المنبرالحر

النازحون.. وتسييس ما لا يُسيّس.. / عبدالمنعم الاعسم

قضية النازحين، من زاوية الارقام والمشاهد المؤذية للانسانية والذات الوطنية والتصورات المتوقعة لآثارها، تنزلق الى حالة من الفساد والمخاشنة والتسييس والتسقيط، محسوبة بالصراع على الامتيازات والمصالح. عدا عن انها تكشف عن غياب الضوابط والانضباط في رصد وادارة ميزانيات الدعم والطوارئ والانقاذ، الامر الذي عمّق معاناة النازحين واحبط آمالهم في الحماية والعيش الآمن الكريم وأساء لسمعة برنامج المساعدات الحكومية. ويدخل في ملف هذه القضية ما يقال عن ريَبٍ وطعون في سلامة عمليات الإعانة وتعدٍّ على التخصيصات، ما يمكن تصديقه إذا ما أخذنا بالاعتبار حجم الاموال الكبيرة التي خصصت للنازحين، والتي تكفل التخفيف من معاناتهم وانقاذ اطفالهم ومرضاهم ومواجهة ظروف فصل الشتاء القاسية، وهي على الابواب.
غيران الملف لم يُغلق على عناوين الفساد والريب والتعدي على تخصيصات النازحين والضجيج حول الموضوع، بل تجاوز الى نوع من التمرين على «العراك» السياسي وشحن الجو بالاتهامات والروايات والتجاذبات، ودخول المفردة الاعلامية التهريجية على مشهد طوابير النازحين المؤسية، في حالة من خلط الاوراق واللعب على المشاعر، وتجهيز معاذير وذرائع كيفية تتعارض مع ابسط مسلتزمات الغيرة على المال العام وقضية النازحين. ومما يؤسف له ان الاخذ والرد انتهى الى تسييس القضية الرئيسية ذات الصلة بقضية النازحين ككارثة وطنية: بين مَن يتهم ومَن يتبرأ، وذلك بدل ان يستنفر الجميع قواهم لانقاذ ابناء شعبهم.
في الكوارث الوطنية، والفواجع، يتجنب مسؤولو الدول وسياسيوها النافذون ان يستفزوا الرأي العام بالظهور مظهر اللامبالاة، او تقاذف الاتهامات بالتورط في ما حدث، او محاولات التأسي الباردة لتبرئة الذمة والمسؤولية، او الهروب الى تمارض محسوب بحراجة الموقف. وفي تلك الدول (أقول: الدول..) يتحد الجميع وراء لغة واحدة، وارادة واحدة، ونيات واحدة، للتخفيف من آلام الشعب والضحايا، وتقديم ما هو مشترك على ما هو شخصي او فئوي. ولعل العقل السياسي الراجح يحصن نفسه، في مثل هذه الاحوال ضد اغواءات الثراء أو الكسب السياسي من النكبات، الامر الذي يُعدّ بمثابة خيانة لا رحمة للمتورطين فيها.
الى ذلك فان ما يجري على هامش قضية النازحين من تجاذبات هو فاصلة عراقية من فواصل الانحدار الى تسييس النكبات والمحن، في استطرادات من الفظاظة الصوتية ومحاولات نقل الصراع من مسار المشكلات ذات العلاقة بخيارات بناء الدولة الجديدة، الى مسار التزاحم على الامتيازات وكسب ود الجمهور، او تأليبه باساليب بالية وقصيرة النظر. لكن المشكلة، تعدّت حدود القضايا غير السياسية التي تسيّس عن قصد، وتدخل في عداد الخلافات والمماحكات، الى ملفات سيادية كبرى لا يصح ان «تـُسيّس» الى الحد الذي يضيع معه الفاصل بين المشترك فيه والمختلف عليه من القضايا.
قد يقال بان قضية النازحين سياسية بالاساس، فهي صالحة للتسييس، او انها تسييس في التطبيق العملي بما يبرر استخدام مختلف الاوراق للتعامل معها. وذلك هو لب العمل السياسي، لذا قيل بان السياسة فن الحكم، أو فن إدارة الصراع. غير ان ساحة الصراع السياسي في العراق اضرمت النار في كل المصطلحات السياسية ومعارفها، وبات الامر بالنسبة للملايين العراقية كما لو ان السياسة ضحك على الذقون، او كما لو انها عادت الى حقلها الاول الذي عُرفت به في الاشتقاقات اللغوية بالقول ان السياسة هي سوس الخيل.. وربما سوس دواب أخرى.
*******
«أن الانتصار في حرب مشؤوم مثله مثل خسارتها» .
اجاثا كريستي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر اسبوعيا بالتزامن مع الزميلة (الاتحاد)