المنبرالحر

إزدواجية المعايير في السياسة اﻷمريكية (2) اﻷعتذارالمتأخر / د. علي الخالدي

إستمرارا للظروف الموضوعية والذاتية التي خلقها نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية ، والذي لا يزال يطبق بشكل توازنات سياسية ، لتقاسم السلطة بين الكتل واﻷحزاب ، على الرغم من أعتراف الكثير من قادتها ،بخطل تبني هذا النهج المقيت ،لكونه كان وراء البلاء والمصائب التي مست كياننا الوطني واﻹجتماعي ،وأوقعته بمزالق مأساوية ، ستلازم إعاقة السير على السكة الصحيحة نحو التطور والتقدم الحضاري ،ومما يزيد من ضيمنا ، أنه لم نر ما يفيد إعتراف القائمين عليه بالفشل وبأﻷخطاء ،بشكل يعجل في ردم ومعالجة موروثاته، وفق مقتضيات المصلحة الوطنية واﻹستحقاقات الدستورية ،خاصة بعد ما أُوكدَ على نية النهوض بالتغيير الذي يترقبه الشعب ، والذي يقع في مقدمته التخلص نهائيا من كل ما من شأنه إثارة التناقضات الداخلية بين اﻷحزاب والكتل القائمة على الحكم والتنافس على اﻷستحقاقات السياسية في السيطرة على الهيئات المستقلة التي تُستغل لجني المغانم ،و التستر على الفاسدين وسارقي المال العام . ومع كل ذلك لم تلمس الجماهير ، أية دعوات لتغليب المصلحة الوطنية ،على المواقف الذاتية للكتل واﻷحزاب ،وفك أرتباطاتها بأجندات دول الجوار ،وتحميل مسؤولية من أجهض تطبيق المشروع الوطني ،الذي إستحقه شعبنا بعد إسقاط الصنم والذي لا زالت مقوماته الدافع الحسي لجيشنا الباسل وقواتنا اﻷمنية وهي تخوض معركة تحرير اﻷرض من رجس داعش.
إنه من حقنا الدفاع عن نقاء ونزاهة المفاهيم الوطنية واﻹنسانية التي زرعتها القوى الوطنية في أفكار جماهير شعبنا ،والتصدي لوصف هذا الشخص و ذاك الحزب بالوطنية، وهو لم يمارس الروح الوطنية بعملية الدفاع عن مصالح الشعب والوطن ،إلا في إطار تحقيق نصرة هذه الطائفة أو تلك ، متناسيا وعوده اﻹنتخابية ،بمواصلة النهوض بمسؤولياته بشفافية لخدمة المصالح الجمعية للجماهير وتطلعاتهم ،مشفوعة بإلتزامه الديني .
فعند إلتزام الفرد والحزب بتلك الحدود ، تتوفر الشروط لإطلاق صفة الوطنية عليهم .لكن من مفارقة هذا الزمان ،يستيقظ البعض بعد سبات ليس بالقصير ،ويعلن بمفرده عن فشله ، دون تحمل المسؤولية عن ذلك ،ودون أن يدور بفكرة اﻷعتذار للشعب عن تلك اﻷخطاء،على الرغم من أن القوى الوطنية والديمقراطية قد حذرت من مغبة الانزلاق والوقوع بها ،سواء عن دراية أو بتضليل ،مبينة له ولغيره ، أن اﻹستجابة لنداء ،عقد مؤتمر وطني لكل اﻷطراف المطالبة بالتغيير الحقيقي ( لا يزال قائما) ،ضرورة تفرضها المرحلة الحرجة التي ساد فيها الفساد والسحت الحرام ، لما سيوفره ( المؤتمر الوطني ) ، من وضع خطط ، وفرص عملية لتقويم اﻷوضاع الشاذة التي يمر بها الوطن ،وعملية التغيير من جهة ،وتلافي مواصلة الوقوع بالفشل من جهة ثانية ،كون مجرد إنعقادة يشكل إعتذارأ ضمنيا للشعب عن ما أرتكب بحقه من تسلكات فردية وحزبية وكتلية أدت الى ما هو عليه الآن ،علاوة على كونه سيزرع الآمال الواسعة لدى الناس بإصلاح ما هدم وتحقيق تغيير حقيقي.
إن اعلان الفشل واﻹستمرار بمنصب سياسي آخر ،تختفي خلفه نية مواصلة ممارسة التحدي لعملية التغيير ،بهذا الشكل أو ذاك ،ويُحي صيغة قديمة دأبت عليها اﻹدارة اﻷمريكية ،وبعض قادة اﻷنظمة الدكتاتورية ،والتي يراد لها أن تنتعش كي يتواصل خلق عوامل تؤدي الى إيجاد بيئة حاضنة لسوء اﻹدارة والفساد ،وتشابك مصالح التوازنات السياسية في أجواء الصراع الطائفي بشكل اقوى من السابق.
نعم لقد نُصب على شعبنا من قبل أمريكا ،و من أتت بهم بإﻹعتراف باﻷخطاء بشكل متأخر جدا بعيدا عن القاعدة القانونية التي تقوم على تحديد نوعية الخطاء وإزالة الضرر .فالعديد من المسؤولين اﻷمريكان وأصدقائهم ،يعترفون بأخطائهم في العراق ،دون إعتذار علني عنها ،مع تجنب الحديث عن مسؤوليتهم القانونية ،لينفذوا من طائلة المسائلة والتعويض ، فمن السهل اﻷعتراف بالفشل وألخطأ ،لكنه يصعب عليهم (الدول واﻷحزاب ) اﻷعتذار للشعوب ،وهذا هو أحد قوانين البرجوازية و الرأسمالية.