المنبرالحر

الخلط بين الجامعة والجامع / حيدر سعيد

ان الازمة التي يمر بها وطننا عميقة الجذور تشمل كل مناحي مؤسسات الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتفرعاتها وهي نتاج طبيعي لنظام محاصصي طائفي قومي ، تسربت ثقافته المقيتة الى كل المستويات بوصول حاملي فايروس المحاصصة الفكري الى مصدر القرار وتوجيه سياسة الدولة ابتداءا من بناءها الفوقي ( الوزارات التنفيذية وما يلحق بها الى البناء التحتي المؤسسات الخدمية والمنتجة وكذلك السلطة التشريعية والقضائية والاعلامية )، والنظام التعليمي هو واحد من تلك المؤسسات الذي اصابه هذا الفايروس ليقتل مناخات الحرية والابداع والتفكير خوفاً من النور الذي سيشع من تلك الاروقة الجامعية ليهزم الظلاميين مهما كانت حججهم ، فهي بالنتيجة تهدف الى ايقاف تلك المصابيح النيرة من ان تعبد الطريق الى الحرية ، ولذلك نجدها تعمد وباصرار الى ترسيخ القيم النقيضة للفكر الحر وتقود نظام التعليم الجامعي خاصة الى دائرتها المغلقة المبنية على القمع الفكري .
ان الجامعات العراقية هي مصدر الاشعاع الفكري والتنوير ومن اروقتها وقاعاتها ينطلق الابداع ليوظف في خدمة المجتمع في مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والعقلية ، وبذلك يتطور البلد ويشق طريقه الى التقدم والرقي ، وهذا مالا يرضي اصحاب فكر المحاصصة ، الذين يخافون هذا النور المليئ بالمبدعين وترتعد فرائصهم من تغلغله في المجتمع .
وكما يُقال ( ان النور لا يضر العيون السليمة ، بل يصيب ضعاف البصر والبصيرة بالعمى الكلي ) .
وهذا يقودنا الى ما سلكه النظام الدكتاتوري الساقط من توجهه الى السيطرة على التعليم ابتداءأ من الروضة مركزا على الجامعات واخضاعها الى فكره الفاشي القائم على الغاء الافكار الاخرى وتهميشها ، لأنه كان يعتبر الجامعات مدخله الفكري ومنها فرض وصايته على دور العلم والمعرفة ليقتل الابداع ويغيٌب المبدعين وعشاق الحرية والنور، وينصٌب على اداراتها الاميين والجهلة ،ليبنوا جامعات على مقاس فكرهم العقيم ويزودوها بثقافتهم ، من هنا بدأوا بتسطيح الثقافة وتهميش دور العلم والمعرفة .وها هو نظام المحاصصة الذي جاء على نقيض نظام دكتاتوري بائد حسب ما يصفه المتنفذون الذين جاءوا بعد السقوط ، ليغيروا بناءه الفوقي دون ان يمسوا بناءه التحتي وثقافته القائمة على الاقصاء والتضييق على حرية التفكير ووضع الكوابح في طريق الديمقراطية والعلم بشكل جدي جذري ، والدليل هو ما نشاهده اليوم من تبوئ غير المخلصين للعملية السياسية والديمقراطية والذين لم ينظروا الى هموم الجماهير ومعاناتهم بل الى جيوبهم ، يخلطون بين الجامعة كمكان للعلم والمعرفة وصراع الافكار واختلافها، والجامع كونه مكان للعبادة والزهد والابتعاد عن كل ما يسيئ للاسلام ويزور رسالته القائمة على الحق والعدل والمساواة ،كما وصف الشاعر الفذ بحر العلوم الرسول محمد بقوله :
سمعاً رسول الكادحين لشاعر يشدوا بحق الكادحين وينشد
لا خاب عن ترديد نغمتك التي كانت بحب الكادحين تردد
الناس من حيث الحقوق سوية لا احمر لا ابيض لا اسود
والناس ابناء النظام لدولة عدل النظام بها اب يتفقد
هذه رسالة الاسلام الحقيقية وليس كما نرى بعض القائمين عليه وقد تكرشوا حتى عادوا بلا رقاب همهم الدفاع عن مصالحهم وعن كراسيهم القلقة ،وسيكشف التأريخ وجههم القبيح وفكرهم المبني على الجهل والتزييف،
فلا نستغرب في ظل توجه تلك العقول المرتبطة بنظام المحاصصة ان تفرض افكارها المتكلسة على الجامعات من اجل خنق الحرية وقمع الافكار المتنورة وفرض وصايتهم على الطلاب ، وما حدث في كلية التربية للبنات مؤخراً الا نتاج متوقع لفكر منغلق اصيب بفايروس المحاصصة الطائفي القومي الذي يحتاج الى وقفة متصدية حازمة من قبل المثقفين والسياسيين المتنورين والدكاترة الجامعيين الحريصين على حرمة الجامعات ورسالتها العلمية ، واجتثاثه من اروقة الجامعات منار التقدم والتطور قبل استفحاله وانتشار سمومه الفكرية ليخدم بالنتيجة الارهابين الظلاميين ممثلين اليوم بداعش وفكرها النازي الدموي .