المنبرالحر

هل رفع الحزب الشيوعي العراقي شعار إسقاط السلطة في نيسان 1965؟ - رد ثان على السيد همام المراني / جاسم الحلوائي

نشر الأستاذ همام عبد الغني المراني في موقع الناس مقالاً بتاريخ 19 كانون الثاني 2015 تحت عنوان " بعيداً عن التسطيح والشخصنة - مع الأستاذ جاسم الحلوائي". وذلك رداً على مقالي المؤرخ في 24 كانون الأول 2014 " حول تخلي الحزب الشيوعي العراقي(ح.ش.ع) عن خط آب 1964 وذيوله - رد على الأستاذ همام عبد الغني المراني. (رابط مقال المراني مرفق، وكذلك رابط مقالي)
إن ما حفزني للرد على المقال المذكور هو محاولة الكاتب المراني نفي موقف سياسي مهم ﻠ( ح.ش.ع)، ألا وهو رفعه شعار إسقاط حكم عبد السلام عارف الدكتاتوري العسكري في تقرير اللجنة المركزية الصادر في نيسان عام 1965. في حين لا يوجد كتاب مكرس لتاريخ ﺍﻠ(ح.ش.ع) إلاّ ويذكر ذلك عند تناول هذه الفترة التاريخية. ولم تكن هذه الحقيقة موضع خلاف يوماً ما بين مَن أيّد خط آب ومَن عارضه، ورغم ذلك ينفي الكاتب المراني الحقيقة المذكورة ويلتبس عليه تسلسل الأحداث ويكتنفها التشوش الذي قد ينعكس على القارئ غير المطلع على تلك الفترة التاريخية.
ولكي يؤكد الكاتب المراني نفيه المذكور لموقف الحزب فإنه يستشهد بمقتطفين من مقالي ينهيهما بما يلي: " وهكذا أخي الكريم فإنك لم تأتِ بأية فقرة صريحة تشير الى أن الحزب آنذاك رفع شعار إسقاط السلطة في ذلك الاجتماع". المقصود اجتماع نيسان المذكور أعلاه.
ولكي يبرهن على رأيه هذا فإنه يرتكب خطأين مهمين جداً في طريقة استشهاده. الأول: هو أنه يأخذ نصف فقرة من مقالي ويترك نصفها الآخر الذي يتعارض مع رأيه. فهو يقول: " وفي الأستشهادين اللذين أوردهما الأستاذ جاسم الحلوائي , للتدليل على التخلي عن خط آب , لم يذكر بوضوح موضوع اسقاط النظام . فقد جاء في رد الأستاذ الحلوائي ما يلي : "إن البيان، أو بالأحرى التقرير الذي صدر عن اجتماع اللجنة المركزية في نيسان 1965 قد تخلى فعلاً عن خط آب ... قالت ل . م . في تقريرها "إن الحزب الشيوعي " حامل الرسالة التاريخية للطبقة العاملة " وُجِدَ ليبقى، وان " تجربة الاتحاد الاشتراكي العربي" العراقي قد فشلت، ومع كل الضجيج المثار عن "الاشتراكية"، فإن سياسة السلطات، تتناقض سياسياً واقتصادياً وإيديولوجيا مع أبسط مفاهيم ومتطلبات البناء الاشتراكي "ودعا الحزب الشيوعي الناصريين إلى الانسحاب من الحكم والانضمام إلى صفوف المعارضة الشعبية".
أما كامل الفقرة في مقال كاتب هذه السطور فهي:" إن التقرير الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية في نيسان 1965، واستنادا إلى عزيز سباهي وحنا بطاطو، "قد تضمن تعديلاً أساسياً في سياسة الحزب. إذ طالب بإسقاط الحكم الدكتاتوري العسكري، والدعوة إلى إقامة حكومة ائتلاف وطني ديمقراطية، تنهي الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وتصفي مخلفات انقلاب شباط، وتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان. وقالت اللجنة المركزية في تقريرها: إن الحزب الشيوعي "حامل الرسالة التاريخية للطبقة العاملة" وجد ليبقى ...إلى آخر الفقرة التي يذكرها الكاتب المراني. لقد حذف الكاتب المراني نصف الفقرة، لأن شعار إسقاط الحكم الدكتاتوري العسكري واضح وضوح الشمس في النصف المحذوف. هذا إضافة إلى أن الفقرة مستندة إلى مصدرين مهمين جداً وموثقين بهامش يشير إلى صفحات الكتب، حذفت أيضاً!
أما الخطأ المهم الثاني، فهو أن الكاتب المراني يذكر ما يلي: "وفي الاستشهاد الثاني يقول الحلوائي " ففي بيان صادر من الحزب الشيوعي العراقي في 22 كانون الأول 1964 (إي قبل اجتماع نيسان 1965 - همام) لمناصرة المناضلين في " اللجنة الثورية " الذين اعتقلوا بتهمة تدبير انقلاب ضد الحكم جاء فيه " إن شعبنا يرى استمرار سياسة الإعدامات والمشانق , استهتاراً بلائحة حقوق الإنسان , وبجميع مبادئ العدل والقانون والقيم الخلقية , واستجابةً لإرادة الاستعمار والرجعية . إن شعبنا يتساءل: من المسؤول عن هذا الاستهتار بأرواح أبناء الشعب ومصادرة حرياتهم ؟ إن القوى القومية المشتركة في الحكم تسيء إلى سمعتها والى الوحدة نفسها إذا لم تتخذ موقفاً صريحاً وحازماً ضد هذه السياسة الهوجاء " ...
