المنبرالحر

أي تخطيط نريد؟ / إبراهيم المشهداني

التخطيط المركزي والتخطيط القطاعي، التخطيط الإقليمي مفردات يجري تداولها في الدراسات والبحوث الاقتصادية على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى إدارة الدولة وعادة ما تفعل هذه المفردات بحسب شكل النظام السياسي للدولة ففي النظم الشمولية ذات الاقتصاد الاوامري، تكون مفردة التخطيط المركزي هي الأداة الاقتصادية الفاعلة أما في الدول الديمقراطية أو ذات التوجه الديمقراطي فان التخطيط القطاعي أو التخطيط الإقليمي هما المفردتان السائدتان. ولكن التخطيط بمعناه العام يمثل الأداة الضرورية في تحديد منهجية الاقتصاد سواء في الاقتصاد الاوامري كما يسمى في بعض الأدبيات الاقتصادية أو اقتصاد السوق. ففي مرحلة الأزمة الاقتصادية تتدخل الدولة مباشرة في تنظيم الاقتصاد ويصبح اقتصادا تعبويا كوسيلة للخروج من الأزمة وهذه الأزمات ظاهرة متلازمة مع اقتصاد السوق.
وفي بلادنا حيث الانتقال من الاقتصاد الاوامري الذي يأخذ بالتخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق بعد عام 2003 دون أن يأخذ منهجية واضحة ومسارا متدرجا فان ذلك جعل من الاقتصاد العراقي شديد الارتباك وتعرض إلى الكثير من الإمراض وأبرزها الاختلال وفقدان التوازن بسبب غياب القوانين الاقتصادية التي تتلازم عادة مع اقتصاد السوق. ولم تبدُ على الاقتصاد العراقي مواصفات اقتصاد السوق فهو اقتصاد ريعي يعتمد على قطاع النفط الذي يحظى باهتمام حكومي فوق العادة وإهمال شبه تام للقطاع الخاص الذي يشكل في حقيقته قاعدة اقتصاد السوق .
فهل حقا في ظل الظروف التي يمر بها العراق اقتصاديا واجتماعيا ، لا توجد حاجة إلى تخطيط مركزي ؟ صحيح أن صلاحيات المحافظات قد توسعت بما يتيح لها وضع الخطط المناسبة للارتقاء بفعالياتها الاقتصادية والاجتماعية إلا أن هذه المحافظات تسير على إيقاع واحد. فالاقتصاد العراقي في مختلف المحافظات مترابط في كافة حلقاته وان كافة الأنشطة في المحافظات ممولة مركزيا من خلال الموازنة العامة وصحيح أن الحكومة منذ عام 2005 وضعت ثلاث خطط خمسية إلا أن هذه الخطط لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب طائفة من العوامل سياسية وأمنية وإدارية . فالأداء السياسي لم يجر وفق أحكام الدستور وبالتالي كان صانعا للازمات ما انعكس سلبيا على الوضع الأمني الذي كان تجليا للخلافات الحادة بين الكتل السياسية المتصدرة للمشهد السياسي وكلا العاملين السياسي والأمني خلقا بيئة مناسبة لانتشار الفساد الإداري والهدر المالي . كل ذلك كان عاملا معرقلا للخطط الخمسية وبالتالي توقف النمو الاقتصادي لذلك حان الوقت لتفعيل دور وزارة التخطيط لوضع خطط اقتصادية تنموية على أسس علمية وإذا كان من الصعب بناء خطط لا تبنى على بيانات إحصائية دقيقة بعيدا عن التخمين الذي رافق الخطط الخمسية الثلاث فان الأمر يرتب على الحكومة القادمة مسؤولية اتخاذ التدابير الضرورية لإجراء الإحصاء السكاني العام الذي سيوفر البيانات الإحصائية الضرورية لكافة الخطط التنموية ولكافة الوزارات الحكومية ومجالس المحافظات من اجل تحسين الأداء لتدشين مرحلة جديدة قادرة على توظيف كافة القدرات المادية والبشرية لتجاوز خيبات السنين العشر المنصرمة بكل تجلياتها .