المنبرالحر

المرأة وقانون المساواة الإنتخابية في فرنسا / تارا ابراهيم

صدر في فرنسا قانون رقم -493 – المؤرخ في 6 حزيران2000 يدعو الى "تعزيزتكافؤ الفرص لوصول النساء والرجال إلى الولايات الانتخابية والوظائف الانتخابية" لضمان التكافؤ في الأوساط السياسية. ينطبق القانون على الانتخابات البلدية، وخصوصا البلديات التي يعيش فيها أكثرمن 3500 مواطن . كما أنه ساري المفعول في الانتخابات الإقليمية ومجلس الشيوخ والانتخابات الانتخابات . أما بالنسبة للانتخابات التشريعية فان الأحزاب السياسية ملزمة باحترام القانون عند تقديم قوائم المرشحين ، لكي لاتقع تحت طائلة التعرض للعقاب ماليا. لذا فقد تم انشاء مرصد الحريات لدراسة ومتابعة عدم المساواة بين الرجل والمرأة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
خلال الربع الأخيرمن القرن العشرين، اصبح الاختلاط بين الجنسين في كافة مناحي الحياة واسعا وأصبحت النساء أكثرعددا في معظم القطاعات المهنية، ولكن المجالس التمثيلية سواء على الصعيدين الوطني أم المحلي بقيت مقتصرة فقط على الذكور، وهى مفارقة غريبة ، لان النظام السياسي الفرنسي الذي كان من المفترض أن يجسد قيم التقدم والحداثة بقي كما في السابق، وهذا لايتماشى مع طموحات منظمات المجتمع المدني في تسريع عملية التغييرنحو الافضل .
في العام 1982، حاولت الهيئة التشريعية ولأول مرة تغييرالأمورمن خلال تقديم قوائم المرشحين للانتخابات البلدية تقترح فيها أن لايتجاوزالعدد من نفس الجنس على ثلاثة ارباع ، ولكن في قراره رقم 82-146 DC عارض المجلس الدستوري هذا الاقتراح الذي يتعارض مع البنود والقيم الدستورية وإعلان حقوق الانسان رقم 6 الصادر في عام 1789 والذي ينص على " معارضة أي تقسيم حسب الفئات سواء للناخبين او المؤهلين" .
هذه القضية كانت محرجة لفرنسا مقارنة بقريناتها من الدول الاوربية وبالخصوص المانيا والسويد ، لذا فقد تم اتهام فرنسا بالتخلف بسبب قلة النساء في البرلمان والمجالس الإقليمية ، وعليه فان القانون أعيد طرحه للمرة الثانية على المجلس الدستوري ليتم النظر فيه عام 1999 وحصلت بموجبه الموافقة وصدر قانون المساواة في العام 2000. وللحقيقة في اوربا لا يوجد قانون سابق ومقارن لقانون "493 " الفرنسي . وحتى في بلجيكا كانت الامورمختلفة بعض الشيء فالقانون البلجيكي الصادر في 24 ايار 1994 بتعزيز المساواة بين الرجال والنساء في قوائم المرشحين في الانتخابات وفقا لهذا القانون والذي ينطبق على جميع انواع الانتخابات ينص على ان القائمة الترشيحية يجب ان لاتحتوي على اكثرمن ثلثي المرشحين من نفس الجنس.أي لم يتم فيه تنظيم وترتيب المرشحين في القوائم الترشيحية بحيث ان تسلسل الاشخاص الذين تقع اسماؤهم في بداية القائمة لم يوزع بشكل منصف بين النساء والرجال .
تم تغييروتعديل هذاالنظام عن طريق سن قانون تموزعام 2002، والذي أدخل اثنين من الابتكارات الهامة:
أولا- ادخال مبدأ المحاصصة أو الكوتا بدلا من التكافؤ،وهذايعني أن كل قائمة يجب أن تحتوي على نفس عددالمرشحين من كل جنس بصورة تقريبية.
ثانيا - وفي كل قائمة،ينبغي أن يكون هناك رجل وامرأة من بين المرشحين في التسلسل الأول والثاني.
أما في فرنسا، فبدلا من تحديد كوتا لعدد النساء والرجال، فالقانون يطلب ان تتشكل القائمة الترشيحية من عدد تقارب بين الجنسين بشرط ان يكون الفرق بينهما مرشح واحد فقط. والقانون لايهتم فقط بالتشكيل بل وطريقة عرض أسماء المرشحين المؤهلين للمناصب وهذا بالطبع يعتمد على نوعية الانتخابات حيث ان القانون لايطبق نفس العملية على جميع أنواع الانتخابات كما هو الحال في القانون البلجيكي. ففي الحالة الأولى التي تضم ممثلي او مرشحي فرنسا في الانتخابات الاوربية والمرشحين لمجلس الشيوخ في الأقاليم التي تملك على الأقل ثلاثة مقاعد، فالقانون هنا صارم وينص على التناوب أي :يجب أن تتكون كل قائمة بالتناوب من مرشحو احد من كلا الجنسين.
أما في الحالة الثانية، فهي الحالة التي تخص المرشحين للانتخابات البلدية التي يسكنها 3500 شخص وأكثر، فالقانون هنا اكثر مرونة لتجميع القوائم في حالة الاقتراع في دورتين أي أن كل قائمة يجب أن تحتوي على مجموعة من ستة مرشحين، وفي ترتيب عرض القائمة، يجب أن يكون هنالك عدد متساو من المرشحين من كلا الجنسين.
أما في حالة الاقتراع على دورتين، فالقانون له تعريف آخر، فمثلا نحن نعرف ان الاعانة المالية التي تقدمها الحكومة للأحزاب يتم توزيعها على الأحزاب التي قدمت 50 مرشحا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نسبيا الى عدد الأصوات التي تم الحصول عليها في الدورة الأولى من الانتخابات. هنا القانون يفرض عقوبات مالية على الأحزاب التي لا تتمثل بعدد متساو لكلا الجنسين، فالعقوبة المالية على تلك الاحزاب متساوية لنصف الفرق بين النسبة المئوية لكل جنس، أما في حالة أن يمثل حزب ما بأغلبية ساحقة من مرشحين من نفس الجنس فالحزب سوف يفقد نصف المعونة المالية التي تقدمها الحكومة له. أما بالنسبة الى الانتخابات التي عدد الناخبين فيها ونتائج انتخابهم لاتعتمد على مساعدات مالية من قبل الحكومة فالقانون لم يحسب لذلك أمرا او حسابا.

