المنبرالحر

يسـار / قيس قاسم العجرش

أوضح من الشمس في سماء صيف عراقي! كانت الطائفية والإنقسام على أساس العرق والدين والمذهب، وما زالت على رأس الأسباب التي أدّت الى واقعنا المُنقسم الذي نحن فيه اليوم.. هل هناك من ينكر الإنقسام ؟ أم ينكر سوء الإدارة والفساد؟
مع ذلك، نجد البعض يستمتع بإطلاق إسم (اليمين!) على هذا النسق من الأداء السياسي الكارثي بذاته، أو الذي أودى بنا الى الكارثة الراهنة.
(يمين) بمعنى الإشارة الى تنوع طبيعي في الإتجاهات السياسية، وبالتالي فطالما هناك (يسار)، وجب أن نتوقع في قبالته (يميناً) سياسياً !! وكأننا لسنا في بلد تحتلّ ثلثه أبشع عصابة إرهابية وحشية عرفها التاريخ الى اليوم.. هذا الكلام يصحّ في الحياة السياسية الطبيعية للبلدان المستقرة.
وبما ان الإستثناء رافق نشأة المؤسسات الحكومية وفقاً للمحاصصة منذ عام 2003، فكيف نتوقع أن يكون اليسار يساراً طبيعياً وان اليمين يميناً مثل نظرائه حول العالم؟
لقد تعرضت الديمقراطية في العراق بمفهومها الذي يعرّفه التاريخ السياسي الى تشويه متعمّد تحت يافطة «الديمقراطية التوافقية» واتضح انها تكون في التطبيق، حصناً حصيناً لأي مسؤول يفسد في منصبه واثبتت التجربة ذلك. وبالتالي صارت لدى المفسدين حصانة تجاه الرقابة ومانع من الخضوع للقانون، فتعطّل أول ركن من أركان الديمقراطية المألوفة وهو رقابة البرلمان.
ابتعد البرلمان عن كونه قبة تجمع الآراء السياسية والتمثيل الشعبي، ولم نر فيه الى الآن يساراً كما لم نر فيه يميناً يعاكس اليسار.
كل الذي رأيناه طوائف وقوميات، تعزز إنقسامها في الشارع كي تدعم أسهمها وحصصها في دولة الريع المتدفق!
وخفت صوت اليسار حتى اقترب من التلاشي رغم نضاله في إظهار هذه الحقائق للجميع.
لكن، لنا هنا وقـفة.
إن كانت الطائفية ممقوتة الى هذا الحد الذي يدركه عموم الناس، فلماذا تؤثر فيهم لحظة ممارسة حقهم الإنتخابي؟ الجواب: لأن هناك من امتهن تخويفهم من الآخر المختلف. وهناك من بنى وجوده على أن الأفراد أعضاء في طائفة أولاً قبل أن يكونوا مواطنين أسوياء مع اقرانهم.
بكلمات أخرى، إننا إزاء أداء سياسي حطّم الهوية الوطنية واستنفع من الإنقسام الطائفي وحرف الديمقراطية عن مفاهيمها وأفرغها من معانيها.
في المقابل، لدينا (يسار) ما زال يقاوم كل هذه الرزايا، ما زال يرفض المُحاصصة والطائفية و(يخسر) بسبب هذا الرفض. ما زال يؤكد أن المواطنين هويتهم الوطنية واحدة وصوتهم متساوٍ...
ألا يستحق هذا اليسار وقفة تأمّل وتقييم وتحية بعد ذلك كله؟