المنبرالحر

الطائفية السياسية الى اين؟.. رهانات الواقع وخيارات المستقبل / عبدالسيد مهدي حسين الحسيني


لابد لنا تعريف الوعي اولا: لايوجد تعريف متفق عليه اكاديميا واكثر تعريف اتفق عليه جمهرة من المختصين (الوعي هو ناتج اساسي من الاحاسيس الخارجية المستمدة من البيئة فالحواس تنقل المعلومات الحسية الى الدماغ والتشكل الشبكي بدوره ينقل ويوزع هذه المعلومات الى المناطق المختصة في القشرة الدماغية، وبشكل ارتجاعي ، التشكّل الشبكي الذي يعمل على نقل ردود الأفعال إلى الأعضاء الحركية للتعامل مع المستجدّات البيئية .هذا هو التفسير العلمي لعملية أو ظاهرة «الوعي»
الوعي الوطني في العراق:
ثورة العشرين يعتبرها جمهرة من الباحثين بداية الوعي الوطني في العراق ويستدلون على ان الشعب كان خاضعا للحكم التركي (الاستعمار التركي) والصراع الطبقي كان ضعيفاً او غير ظاهر بصورة مؤثرة ومع هذا نجد شمعة مضيئة وهي تصدي بعض المثقفين لتوعية الناس بحقوقهم وخاصة العمال وكمثال على ذلك اضراب عمال الدباغة في الاعظمية لزيادة اجورهم 25 بالمائة في عام 1912 والاضراب الثاني 1913 وقد تحقق مطلب العمال المضربين. ويعتبر قسم من كتاب الغرب ان ثورة العشرين هي امتداد لرفض العراقيين للهيمنة العثمانية. ويذكر د على الوردي في (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) ان ثورة العشرين هي الاولى التي تشترك فيها اغلب فئات الشعب في الريف والمدينة الا عملاء الاستعمار البريطاني وبرزت في هذه الثورة مفاهيم جديدة على الواقع العراقي يرددونها ويهتفون بها مثل الوطنية والاستقلال وغيرها وتعتبر الثورة مدرسة شعبية اتاحت بداية الوعي الوطني. وعزز الوعي الوطني ظهور بدايات الفكر الماركسي وتطور الحركة العمالية للمطالبة بحقوقهما والمطالبة بانشاء نوادي وجمعيات وتطور العمل السياسي والعمالي متلازمين وظهور نقابات العمال وتبلورت الحركات الماركسية والتأمت في الحزب الشيوعي العراقي 1934 الذي لعب دوراً بارزاً بقيادة الجماهير ضد الحكم العميل الجائر وضد الانكليز واحلافهم الاستعمارية المقيتة وتتوج بثورة 14- تموز 1958 لكن انتكاسة انقلاب شباط الاسود والمجازر التي حدثت اعادت الوعي الوطني الى اتجاه انتهازي مقيت ولا زلنا نعاني من اثار القمع الفاشي وتأثيره على ملكة الوعي الوطني . ويذكر الاستاذ عبدالرزاق الحسني في كتاب (تاريخ العراق السياسي الحديث ) ان الانكليز قرروا ان يحكموا العراق حكماعسكريا مباشرا فعينوا لكل لواء وقضاء حاكما عسكريا من ضباط المستعمرات الذين الفوا الحكم والسيطرة او من ضباط الجبش الذين لم يمارسوا الشؤون الادارية المدنية وقد انتفخت اوداجهم صلفا وغرورا فإزدروا الناس واحتقروهم وألحقوا بهم انواع الاذى اما الكتاب وصغار الموظفين فقد كانوا من الهنود وقد اضرت تلك السياسة، غير النافعة بطموحات الناس بالاستقلال، وتكوين دولة عراقية مستقلة بعيدة عن الهيمنة الاستعمارية ويذكر امين الريحاني في كتابه ملوك العرب (ثورة العشرين اججت روح التمرد وإلتهمت الاخضر واليابس في المضارب والمدن من النجف الى بعقوبة ومن ذي قار الى الموصل والوية الاكراد حتى اخذ السياسيون البريطانيون يطلبون النجدة من مراكز المدن الكبيرة بغداد والبصرة ) ومن هنا نستنتج ان ثورة العشرين كانت انطلاقة عراقية رائعة نحو تحرر البلد من المحتل لان الثورة ساهمت في التحول والانتقال الفردي والمجتمعي من مجرد الثقافة والمعرفة العامة الى المعرفة والثقافة المسؤولة فصهرت في بودقتها مختلف التخصصات لتنتج الوعي الوطني الذي يعني ثقافة خاصة لها اسس مختلفة اذ يحضر المكان والزمان والتاريخ والهوية ويستشرف المستقبل ليضعنا امام سؤال كيف نرى العالم ؟ وكيف يرانا؟ يجب ان ينطلق الحوار الوطني ليكسر الجمود الثقافي والمجتمعي وتأسيس ثقافة الحوار واخلاقيات الحوار وهو الامر الذي يجب ان يستمر في كل جوانب الحياة لتشكيل الهوية الوطنية وعلينا ان ننطلق من الحوار الوطني الى الوعي الوطني الذي يشكل مركز الاهتمام بالامن الوطني ليس المقصود بالمفهوم العسكري لكن بالمفهوم المدني الذي يعني الوعي المنسجم مع منظومة المواطنة في الحقوق الواجبات والتطلعات والطموحات.