ولكن هنالك قوانين لاحقة تم فيها تقديم إصلاحات لقانون عام 2000 وفي مقدمتها قانون 11 نيسان من عام 2003، فالعنصرالمشترك بين هذه الإصلاحات هوالرغبة في تعزيزالعلاقات بين الناخبين والمنتخبين،إماعن طريق تقليل حجم الدوائرالانتخابية (انتخابات المناطق والاوربية) او الحد او التقليل من نوعية الانتخابات التي تجرى في مجلس الشيوخ والتي تحصل فيها الانتخابات في دورة او دورتين من خلالها يفوزالمرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة، ومهما اختلفت نوعية الانتخابات فالاصلاحات التي تم اقتراحها في القانون الجديد لاتحترم بالضرورة المساواة ما بين الجنسين وقد تنقضه.
الآن وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تطبيق القانون لتعزيز فرص التكافؤ ما بين النساء والرجال في فرنسا في مختلف أنواع الانتخابات التشريعية والاوربية ..الخ فمن الجدير معرفة نتائج تطبيق هذا القانون الذي مازال يثير الجدل، فالاحصائيات تشيرالى احراز تقدم واضح، فمثلا كانت نسبة النساء في المجالس البلدية 25.7٪ في عام 1995،وصلت الآن الى 48.٪،حسب مرصدالتكافؤ وكذلك زيادة نسبة النساء في المجالس الإقليميةمن 27.5٪ إلى 48٪ وهو مايمثل النصف تقريبا مطبقا بذلك القانون بحذافيره.
ولكن هذا التطور بطيء جدا في المؤسسات الأخرى للدولة في الوقت الحاضر، حيث نسبة النساء في المجلس العام ازدات من 8,6٪ الى 13,8٪ وفي مجلس الشيوخ من 5,9٪ الى 21,8٪ ، فالقانون وكما يقال يتسم بالنفاق بشكل واضح لأن بعض الأحزاب تستفيد من ثغرات القانون وذلك بترشيح النساء في الدوائرالانتخابية التي يتوقع لها ان لاتفوز في الانتخابات بينما يضعون الرجال في الدوائر الانتخابية المهمة وهم لايأبهون بدفع الغرامات للدولة عند انتهاكهم للقانون. ورغم ذلك فمن الضروري الإشارة ان القانون ولد نوعا من إعادة الحركة او الحياة في مجال إعادة التوازن والتمثيل النسائي ولكن طريق المساواة يبدو طويلا وان هنالك الكثيرمن الإجراءات التي يجب ان يتم تنفيذها لصالح المرأة والمستقبل كفيل بإعادة النظر والتفاؤل، بالاستجابة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين في يوم ما .

1- تم تقسيم فرنسا إداريا إلى" 26" منطقة ، وتتكون هذه المناطق من" 100 " اقليم و"36681 " بلدية يعتبركل تقسيم إداري دائرة إنتخابية لها مرشحها من جميع الاحزاب
2 - تجرى الانتخابات في المناطق والاقاليم لإختيار رئيسها وأعضاء إدارتها وكذلك للبلديات عمدتها ومجالسها ، وهناك ثلاثة انتخابات رئيسة أخرى هي : إنتخاب 577 عضوا للبرلمان الفرنسي و348 عضوا لمجلس الشيوخ ، وانتخاب ممثلين لفرنسا في البرلمان الاوربي .