المنبرالحر

يـُمسك المرء من لسانه / ئاشتي

أنفخ ُ في مزمار ذاكرتي، وأحك ظهر التاريخ بمسطرة خشبية لعل بقايا أيام بين طياته، ترشدني إلى حقيقة ما يجري في عراقنا، هذا العراق الذي منحته الطبيعة من حرارة الشمس مالم تمنحه لكل بلدان أوروبا مجتمعة غربيها وشرقيها، ليس لكي تنضج الاعناب والارطاب، بل لكي توفر لهم تجربة سيعيشونها بفضل الحكام، فما أسهل على حكامنا توفير التجارب المريرة، وما ألذ هذه التجارب بالنسبة لهم حين تكون نتائجها مطابقة لاحتمالاتهم، عندها تتفتح أساريرهم عن ورود السعادة، ويرتوون بقدح الانتصار على كل خزعبلات الذين يدَّعون أن صبر الشعوب لابد أن ينفد، وإن ما يسمى ثورة الشعب هو أضحوكة من أضحوكات التاريخ لا أكثر ولا اقل، لهذا تراهم يكيلون الوعود التي هي بالنسبة لهم عسل مجاني من نحل خلقته مخيلتهم السادرة في الرياء والكذب، ولا يعرفون أن للتاريخ أسنان تمساح تفتك بكل من ْ يتجنى عليه بالوعود الكاذبة، مثلما للشعوب ذاكرة تنبش عظام من يخدعها بوعوده.
أنفخ في مزمار ذاكرتي، وأحك ظهر التاريخ بمسطرة خشبية لعل بقايا أيام بين طياته، ترشدني إلى حقيقة ما يجري في عراقنا، هذا العراق الذي ابتلي بكل رزايا الدهر، فمن يستطيع أن يتصور خلال عشر سنوات ( الحكومة صرفت على مشاريع الطاقة الكهربائية ما يقارب من 45 مليار دولار فيما انفق المواطنون أكثر من 80 مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية وذلك بشهادة وزارة المالية)، وحرارة القيظ تذيب اسفلت الشارع تحت أقدام الحفاة من أطفال العراق، مثلما تمتص بقايا الماء من مسامات جلود الشيوخ المتغضنة، والمحزن المبكي أننا نسمع تصريحات حكامنا بطيبة خاطر، ونمني النفس بصيف بارد، لا بل سنمنح جيراننا من خير فائض الكهرباء، هل يسأل حكامنا أنفسهم أين ذهبت هذه الأموال؟ اشك في ذلك لأنهم في غنى عن معرفة الجواب، وذلك لأنهم يشتركون في ضياعها، وما يحز في النفس أن حكامنا في كل يوم يتفوهون بتصاريح جديدة، ربما هم لا يعرفون أن العرب القدماء قالت ( المرء يـُمسك من لسانه).
أنفخ في مزمار ذاكرتي، وأحك ظهر التاريخ بناصية أحزاني وأنا أتذكر الشاعر الشعبي الراحل علي التلال حين قال:
( الخير كل الخير بس للوزراء
والشعب مسكين يرجع للوراء
وأحنه محرومين من الكهرباء
واعدونه بالضوه الكرماني
شسبب نصبح بأدنى مستوه
أقبلنا نستورد عقاقير الدوه
ليش ما نستورد اسباب الضوه
لشوكت من الظلام نعاني)