المنبرالحر

الشارع العلماني في مواجهة الاخوان ... الى اين تتجه مصر ؟ / انس محمود الشيخ مظهر

من المعروف ان الثورات العربية قد فتحت الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات في هذه الدول ومن هذه الاحتمالات هي الفوضى العارمة التي تشهدها هذه الدول. ويبدو ان هذه الفوضى لن تكون (فوضى خلاقة لهذه الشعوب) وذلك لعدم وجود الارادة الشعبية والسياسية التي تعي خطورة هذه المرحلة، وكذلك دخول العامل الخارجي فيها بشكل ادى الى استقطابات سياسية متعددة لا يمكن توحيدها بالاتجاه الذي يخدم مصالح هذه الشعوب.
نستطيع اخذ التجربة المصرية كمثال حي على ما قلنا انفا، فمصر اليوم تقف على مفترق طرق بين ان تستمر فيها الفوضى وتتحول الى فوضى هدامة او ان يخلق منها شيء بناء لهذا البلد. ويبدو ان المعارضين للسيد محمد مرسي ولحكم الاخوان لا يدركون حقيقة ان وجودهم كمعارضة قوية مثلما هم عليه الان افضل سياسيا من الذهاب الى اخر المشهد سواء بإقصاء مرسي او يخلق فوضى عارمة في البلاد، والمشهد السياسي في مصر بالصورة الحالية افضل بكثير من تسعير الموقف اكثر . فوجود شارع منتفض على أي قرار حكومي خاطئ وواقف بالمرصاد لأي هفوة سياسية تقع فيها الحكومة وإعلام معارض يتصيد الاخطاء الادارية للحكومة يصل احيانا حد المبالغة هي من الحالات الصحية الضرورية لوجود دولة ديمقراطية قوية. وكان الاجدى بالشارع المعارض لمرسي المحافظة على الوضع بشكله السابق والإبقاء على هذا التأثير كحالة صحيحة لولادة دولة ديمقراطية بدلا من ايصال الامور لحالة التصادم التي يستعد لها الطرفين هذه الايام وعلى الحكماء في الشارع المعارض ان يعوا هذه الحقيقة ان كانت معارضتهم هي لمصلحة البلاد وليست للوصول الى الحكم.
اما من الجانب الحكومي فيبدو ان هناك تخوفا حقيقيا من قبلها لما تعتزم المعارضة القيام به من مظاهرات نهاية الشهر الجاري ومن الواضح ان سياسة النفس الطويل التي تعود الاخوان المسلمين على ممارستها مع الحكومات العربية عندما كانوا في المعارضة لم يستطيعوا الحفاظ عليه بعد تسلمهم للحكم لنشهد نوعا من التشنج في الاداء وتصعيدا في الموقف سواء من الناحية الامنية او الاعلامية. فالتدابير الامنية التي تقوم بها الحكومة حاليا و الاجراءات التي اتخذتها المؤسسة الاعلامية في مصر ليست هي الحل الافضل للتخفيف من ردود افعال الشارع. وعلى حكومة السيد محمد مرسي ان تدرك ان موقفها السياسي ليس بالقوة التي كان عليها قبل اثارة الازمة الاخيرة للأسباب التالية:
1- عدم وجود تأييد دولي لهم يعمل على تهدئة الامور كما كان عليه الحال مع الحكومات العربية السابقة، لا سيما وان القوى الدولية لا تهضم كثيرا التعامل مع القوى الاسلامية التي تصدرت الواجهة السياسية العربية.
2- جر البلاد الى مصادمات مسلحة بين الشارعين لن تؤدي الى اخماد المعارضة التي ليس لديها ما تخسره في الوقت الذي يمكن ان تكون نتائج هذه المصادمات فقدان الاخوان للسيطرة على الحكومة.
