المنبرالحر

حرب السعودية على اليمن ... وجهة نظر / تحسين المنذري

منذ أن إنطلقت الطائرات السعودية لتلهب سماء اليمن، حتى إنبرت أقلام وعلت أصوات تؤيد السعودية وأخرى تستنكر ، لكن الملفت إن هذه الاصوات وخاصة الرافضة للحرب تضع مايجري اليوم في إطار الحرب الطائفية ، بحجة إن الحوثيين شيعة والسعودية لايروق لها أن تحكم الشيعة خاصرتها ، نعم فاليمن هي خاصرة السعودية الموجعة بإستمرار ، ذلك لعدم إستقرار الوضع سياسيا وإجتماعيا في اليمن منذ أربعينيات القرن الماضي حيث بدأ التمرد على حكم آل عبد الحميد ، والقلق ينتاب السعودية من كل شاردة وواردة وأي تطور يحصل في اليمن تنظر إليه الاجهزة المختصة لديمومة حكم عائلة آل سعود بتمعن ونظر فاحص وحساب مالهم وما عليهم في كل هذا وذاك ، ولا تتوانى السعودية في التدخل العلني الفاضح في الشأن اليمني كلما إقتضت الضرورة .وليس بخافيا على أحد طبيعة نظام الحكم السعودي الثيوقراطي ـ التوليتاري ، ومن طبيعة مثل هذه الانظمة أن تحكم سيطرتها ليس على شعوبها فقط بل وكل ما أستطاعت من دول الجوار أو الدول ذات التأثير المباشر وغير المباشر على أمنها وإقتصادها وسياستها ، لذلك فإن السعودية وبحكم موقعها الجغرافي وحجمها وكثرة ثرواتها إستطاعت أن تفرض هيمنة شبه مستقرة على إمارات الخليج المتناثرة حولها تحت يافطة مجلس التعاون الخليجي . إن نظاما شموليا كالنظام السعودي لايرضى بوجود نظام مجاور أو قريب مغاير لتوجهاته ، فالسعودية ترغب أن تدين الدول المجاورة بالولاء لها أو بالولاء لنفس الجهات التي تتبعها هي ، وهذا ماحاصل بالنسبة لكل دول مجلس التعاون الخليجي ، أما اليمن فقد إنتابته موجات فبعد إعادة حكم آل عبد الحميد الى سدة الحكم بعد إنقلاب عبد الله الوزير بقي الوضع قلقا حتى جاءت ثورة سبتمبرعام 1962 بقيادة عبد الله السلال الضابط القومي ـ الناصري التوجه ، عندها لم تخفِ السعودية قلقها مما حدث فمن شأن هكذا ضابط أن يثير المتاعب للحكم السعودي إذا ما أستقر في قيادة خاصرة السعودية ، فأعلنت السعودية تأييدها للامام البدر الذي لجأ الى أراضيها وتدخلت قواتها في حرب صعبة ضد نظام الحكم الجمهوري الجديد الذي حصل على دعم مصر ـ عبد الناصر بل ومشاركتها الفعلية في التصدي للقوات السعودية الغازية ، يومها لم يكن السلال شيعيا ولم تكن الطائفية عنوانا للصراعات ، لكن السعودية تصدت لتغيير نظام كان قريبا منها مواليا أو حتى تابعا ، وأستمر الحال هكذا لحد عام 1967 حيث الانقلاب الذي قاده عبد الرحمن الايرياني ضد السلال لتدخل اليمن في حكم أكثر تخلفا من حكم أئمة آل عبد الحميد ، ذلك ما بث روح الاطمئنان عند آل سعود حتى إضطربت اليمن مرة أخرى بعد سلسلة إنقلابات وإغتيالات رؤوساء تؤول في الاخر الى ضابط مغمور يدعى علي عبد الله صالح تمت ترقيته بعد تسنمه الحكم الى رتبة عقيد ، ومع إضطراب الوضع اظهر صالح تحالفه بل وإنتمائه الى قابل حاشد بقيادة آل الاحمر والذين لهم تحالف ومصالح إقتصادية مع شركات ومستثمرين سعوديين بما فيهم من العائلة الحاكمة ، مما بعث على إطمئنان الحكم السعودي ، رغم كل شطحات صالح ونزقه وتحالفاته مع انظمة أخرى في أحيان كثيرة إلا إن السعودية كانت مطمئنة لقوة آل الاحمر وهيمنتهم على صالح وهو ما كان حاصلا بالفعل ، حتى جاءت تطورات الربيع العربي وإجتياح الموجة لليمن بقوة مما أثار رعب آل سعود مرة أخرى ، لذلك تدخلت السعودية بكل ثقلها ومن ورائها أنظمة مجلس التعاون الخليجي لكي تبقى إدارة أمور الازمة وإمتصاص زخمها من قبل مجلس التعاون الخليجي والسعودية بشكل خاص ، وجرى كل ماجرى من إستبدال صالح بنائبه الاضعف منه بمرات عديدة وأعني عبد ربه منصور هادي الذي أعلن تبعيته للنظام السعودي وخذلانه للشبيبة الثائرة وإستمرار تخلف اليمن وتدني إقتصادياته خاصة بعد تطبيق شروط صندوق النقد الدولي بدءا من عام 1994 أيام حكم صالح والتي أدت الى مزيد من الافقار والتراجع ، تلك السياسة التي واصل هادي إتباعها، إضافة الى محاولات فرض أجندات خارجية وفي مقدمتها المشيئة السعودية . إن ضعف الدولة اليمنية إنعكس بشكل بارز بإختيار القاعدة لها مركزا للتدريب وتأهيل إرهابيين والقيام أحيانا بعمليات إرهابية داخل اليمن نفسها كلما إقتضت الضرورة ، تذكير النظام القائم بضعفه وقوة القاعدة .وقد كان من شأن كل ذلك أن تشهد اليمن صراعات عديدة كان منها مثلا الحراك الجنوبي الذي أراد الانفصال مرة أخرى ، ونمو الحوثيين الاميبي ليس بمعزل أيضا عن ضعف الدولة اليمنية ، حتى جاءت لحظة التمرد الواضح ليس على الحكم اليمني بقدر ماكان على الهيمنة السعودية متمثلا برفض الحوثيين للاتفاق الموقع برعاية السعودية ومجلس التعاون الخليجي ، وسيطرتهم بالتالي على مقاليد الحكم وهروب منصور هادي الذي تسميه الاوساط الخليجية بالرئيس الشرعي !!!. ربما لا يكون الحوثيون بأفضل حال من سابقيهم فهم دعاة دولة ثيوقراطية أيضا ولا تتضمن شعاراتهم وأهدافهم أي إشارة الى الديمقراطية والتعددية ، لكنهم خارج الجلباب السعودي وتلك النقطة هي المفصلية في الامر ، وهنا لا أتهم الحوثيين بولائهم لايران ولا أستبعد ذلك لكنهم بجميع الاحوال ليسوا على النمط الخليجي المعتاد ، فكانت الحرب المعلنة من جانب السعودية وموضة التحالف الدولي المساند التي سادت الحروب منذ حرب تحرير الكويت . قد تكون للسعودية أهداف أخرى من هذه الحرب منها مثلا محاولتها تخريب المفاوضات الجارية بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد وخاصة أميركا حيث قرب التوصل الى إتفاق قد يفضي بعودة إيران الى الواجهة كحليف أهم لأميركا وقد يترتب على ذلك تغيير في الاولويات يضر بمصالح العائلة الحاكمة في السعودية ولو على المدى البعيد ، لكن ماهو واضح هو رفض السعودية وجود نموذج آخر وهذا ما دأبت عليه مع اليمن منذ أربعينات القرن الماضي والى اليوم ، عليه ارى إن وصم الحرب الجارية في اليمن بالطائفية قد يكون خدمة لال سعود تخفي نواياهم الحقيقية في الهيمنة والسيطرة على الشعب السعودي أولا وعلى شعوب المنطقة ثانيا ، إمعانا في التخلف ومزيدا من الترويج للبضائع والسياسات الغربية .