب على حكم العراق خلال فترته الأنتقالية لكنها لم تكن سوى مؤسسة أدارية مجردة من كافة الصلاحيات حيث كانت الأرادة السياسية في أدارة شؤون الدولة بيد برايمر نفسه وبواسطة قوة عسكرية تتكون من اكثر من150 الف مقاتل امريكي زج بهم في عملية أسقاط النظام البعثي.
ثم بدأت مرحلة تشكيل الكيانات والأحزاب ذات الطابع المذهبي والقومي والمدعومة أمريكياً والتي كان الغرض منها أن تكون البداية لتشكيل النظام الديمقراطي لكنها كانت في طابعها وكينونتها تيارات لأستقطاب طائفي ومذهبي أدخل العراق في نفقه المظلم بعد أن تحولت بفضل ما وفرته لها الأدارة المدنية لبرايمر من أموال ومصالح أقتصادية ونهب لثروات النفط والمعادن ﺇلى أجنحة وميليشيات مسلحة قسمت العراق ﺇلى كانتونات وأقطاعيات مذهبية متناحرة مثل كتائب ثورة العشرين والجيش الاسلامي والطريقة النقشبندية بالأضافة الى تنظيم القاعدة وكتائب التوحيد في بلاد الرافدين وخلال فترات الأنتخابات الأنتقالية التي شهدها العراق بعد نهاية فترة الحاكم المدني في الاعوام 2005 و2006وحتى تلك التي جرت في 2010 حرصت الأدراة الأمريكية على أن لايكون هناك كيان أو تشكيل سياسي رابح ينفرد بأدارة الدولة فكانت صيغة المشاركة ( تقاسم السلطة ) بين الفرقاء هو عنوان هذه المرحلة فأين هو المشروع الامريكي في العراق ؟
أن العراق اليوم وبعد أن خرج من عباءة الوصاية الدولية بعد خروجه من قرارات البند السابع في 2013 بحاجة الى رئيس حقيقي وليس رئيس شرفي وذلك لن يكون ﺇلا بوجود أرادة حقيقية لتغيير الدستور وتحويله من نظام برلماني ﺇلى نظام رئاسي دستوري وهذا الرئيس الواعد القوي الذي تتوفر له السلطات الدستورية التي تمكنه من ﺃدارة البلاد بانتخاب مباشر وحده سيكون القادر على ﺃحداث تغيير في مجمل البنية السياسية العراقية المتردية وقبل ذلك يجب ﺃن تتوفر لهذا الرئيس بعض المواصفات التي تجعله قادرا على تحمل ﺃعباء التركة الثقيلة للحقبة الماضية منها ﺃن يكون رئيساً كاريزمياً (Charismatic ) في قدرته على التأثير على الآخرين إيجابيا والارتباط بهم جسديا وعاطفيا وثقافيا وﺃن يتحلى بروح تأريخية ونظرة أستشرافية لما كان سابقاً وأن لا يحدد نفسه وطموحاته ضمن نطاق ومنظومات أرثية ضيقة وينطلق من فكرة العراق الأرحب العراق الوطني والعراق الحضاري والتأريخي عراق الرافدين وسومر وبابل وآشور عراق الأسلام والمسيحية واليهودية والأيزدية والكوردية والتركمانية والأرمنية العراق السني والشيعي والصابئي شخصية بمواصفات الزعيم عبدالكريم قاسم الذي لم يعرف له دين ولا مذهب وعدالة الامام علي بن أبي طالب وقوته الذي آثر الضعيف على القوي والفقير على الغني رئيس عسكري بلباس مدني شرقي بعقلية حداثوية رئيس يحتوي لايفرق ويعدل من غير أن يقسو ويظلم رئيس ملم بكل تفاصيل الحياة العراقية من الريف ﺇلى البادية ﺇلى المدينة ﺇلى العشيرة ﺇلى المحلة ملماُ بمتطلبات الأسرة العراقية مستجمعاً لكل حاجات العراق في العيش بكرامة وما ينقصه في مجالات الثقافة والتعليم والقانون والأدب والتربية والفنون والصناعة والزراعة والجيش والأمن فهل سيوفق العراق ﺇلى أن يعثر له على رئيس عراقي حقيقي بمثل هذه الصفات الجامعة ؟ سؤال نتركه للتاريخ والزمن القريب والبعيد ولا نتركه لساسة العراق فحتماً ليس بينهم من يصلح لمثل هذه المهمة الصعبة .