3- التحديات التي يواجهها الاخوان لا تقتصر على الازمة الحالية فحسب بل هناك الكثير من الملفات المرشحة للبروز في وجه حكومة مرسي بدفع من اطراف خارجية (وهذا لا يعني ان هذه الملفات هي مجيرة لهذه الاطراف الخارجية، ولكن يمكن لهذه الدول استغلال هذه الملفات لتضعيف الدور السياسي لمصر في المنطقة). فالملف الشيعي السني في داخل مصر ليس بأقل خطورة من الازمة الحالية. كذلك الملف القبطي الذي يظهر بين الحين والآخر وينتظر دوره في كل مرة للنضوج اكثر من المرات السابقة. هذا الملف من السهل تحريكه في أي وقت تشاء الظروف السياسية. ناهيك عن الصراع الخامد حاليا تحت الرماد وهو الصراع السلفي - الاخواني سواء مع السلفية الجهادية او الدعوية .. والدلائل تشير الى ان هذا الملف سيأخذ طريقة للإثارة في الفترة القادمة خصوصا بعد ما هيئت الاوضاع السياسية لبروز دور دول عربية معينة على حساب الدور القطري بما يمثله من تغير في موازين المعادلة الاسلامية في المنطقة. وقد بدأت بوادر هذا التغير من خلال تسلم الشيخ تميم مقاليد السلطة في قطر وما يعنيه هذا الحدث من بروز مستقبلي للقوى السلفية على حساب القوى الاخوانية ليشكل تحديا مستقبليا حقيقيا امام توجهات الاخوان السياسية وليست الدينية.
4- عدم وجود كفاءات مناسبة لإدارة الازمات السياسية في النسيج الاخواني. فربيع الثورات العربية اقبل بشكل مبكر قبلما تستعد لها القوى السياسية كلها ومن ضمنها الاخوان ولهذا فان ادارتهم للازمة الحالية نستطيع وصفها بأنها ادارة هزيلة جدا تعكس روح المعارضة اكثر من روحية الحكومة والدولة.
ان من اسباب وصول الوضع السياسي الى ما نراه الان هو ان الاخوان جاءوا الى السلطة في الزمن الخطأ , فالمستقبل السياسي للدول العربية ليس فيه مكان للأحزاب العقائدية بعدما خرجت الشعوب العربية للشوارع رافضة لكل انواع الدكتاتوريات التي تفرض ارائها على المواطن عن طريق السلطة المطلقة سواء كانت عقائد دينية او قومية. وهذه الحقيقة لم يعيها الاخوان عند فوزهم في الانتخابات التي لا تعني رضوخ الشعب كله للرؤية الاخوانية وفرضها على الواقع المصري. وأيضا فان محاولات الاخوان لممارسة نفس سياسات الحكومات السابقة في السيطرة على كل الوزارات والمناصب الحساسة في الدولة لضمان التأثير والفوز في اي انتخابات قادمة .. ثم عدم اشراك أي من التيارات السياسية المصرية بشكل جاد وفاعل في القرار السياسي كان له اكبر الاثر في اثارة الشارع العلماني المعارض لهم منذ الايام الاولى لاستلامهم السلطة. وكان الاجدى بهم اشراك بقية القوى والأحزاب معهم، لا سيما وان الاحزاب الموجودة في الساحة بما فيهم الاخوان لا تمتلك افكارا سياسية تميزها عن بعضها البعض الاخر سوى الافكار الدينية التي تميز الاخوان عن غيرهم وهذه ليست لها علاقة بالسياسة.
اذا لم يستطع الاخوان اجهاض الحراك الشعبي الحالي بطريقة مقبولة سياسيا فهناك حل سياسي واحد ودونه تكون الفوضى، وهو الدعوة الى انتخابات مبكرة يكون فيها تعهدات من قبل القوى السياسية الموجودة بعدم ملاحقة أي من افراد الجماعة في حال فوز تيار سياسي اخر، وكذلك ضمان استمرارية العملية الانتخابية في مصر بشكلها الديمقراطي دون المساس بها من قبل أي حزب يستلم السلطة لاحقا. وهذا ليس بالأمر المستحيل.