المنبرالحر

حزيران العراق والبحث في وطنية العراقيين / خضر عواد الخزاعي

في العراق اليوم أختلطت الأوراق وتداخلت الخنادق حتى صار من الصعوبة لمن لا يمتلك نظرة متفحصة وثاقبة من العامة الفرز بين العراقي الوطني والعراقي الداعشي بين العراقي المبدئي والعراقي الأنهزامي المتلون فلقد كثرت الأتجاهات ولم يعد العراق الحاضنة الوطنية لكل العراقين بعد أن تعددت الولاءات بين الشرق والغرب بين الخليج والمحيط .
قبل 2003 كانت الوطنية في عرف البعث وصدام ومنظوماتهم العقائدية والأمنية واضحة ولا تحتاج إلى تدقيق وكانت صكاً ووثيقة تمنحها السلطة لمن ترى فيه الولاء والأخلاص لمشروعها البعثي العروبي رغم كل ما فعلته تلك السلطة الغاشمة بالعرب والعروبة من تقسيم وتجزئة وتخريب حتى لمن وقفوا إلى جانب تلك السلطة في عدوانها وحروبها العبثية ضد جيران العراق وضد أبناء شعبه فكان الإقصاء والتشريد والقتل من نصيب كل من وقف ضد تلك السلطة وحتى أولئك الذين وقفوا على الحياد لم يسلموا من بطش تلك السلطة وقسوتها وعنتها فكان أن قًسم العراقيين بين فريقين أولهم فريق ( الموالين والمخلصين ) الفئة الأولى ( الموالين ) وهم شريحة من العراقيين الذين أرتضوا صمتاً وخوفاً بالمشروع الشوفيني والعنصري والطائفي لسلطة البعث وآثروا السير صمتاً أو حتى إرتضاءاً ومهادنة أن تطلب الأمر ( والمخلصين ) وهم أولئك الذين تطوعوا مخلصين من ذواتهم لخدمة كل مشاريع السلطة البعثية وبأخلاص نادر ونكران للذات لربما من باب الإيمان الكامل بأن ذلك النظام مسدد من قدرة غيبية ومن المؤكد أنها شيطانية فاندفعوا مخلصين للألتصاق بمصير ذلك لنظام وتلك السلطة وقدموا خدماتهم الطوعية التي كان ثمنها في بعض الاحيان القتل .
أما الفريق الآخر فهو فريق ( المغضوب عليهم ) الذين أٌشير أليهم منذ البدأ بأنهم أعداء للنظام ولايحق لهم أن يتعايشوا سلمياً مع مشروع السلطة الدكتاتوري الذي لم يكن ليرتضي لأي طرف آخر مشاركته في صنع رؤية حضارية لمستقبل العراق لذلك تم وضعهم من أول سنوات البعث وصدام بالسلطة في زاوية ( الأهداف المعادية ) ولم يكن يجمع بين هؤلاء في أحيان كثيرة معتقد ولادين ولاطائفة فالمهم بالنسبة للنظام أنهم معادين لفكره وعقيدته وهؤلاء خليط من الشيعة والسنة والأكراد والتركمان مثل حزب الدعوة الشيعي والحزب الإسلامي السني والحزب الشيوعي والكورد الفيلية والأتحاد الوطني والأتحاد الديمقراطي الكردستانين .
لذلك لم يكن من الصعوبة التميز بين من هم في صف السلطة من العراقيين ومن هم ضدها وكان المقياس في ذلك في السنوات الأخيرة من عمر النظام واضحاً بين من يدعوا لرحيل مبكر للنظام يجنب العراقيين ويلات الحروب والدمار وبين من تمسك بالنظام لآخر لحظة بعد أن أرتبط مصيره ومصير من حوله بذلك النظام .
اليوم أختلفت الصورة وأختلفت المقاييس بين الوطني والإسلامي بين الحزبي والمستقل بين المليشياوي والأعزل بين الداعشي والإقليمي بين طلاب الحقوق واللاهثين وراء المغانم ( البترو- خليجية ) فترى وتسمع العجب العجاب في بلد سبق العالم بأكثر من 10000 سنة حضارية حين أستوطنت أرضه أول الأقوام البشرية التي عملت بجد ونشاط لتؤسس في الألف الثالث قبل الميلاد أول الحضارات الأنسانية والمدنية لتعود القهقري أسلافاً وأسلاف لما يناسبها من السنين تخلفاً ورجعيةً ففي حين يطالب السني الذي سلبت داره وصودرت أملاكه وأجبر على الرحيل والتهجير القسري من مدينته إلى مخيمات النازحين في أطراف المدن من قبل الداعشين والإرهابين حين يقوم بمطالبة الحكومة والقوات المسلحة بالدفاع عنه وتطهير مدينته من الغرباء والداعشين ينبري صوت شيعي يطعن في وطنية هذا الجيش ويصفه بأقبح الصفات والنعوت غير مبالي بحراجة الموقف وخطورته وحين يصل الخطر إلى أقصى حدوده الحمراء إلى حد تمزيق العراق وتقسيمه بقوة السلاح والأستعانة بالأجنبي لتنفيذ ذلك وأقتطاع أجزاء مهمة وتأريخية من أرضه كما حدث في محافظة نينوى وصلاح الدين وكركوك وتتصدى المرجعية الرشيدة في واحدة من وقفاتها التاريخية لإنقاذ العراق من محنته وخطر تمزيقه بأصدار فتوى ( الجهاد الكفائي ) تتعالى بعض الأصوات النشاز ومن كلا الطرفين الشيعي والسني والذين وقع عليهما العبء الأكبر من خطر العدوان وتمزيق العراق متخذه المواقف السلبية من فتوى المرجعية رغم طابعها الوطني والحيادي الحريص على وحدة العراق فتصفها بشتى النعوت التي لاتليق بها ولا تليق بمقام المرجعية الرشيدة وأذا كانت هذا المواقف من الممكن تقبلها حين تصدر من أناس عرفوا بمواقفهم العدائية أو المتخاذلة فأنها تحز بالنفس حين تصدر عمن عرفوا بميولهم القريبة من خط المرجعية والخط الوطني .
هكذا تتداخل الخنادق والمواقف في عراق ما بعد 2003 وفي عراق المحنة لما بعد حزيران 2014 فلقد كشف حزيران العراق كل المخبوء من الوجوه القبيحة والأصوات النشاز وفرز الصفوف والخنادق بين من هو وطني لا يبتغي غير حب العراق وخدمة العراق يحمل السلاح دفاعاً عن العراق بلا مقابل ولا أمتيازات بل أن البعض ممن لبوا نداء المرجعية للدفاع عن العراق حملوا السلاح تطوعاً وهم لايملكون شبراً بهذا العراق العزيز بينما وقف أصحاب الكروش المترهلة والوجوه المحمرة والمليارات والقصور والسيارات المصفحة ينتظرون قراءة سورة الفاتحة على روح العراق بعد أن شبعوا من خيراته ونفذوا كل مخططات أسيادهم في تمزيق العراق وأضعافه .
يوماً ما وسيكون قريب بأذن الله سيعود العراق كما كان سليما وقوياً وعزيزاً ويده فوق يد الجميع وبيده التي سيستجمع بها قوة كل العراقيين سيعلن ثورته ويبطش بكل أولئك الذي أستضعفوه وحاولوا إسقاطه وتمزيقه وتفريق أبنائه ليعود عراقاً واحداً موحداً لكل العراقيين بلا أستثناء.