المنبرالحر

الى جان جاك روسو / جاسم المطير

إليك مني أحر التحيات:
في مثل هذه الايام من نيسان عام 1712 وُلدت، وفي نيسان عام 1778 توفاك الله . انت محظوظ جداً ، يا سيدي جان ، فقد نلت أرفع لقب يناله رجل سويسري ، لقب (مواطن جنيف). صارت البشرية كلها تمجّدك وتطلق عليك لقباً آخر هو ( أبو الديمقراطية). لأنك استطعت بنظرياتك التعبير عن خير العلاقة بين المجتمع والدولة ، بين الدين والدولة ،وعن شر العلاقة بين السياسة واجهزة القهر. لقد تعرفتْ البشرية كلها إلى جهدك الخاص وعلمك الخاص عن اللامساواة بين البشر وأصلها وامتداداتها السياسية. لذلك ظلت حياتك ذات قيمة كبيرة لدى كل شعوب العالم رغم انك لم تنل لا شهادة مدرسية ولا شهادة جامعية .
إنك محظوظ ، يا سيدي ، لأن الله لم يخلقك عراقياً ولم يمنحك هوية الأحوال المدنية، ولا شهادة الجنسية ولا بطاقة تموينية عراقية. لو كنت عراقياً ما أصبحت مرموقاً ولما سمحوا لك بالترشيح للانتخابات البرلمانية ولا انتخابات مجالس المحافظات لأنك لم تحصل على أية شهادة مدرسية من جنيف ولا شهادة جامعية حتى ولو من جزر القمر.
اسمح لي أن اعلمك يا سيدي (جان) أن بلادنا فقدت حيويتها وعافيتها ونشاطاتها العلمية لأنها اعتمدت على ( الشهادات المدرسية والجامعية المزورة ) حيث الدستور العراقي والقوانين العراقية الجديدة استخرجت نظاماً قائماً على شهادة الدكتوراه ، سواء كانت حقيقية او مزورة ، ففي بلادنا صار نواب كثر ، ووزراء كثر، ومدراء كثر ، يحملون الشهادات الجامعية المزورة بعد أن غابت المبادئ الاخلاقية من قلوبهم ونقصت المعرفة من عقولهم، حباً بالمنصب السلطوي.
نتذكرك اليوم ، كما نتذكر جورج برناردشو، الذي استطاع أن يكون قائداً سياسياً في بريطانيا العظمى واديباً عالمياً رغم أنه مثلك لا يملك ، لا شهادة مدرسية ولا جامعية، حاله مثل حال الكاتب العربي الراحل عباس العقاد ، الذي لو كان عراقياً لما نال المجد العربي الكبير فهو مثلك أيضاً لا يملك شهادة مدرسية، كما هو الراحل محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العراقي، الذي ما حصل غير الشهادة الابتدائية، تماما كما هو حال الشاعر معروف الرصافي. واللهِ لو كان الماوردي حياً والفراهيدي حياً والمتنبي حياً والجاحظ حياً والزعيم الوطني جعفر أبو التمن حياً وغيرهم الكثير من القادة اللامعين سيكون مآلهم البطالة والتسكع وربما الانتحار ، في عصر المحاصصة والمناطحة والمساطحة. لا أدري هل يعلم القادة العراقيون الجدد أن الرئيس الامريكي السابع عشر ( أندرو جونسون) كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب وقد علمته زوجته القراءة بعد انتخابه رئيساً وأنه استطاع أن يستكمل مرحلة تحرير العبيد في امريكا .
اتجه الكثير من القادة العراقيين الجدد إلى التضحية بالجانب الأخلاقي من سيرة حياتهم من أجل الحصول على (شهادة جامعية مزورة) تساعدهم على التخلص من أزمة نفسية ومن أزمة العصر العراقي الحالي حيث مئات وآلاف من القادة والموظفين استطاعوا تحطيم الاطار التقليدي القائل : (الرجل المناسب في المكان المناسب) ليحل محله قول آخر( شهادة مزورة خير عميم للرجل غير الفهيم) . هكذا غدت شهادة الدكتوراه ولو مزيفة هي ميزة الحاكم الجديد والقيادي الجديد.
اما المجدد الحقيقي فأنه أصبح مواطناً عراقياً من الدرجة العاشرة لا يمكنه أن يوطد صلته ودوره بالعصر العراقي الجديد إلاّ إذا برّر وعزّز وجوده بحمل شهادة جامعية مزورة تؤهله الدخول إلى (مجلس المحافظة) أو (مجلس النواب) أو (مجلس الوزراء) وكل مجالس الابراج العاجية في المنطقة الخضراء . من يدري ربما لو كان ألبرت اينشتاين قد ولد في بغداد لسوء حظه فأن مدير ناحية الشامية يرفض تعيينه محاسباً في مدرسة ابتدائية مثلما يرفضون حتما تعيينكم مستشاراً في أية منظمة من منظمات المجتمع المدني.
لمعلوماتكم يا أبا الديمقراطية العالمية – جان جاك روسو - أن المتظاهرين في بغداد من حملة الشهادات الجامعية العليا (الماجستير والدكتوراه) قد أحرقوا ، صباح أمس ، أمام مبنى وزارة التعليم العالي شهاداتهم الحقيقية ، غير المزورة ، بوقفة احتجاجية لأن حكومة العراق (الديمقراطية للكَشر) لم تكلف نفسها عناء تعيينهم في الجامعات العراقية أو في دوائر الدولة لأنهم غير منتمين لأحزاب الاسلام السياسي,
اعتقد جازماً، يا سيدي جان، أن اللامساواة تعمقت في بلادنا حتى صارت الدولة العراقية الجديدة تمتنع عن مساواة حاملي الشهادة الاكاديمية الحقيقية الفاضلة بحاملي الشهادات الرديئة المزيفة .
ختاما لكم شكوانا يا اسطورة الديمقراطية التي ظفرتْ بها عقولٌ ونـأتْ عنها عقول..