المنبرالحر

الربيع العربي بعد 30 يونيو ( الجزء الرابع ) .. الاسلام السياسي فاشلا / تحسين المنذري

أربعة وثمانون عاما إحتاجها الاخوان المسلمون لكي يصلوا الى دفة الحكم ، قرابة القرن من العمل تحت الارض، تحالفوا خلالها مع حكومات واختلفوا وحملوا السلاح وكانوا الجماعة الوحيدة في مصر التي لجأت الى العنف لحل إشكالياتها ،وعنها انشقت او إنبثقت تنظيمات أخرى أكثر عنفا ، ، أربعة وثمانون عاما تحالفت جماعة الاخوان مع تنظيمات سياسية واختلفت وافترقت ،وخاطبت الفقراء بوعود ربانية ،وكان الاسلام هو الحل الشعار الذي داعبت فيه ومن خلاله مشاعر بسطاء الناس وفقرائهم وكسبت ودهم ، وكانت الجماعة الفئة أكثر ترددا في إتخاذ القرار بالمشاركة بإنتفاضة الشعب المصري في يناير 2011 ،وبإنتهازية واضحة قفزت الى واجهة الاحداث، وأستغلت ماوصلها من مساعدات خارجية لكي تنشئ الجمعيات الخيرية وتوزع القرطاسية على تلاميذ المدارس وتهب القرى الفقيرة المساعدات الطبية وتقدم العطايا لكل من هب ودب على طريقة هبات الوالي ، وأفترقت عن كل الاحزاب السياسية التي شاركت في ثورة الشعب المصري وتحالفت مع الجيش،وأخيرا فاز مرشحها الاحتياط بمنصب رئيس الجمهورية . في ظل وضع شائك ورغبة حقيقية تداعب خيال الشارع المصري في رؤية مصر أخرى أكثر ديمقراطية وأوضح معالما في الطريق نحو العدالة الاجتماعية ، لكن كل ذاك الامل خاب مع أول مواجهة بين الرئيس المنتخب والقضاء الذي حل البرلمان ليعيده بقرار رئاسي مفاجيئ ويتراجع عنه بعد ثلاثة أيام طارحا صورة الرئيس المتردد والفاقد للحكمة ، وتتوالى القرارات الخاطئة والتصرفات المؤدية لأقصاء الاخر ، فتشرع بعملية أسلمة الدولة والمجتمع فيما عُرِف بعملية الاخونة ، غاب الكفوء لحساب الموالي ،والمباشرة للاجهاز على الحريات العامة دون الاكتراث لحجم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني المواطن ،بل إزديادها تعمقا ،ولاول مرة في تاريخ مصر تبرز الطائفية على واجهة الاحداث وكأنها نهجا للسلطة الجديدة أو في الاقل برعايتها ،ويزداد نهج الرئيس المتذبذب تدهورا وإكتشف القاصي والداني إن كل مايدور إن هو إلا بإرادة مكتب الارشاد وبرز دور المرشد كموجه علني للحكم ،وصار الرئيس المنتخب مندوبا لمكتب الارشاد في رئاسة الجمهورية ،وصار العنف سمة المواجهة بين الاخوان وسلطتهم من جهة وجموع الشعب من جهة أخرى بكل قواه ومؤسساته بما فيها الاعلام ذلك الجهاز الاكثر عراقة في مصر والاكثر ضما للمثقفين والمتنورين المصريين من غيره من أجهزة الاعلام في عموم المنطقة ، فكانت الدعاوى والبلاغات النيابية تتوالى في محاولة لتحجيم دوره وإقصائه وصولا الى إعلام موال للاخوان يطبل لرموزها ويهتف لتفاهات رئيسها ، لكن هيهات ، فقد كان الفشل الذريع حليف الجماعة ، التي حكمت المصريين بمفهوم الرعايا وليس المواطنين .وكأن السنوات الاربعة والثمانين لم تفعل سوى زيادة في الانكفاء على الذات والجماعة وتغييب لكل مفاهيم العصرنة والحداثة ، وفي نفس الوقت الحلم بدولة الخلافة والمرشد الفقيه ،في محاولة للعودة بشعب قطع طورا كبيرا في التطلع نحو الافضل ،ولم يغب الفساد المالي والاداري عن المشهد بوجوه جديدة وأسماء متنفذة في الجماعة وحلفائها وبغض نظر بيّن من سلطة الحكومة الاخوانية ، وبذلك كشفت جماعة الاخوان عن وجهها الحقيقي وطريقة تفكيرها في الاستحواذ على الحكم بأي شكل ، مما إضطرها راغبة غير مرغمة في عقد تحالفات مشبوهة مع أميركا يقال منها بيع 40% من أرض سيناء للاميركان مقابل فتات من المساعدات ووعود بدعم سلطتهم في مصر . كل هذا أدى الى تحرك قوى الشعب الحية ، شرائح طبقية وتنظيمات سياسية جمعها هدف واحد هو بناء الدولة المدنية في مواجهة مشروع الدولة الدينية المتخلفة التي سعت جماعة الاخوان وحلفاؤها لتكريسها ، فكانت الانتفاضة ـ الثورة المتجددة إمتدادا لثورة 25 يناير والتي أسقطت حكم السلفيين والاخوان ،وإن إستمر التحشيد ووضوح الاهداف فإن هذا السقوط سيكون الى الابد . تجربة مصر تعطي زخما لثورات الربيع العربي بتجديد زخمها وترصين القوى الحقيقية الراغبة في التغيير لكي تجهز على حكومات الاسلام السياسي المشابهة مهما كانت وعودها ومحاولات تلميع وجهها بشعارات الاعتدال والوسطية ، ففي الاسلام السياسي لا توجد أفكار وسط ولا ممارسات إعتدال فتطبيق الشريعة واحد من حيث النتيجة وإن إختلفت المسارات والشعارات المرحلية ،ولعل في تجارب الشعوب القريبة من مصر ماينذر بتجدد الثورات واعادتها لمسارها المرتجى منذ البداية .أربعة وثمانون عاما من عمل وجهد الاخوان ضاع بسنة واحدة في الحكم ، إنها الحقيقة المهزلة .