الوعي الطائفي في العراق :
في المجتمع العراقي تتنوع الطوائف والاعراق منذ الاف السنين وفي اغلب اوقاتها متعايشة سلميا الا في اوقات يحتاجها السياسيون. يعرف معجم اكسفورد الشخص الطائفي بالشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة أي انه يرفض الطوائف الاخرى ويغبنها حقوقها او يكسب تلك الحقوق لطائفته تعاليا على بقية الطوائف او تجاهلا لها او تعصبا ضدها في حين لا يعني مجرد الانتماء الى طائفة او فرقة او مذهب جعل الانسان المنتمي طائفيا كما لا يجعله طائفيا عمله لتحسين اوضاع طائفته او المنطقة التي يعيش فيها دون الاضرار بحقوق الاخرين . ويرى بعض الباحثين ان الطائفية تنتمي الى ميدان السياسة لا الى ميدان الدين والعقيدة وانها تمثل سوقا موازية سوداء للسياسة اكثر مما تعكس ارادة تعميم قيم او مبادىء او مذاهب دينية لجماعة خاصة .كما ان الطائفية لا علاقة لها في الواقع بتعدد الطوائف او الديانات اذ من الممكن ان يكون المجتمع متعدد الطوائف الدينية او العرقية من دون ان يؤدي ذلك لنشوء دولة طائفية او سيطرة الطائفية على الحياة السياسية وبالتالي لتقديم هذا الولاء الطائفي على الولاء للدولة والقانون الذي تمثله واصبحت تعبيرا عن ازمة يعيشها المجتمع حيث اصبحت الطائفية مذهبا وايدلوجية وهوية حلت محل الهويات الاخرى والانتماءات الاعلى بل وبدأت تتعالى عليها وتظهر الاستعداد للتقاطع معها واخذ موقعها وهذا ما يهدد اليوم وحدة الشعوب كما هو مجسد في لبنان والعراق وكثير من دول المنطقة كما ان دولاً عربية اخرى تتخذ من الطائفية ذريعة لقمع شعوبها التي تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.
ان عوامل التأرجح الطائفي بعد 2003 توفرت بفعل:
اولا: التواجد العسكري الاجنبي على ارض العراق وهذا يعتبر اس المشكلة الطائفية لان سياسة الاحتلال تتطلب تأجيج الصراع الطائفي لغرض اضعاف شعوب البلدان المحتلة وبالتالي تسهل مهمة السيطرة عليها.
ثانيا: التدخل الاقليمي في الشأن العراقي من جميع دول الاقليم دون استثناء والتي لها مصالح واطماع تريد تحقيقها باية طريقة وابقاء العراق بلداً ضعيفاً ومنهكاً سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا ولتحقيق هذا الهدف لم تجد تلك الدول امامها افضل من اللعب على وتر الطائفية واشاعة الفتنة الطائفية بين المكونات والعمل على تغذيتها بمساعدة حواضن داخلية لها مصالحها الخاصة.
ثالثا: المؤسسات الطائفية استغلت مقدرات الدولة لقربها الى مصدر القرار في النظام السابق مما جعلها لاتطيق وجود تغير فى الواقع السياسي والاجتماعي العراقي باذلة كل جهدها لارباك الوضع السياسي العراقي ومن هذا الجهد اثارة الشحن الطائفي
رابعا: الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية والتي لا تمتلك مشروعا سياسيا يدفعها للوصول الى السلطة. فقد استسلم السياسيون والمنظرون لفكرة اعتبروها بديهية وهي ان المجتمع العراقي متعدد الطوائف والمذاهب والقوميات وهذه التعددية هي المسؤولة عن اختراق الدولة بالطائفية متجاهلين عمدا الفشل في الوصول الى مشروع لبناء الدولة على اسس وطنية بعيدة عن الشحن الطائفي وهذه العوامل اظهرت اشكالية الطائفية السياسية التي ظلت ملازمة للواقع السياسي العراقي بشكل علني وكانت سبباً محورياً لكثير من الازمات السياسية والامنية التي تعصف بالبلد واصبحت صفة من صفات العمل السياسي وقد استغلت بصورة كبيرة للحصول على المكاسب الحزبية والسياسية واستغل البعض جميع حيل السياسة الطائفية ومنها الظهور بمظهر المظلوم والمبعد عن حقوقه السياسية ليبرر طلب النجدة والعون من قوى خارجية لاستقواء على خصومه السياسيين والوصول للسلطة والنداء الطائفي لا يصدر بالضرورة من اشخاص متدينين فمعظم الاحيان تستخدم الطائفية السياسية من ساسة ليس لديهم التزام ديني او مذهبي بل انتهازي ليحصل على اهدافه وبالواقع القول ان الطائفية هي من فعل المحتل استغلالها من السياسيين وتعتمد في نجاحها لتقبل الاوساط الشعبية لهذا الشحن الطائفي والامر لايخلو من وجود محاولة للتخلص من هذه الاشكالية التي تكاد تكون مزمنة في الواقع السياسي العراقي فالبعض يحاول طي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة لبناء الدولة والبعض الاخر يحاول ايجاد عهود ومواثيق ومؤتمرات وطنية دعوات ووفود اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ترسخ وحدة الصف وتعيد بناء روح المواطنة وهذه المحاولات تزرع التفاؤل في روح المواطن العراقي الذي خبر فشل القيادات السياسية الا ان تصريحات وتصرفات السياسيين لاتبشر بخير واحيانا تحاول شحن الشارع طائفيا مما يدلل على الافلاس السياسي ولمواجهة هذا يجب زيادة الوعي لتنقلع جذور الحرب الطائفية.
مما تقدم نرى ضرورة الوعي الوطني والوعي الطبقي والمطلوب نصرة العمال والفلاحين والكسبة والموظفين والكوادر العلمية والمثقفة لجعلها تساهم في بناء دولة مدنية عادلة وقادرة على ارساء السلم والحفاظ على ثروات البلد واسهام المرأة والشباب في البناء.