وهكذا فإن هذه اللهجة الحازمة، والإدانة التامة ل "سياسة الأعدامات والمشانق " تنتهي بدعوة القوى القومية المشتركة في الحكم للمحافظة على سمعتها، بالقول " إن القوى القومية المشتركة في الحكم تسيئ الى سمعتها والى الوحدة نفسها، إذا لم تتخذ موقفاً صريحاً وحازماً ضد هذه السياسة الهوجاء " . وهكذا أخي الكريم فإنك لم تأتِ بأية فقرة صريحة تشير الى ان الحزب آنذاك رفع شعار اسقاط السلطة في ذلك الأجتماع .
لا توجد علاقة لهذه الفقرة الصادرة في بيان للحزب في 22 كانون الأول 1964 باجتماع نيسان 1965؟! وقد حذف المراني مبررات إيرادها من قبل كاتب هذه السطور، وهي كما جاء في المقال: "ومباشرة بعد وصولهما (بهاء الدين نوري وعامر عب الله) أخذت أدبيات الحزب تجري تعديلاً في خطابها باتجاه إدانة النظام والتشكيك بإخلاصه للقضايا الوطنية. ففي بيان صادر من الحزب الشيوعي العراقي في 22 كانون الأول 1964 لمناصرة المناضلين من "اللجنة الثورية".. إلخ". فالمقتطف دليل على تغيّر الخطاب ولا علاقة له بشعار إسقاط السلطة وهو قبل اجتماع نيسان بأربعة أشهر والمراني يعرف ذلك، مع ذلك يجيّره لحساب اجتماع نيسان!؟
إذا لم يقتنع الكاتب المراني بسباهي وبطاطو، فسأذكر له مقتطفاً لأحد معارضي خط أب يشير إلى شعار إسقاط السلطة موضوع الخلاف، وهو الفقيد زكي خيري. إنه يذكر، في كتابه المشترك مع سعاد خيري والموسوم "دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" ص 438، ما يلي: "فأخذت اللجنة المركزية للحزب بنفسها تعدل الخطة السياسية التي أقرتها بالاجتماع السابق (آب 1964). فقررت في اجتماع نيسان 1965: "إن الوقائع أثبتت أن مشاكل العراق الملحة لا تجد سبيلها إلى الحل على أيدي زمرة عارف - يحي الرجعية، بل إن هذه الزمرة سارت بالبلاد حثيثاً نحو الحرب الأهلية وتنكرت بجوهر سياستها العامة لمصالح حركة التحرر العربي وأساءت إلى قضية التضامن والوحدة العربية. لذا فإن جماهير الشعب وجميع القوى المعادية للاستعمار على اختلاف قومياتها وميولها السياسية مدعوة إلى أن توحد جهودها: أولاً لإسقاط حكم عارف - يحي العسكري الدكتاتوري...".
أعتقد بأن المراني سيقتنع بأن اللجنة المركزية قد رفعت شعار إسقاط السلطة في نيسان 1965. فإذا كان اعتقادي في محله، فسيجد طريقه للإجابة على الأسئلة التي يطرحها. فعندما يعرف بأن الحزب تخلى عن خط أب ورفع شعار إسقاط السلطة في تقرير يبرر ذلك، فسيعرف لماذا لم يصدر تقريراً من اجتماع ال(25). وسيعرف طبيعة الإلحاح الذي تعرضت له قيادة الحزب لعقد الاجتماع المذكور و...إالخ
لقد اعتذر الكاتب المراني في مقاله، عن التصرف على هواه بمقتطف لكاتب هذه السطور، اعتذاراً مبهماً. فهو يستخف به تارة، ويبرره تارة أخرى.
هذا في المرة السابقة، أما بعد الخطأين المهمين المذكورين أعلاه، واللذين ارتكبهما في طريقة مناقشته غير السليمة، أرى أن ذلك يتطلب منه اعتذارا صريحاً لا يقبل التأويل للقراء.
في الختام لابد من هذه الملاحظة، لقد ذكر المراني ما يلي: " حين تحدث (الفقيد ثابت العاني) عن وثيقتي التقييم لسياسة الحزب، ذكر ان احداهما من اعداد الفقيد زكي خيري وعزيز الحاج، والأخرى اعدها بهاء الدين نوري، بينما تذكر أنت، بأنك ساهمت في كتابتها".
لم أذكر بأنني ساهمت في كتابة تقرير التقييم، وإنما ذكرت مساهمتي في كتابة وثيقة الانتفاضة الشعبية المسلحة، وإن ما جاء في مقالي هو التالي: " وهذا الصراع، حول أساليب الكفاح وكيفية تنفيذها، استمر بعدئذ بين اتجاهين تبلورا في وثيقتين واحدة تدعو إلى تهيئة مستلزمات الانتفاضة الشعبية المسلحة، وكان كاتب هذه السطور أحد المشاركين في كتابتها، والأخرى تدعو إلى الانقلاب العسكري، كتبها الفقيد عامر عبد الله وطرحت الوثيقتان للمناقشة على اللجان المحلية.
20 كانون الثاني 2015