المنبرالحر

غالب الشابندر أنصفَ الشيوعيين العراقيين/ د.جاسم محمد حافظ الساعدي

ظل موضوع إشغال العقل للخروج من مأزق النقل عند المشتغلين في حقول المعرفة، من المواضيع الجدلية منذ تلك اللحظة التاريخية التي نضجت فيها الظروف الموضوعية والذاتية, للأنوات الفاعلة في تلك الحقول, ولدرجة قرب الانسان وبعده من إمتلاك وسائل إنتاج مخرجات ما نجم عن جهده المبذول في خلق المنافع.
فبالإستناد الى نوع تلك الملكية تشكلت طبيعة ومستوى تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة وقت ذاك وفي كل الاوقات, وتبلورت الملامح الجنينية لطبيعة الصراع الإجتماعي ولشكل التراث الانساني, الذي تقاسمت مدارس فلسفية مختلفة ادراك وفهم البنى الهيكلية لعناصره الجوهرية, وسر حركة تطوره. وان هذا الإنقسام الطبيعي لمشغلي العقل جاء انعكاساً لاختلافهم في إدراك الواقع الموضوعي وتمايزهم في التعبير عنه برؤى ووسائل شتى, قصد بلوغ اهداف تحقيق وترسيخ المصالح الاجتماعية لتلك الطبقة أو الفئة الاجتماعية التي يمثلون, مستندين على مبادئ مناهجهم الفكرية وادواتهم التحليلية للظواهر الاقتصادية والاجتماعية السائدة لحظة ادراكها.
فمن المدارس ما إكتفت مناهجها بوصف وتحديد شكل الظاهرة فقط, ومنها ما مال عندها المنهج الى تفكيك الظاهرة وتحليل عناصرها. الاساسية في اطار وحدة عضوية, واتخذ من المادية التاريخية أي العلاقات الاقتصادية والإجتماعية سنداً للدراسة والتحليل, في ذلك المقطع او تلك اللحظة التاريخية، التي يجري فيها بحث عناصرها, فالريع عندهم , مثلاً, نمط اقتصادي يتشكل بتأثيره مجتمع هش سهل الانهيار تسود فيه قيم التسيد والعصبية القبلية في اي وقت ساد , كما الحال ببلادنا السائرة الى الاخطر التقسيم- بدفع من بقايا الإقطاعية ومن عناصر البرجوازية الطفيلية الناشئة على اساسه قسراً وخارج ضوابط القوانين الموضوعية لنشوء وتطور الطبقات الإجتماعية, والتي يخدم مصالحها الإحتراب الطائفي والعرقي وكل مظاهر الهمجية التي مارستها وتمارسها اذرعها المختلفة. بالضد من ثقافة وسلوك البرجوازية الوطنية التي استهدفها النظام الدكتاتوري السابق, فقطع عليها سبل تنمية راس المال والخبرات الإدارية, وحرم البلاد من دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة, , وارساء اسس الحياة المدنية, واستعاض عنها بازلامه الذين استحوذوا على اراضي واملاك مزارع الدولة وال?معيات التعاونية الزراعية وفق قانون 35 لسنة 1983, الذي لازال نافذاً ومعمولاً به لتلبية حاجات الجيل الثاني من طبقة البرجوازية الطفيلية الناشئة بعد السقوط المدوي للبعث والمشار إليها اعلاه, رغم عرقلة هذا القانون لعملية تنمية وتطور القطاع الزراعي. وكذا الحال بالنسبة الى الصناعة.
إن التوافق في إدراك ذلك المشهد صعب بسبب تشويه البنية الهيكلية للإقتصاد الوطني والتشكيل الطبقي وتداخل المصالح وارتباك الإصطفافات, لكن الخسائر التي منيت بها الشرائح الاجتماعية الدنيا وبالاخص الفقراء والطبقة الوسطى, انضجت الظرف الموضوعي لإعادة تشكيل وعي جديد سيتطور حتماً بإتجاه تامين العمل المشترك بين الاجنحة المتضررة للبرجوازية الوطنية الصغيرة من مختلف الكتل والاحزاب السياسية مع القوى التقدمية والمدنية الفاعلة في هذه اللحظة التي نعيش , لضمان الخروج الآمن من دائرة سرج الخيول على بعضنا, وإبطال لعبة التمترس خ?ف خديعة تكفير مشغلي العقل من الإسلاميين المتنورين والعلمانيين الوطنيين, لأن مرارات الموت التي ذقناها معاً في المقابر الجماعية وابادة السكان خنقاً في ازقة حلبجة المحاصرة بالغازات السامة , وعار قبائل اخذتها العزة بالأثم فنحرت الفقراء, وكذا القيم الجامعة , في سبايكر, وانتهاكات حقوق الانسان على ايدي جماعات منفلتة, إيقظ أهل الحكمة وهز ضمائر العراقيين اجمعهم, إلا البعث كمدرسة للتآمر وللإرهاب والقسوة في بلادنا.
لذا لاغرابة في ما ذهب اليه الاستاذ غالب حسن الشابندر, كاسلامي متنور وكمشغل للعقل, بأن يصرخ في من عشعش الوهم في عقولهم , وقدسوا النقل وان لم يكن له سند قائلاً "ان الشعب في العراق بحاجة الى الشيوعيين العراقيين " وهو يعني بذلك الحاجة لكل ادوات واستحقاقات الدولة المدنية الديمقراطية المفضية الى العدالة الاجتماعية والمساواة, و " الشيوعيون العراقيون يستهدون بمدرسة ذلك الروحاني الكبير " ويعني مغادرة الجمود العقائدي لنحط قريباً أو على ضفاف منهج الروحاني - بمعناها المجازي - كارل ماركس الذي بعد عشر سنوات من و?اته, كتب رفيقه وصديقه الصدوق فريدرك انجلس في مقدمة اعادة طبع رأس المال " لو قدر لماركس ان يكون حياً الآن, لاعاد النظر في بعض مما كتب قبل عشر سنوات, انه الآن ارث من التاريخ الانساني, كانت اشارة انجلس للتدليل على ديناميكية هذا الفكر وقدرته على التجديد الدائم وتقديم الحلول المناسبة للخروج من مأزقٍ التخلف وانعدام العدل, تماماً كما اشار الاستاذ غالب الى ذلك , فله ولكل محبي الحرية والعيش الكريم من مشغلي العقل في بلادنا تحية طيبة. ونحن نحرث ونبذر ما يحلو لنا من طيب الزرع, ونتمدد أنى شئنا التمدد في فضاءات الصداقة والتآخي, لنصعد مع مد جراح الفقراء بلسماً, ولنلتقي عند حدود مرابعهم عند المحن, ونردد معاً وسوية قولة علي (ع) الشهيرة التي كانت سبباً في التضييق عليه ومن ثم قتله: " لو كان الفقر رجلاً لقتلته", وحقَ لمظفر النواب المتوهج في محراب اليسار ان يربط الوصل بذاك الرهط الذي سام العذاب على ايدي أغنياء قريش قائلاً " مولاي علي لو جئت اليوم لقتلك الداعون اليك واسموك شيوعيا".