المنبرالحر

هل أنقذ العبادي مشروع الاسلام السياسي الشيعي ؟ / تحسين المنذري

تميزت الحقبة التي سبقت تولي السيد حيدر العبادي رئاسة الوزراء في العراق بتوالي الازمات والتي في أغلبها كانت مفتعلة ، رافقتها إنكسارات أمنية كثيرة كان أخرها سقوط ثلث مساحة العراق بيد الارهاب وتفكك في التحالف السياسي الشيعي بمقابل محاولات تفرد بالسلطة وتمسك مشوب بالكثير من التشوه بطريقة إدارة دفة الحكم مستندا الى نتائج إنتخابات إعتمدت التصويت للمنصب والامتياز والمكسب المؤقت وفي بعضها التزوير على إنها أصوات مريدة عن وعي والتزام لجهة بعينها وشخص بالذات ، مما أدى كل ذاك الى حالة إستعصاء غير مسبوقة وتصرف جديد داخل التحالف الشيعي أدى الى ترشيح السيد العبادي لرئاسة الحكومة في عملية إلتفاف واضحة على إرادة السيد نوري المالكي الذي سعى بكل السبل لتجديد ولاية ثالثة ، ولا أحد يعرف الى الان ماهي الاتفاقات التي جرت خلف الكواليس والتي أدت الى تراجع السيد المالكي عن ترشيح نفسه بشكل مفاجئ والاذعان لتولي منصب تنفيذي آخر أقل صلاحيات وأقل وجاهة ، لكن بجميع الاحوال فإن ماجرى عكس عمق الازمة التي يعيشها تحالف الاسلام السياسي الشيعي والتخبط في السياسات وعلى كل الاصعدة ، فهل كان إختيار السيد العبادي حلا للازمة ؟ حيث كانت الارتياحات كبيرة من كل الاطراف في الداخل والخارج وتلقى دعما غير مسبوق لشخص غير معروف قياسا بحجم ذلك الدعم السياسي والامني الذي تلقاه ، فقد تدخلت الولايات المتحدة بشكل علني عندما ربطت الدعم العسكري والامني بإستبدال المالكي، وطالبت إيران على لسان أكثر من مسؤول بتنحي المالكي الرجل الذي كان الى الامس القريب متمتعا برضاها ودعمها ، وكذا الحال في الداخل العراقي حيث اعلنت حكومة اقليم كردستان وقوى سياسية سنية واخرى شيعية من داخل التحالف السياسي الشيعي دعمها المطلق لتولي العبادي المسؤولية التنفيذية الاولى خلفا للمالكي. وموقف هذه الشريحة الاخيرة بحاجة الى وقفة خاصة، فإن كان للقوى الاخرى مواقفها المتعلقة بمصالحها او نكاية بسلف السيد العبادي فإن القوى الشيعية إنطلقت في تأييدها للعبادي من موقف أهم وهو إنقاذ مشروعها السياسي ، طبعا هذا لا يلغي منطلقات أخرى لهذه القوى في تأييد العبادي منها تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة ، لكن يبقى العامل الاهم هو إنقاذ مشروعها السياسي والذي بدونه لا تستطيع تحقيق مكاسبها الاخرى. إن فكرة تبديل الوجوه والتي يلحقها حتما تبدل نسبي في السياسات ليست جديدة على وسط الاسلام السياسي الشيعي ، ففي إيران جارٍ إتباع هذه السياسة منذ زمن فيعد رفسنجاني المتشدد حكم خاتمي المتفتح ، وبعد أحمدي نجاد الظلامي المتزمت جيئ بروحاني المنفتح على الغرب وأميركا تحديدا ،في حين إن الهدف الاسمى وهو الحفاظ على نظام الجمهورية الاسلامية بحكم ولاية الفقيه يبقى الاهم من كل تلك التبدلات وحتى الوجوه ، من هذا التوجه جاء إستبدال المالكي بالعبادي ، ليس لان الاخير يحمل مشروعا سياسيا مختلفا لكنه يستطيع الاتيان بالجديد الذي ينفتح فيه الاسلام السياسي الشيعي على بقية القوى المكونة للعملية السياسية أو المكونات الاجتماعية الاخرى ، لكن الى متى يستطيع هذا الانفتاح الاستمرار ؟
خلال حقبة العشر سنوات من تصدرالقوى الاسلامية للمشهد السياسي في العراق ، تبدلت خلالها بعض من التركيبة الاجتماعية نتيجة للسياسات الاقتصادية المتبعة والمتمثلة بالنظام الريعي والذي وفر لهذه القوى الحاكمة الارضية والعوامل المهمة لتكوين ثرواتها ومصالحها الخاصة ولعل الابرز منها هو الهيمنة الاكبر لقوى الاسلام السياسي الشيعي على مجمل وظائف الدولة وأكثرية المواقع القيادية في الجهاز البيروقراطي الوارث لمخلفات حقبة الدكتاتورية والنامي في فترة مابعد الاحتلال وتسيّد نظام المحاصصة الطائفية برعاية المحتل الاميركي وبتطبيق متشدد من قوى الاسلام السياسي بشقيه ومحاولة تقاسم المصالح والثروات عن طريق تقاسم العمل ، فما بين سيطرة شرائح معينة على الاستيرادات وأخرى على التطور العقاري كان نصيب الاسلام السياسي الشيعي هو الهيمنة الاكبر على وظائف الدولة والذي بواسطته يعتقد ممثلوه هم الاقدر على تسيير دفة المجتمع بكل تفرعاته ، لذلك كان الدفاع عن هذه المصالح هو الهدف الاسمى والتي صارت بحكم التقادم في الحكم هي نفسها بمثابة المشروع السياسي لقوى التحالف الشيعي ؟ بالتأكيد هناك وسائل أخرى منها الإستفادة من مواقف القوى الاخرى وسياساتها لتأكيد السيطرة والبقاء في الحكم مثلما تستفيد القوى الطائفية الاخرى من تزمت وتعنت قوى التحالف الشيعي ، إلا إن التمادي الذي سار عليه السيد المالكي أدى الى تخلخل التحالف الشيعي ووصوله الى حافة الانهيار واقتضى إستبداله بالسيد العبادي كبديل ملمع لوجه التحالف الشيعي في هذه الفترة بالذات ، ذلك إن الاسلام السياسي مهما كانت طائفته يبقى إقصائيا متفردا ، مشروعا تقسيميا يرفض الاخر ولايمكن له بأي حال أن يبني نظاما ديمقراطيا حقيقيا ، ينبغي التصدي له وفضح ممارساته ومرتكزاته الفكرية المشوهة والوقوف بوجه كل محاولات الهيمنة المطلقة التي يحاول تكرسيها سياسيا وإجتماعيا .